أقرأ باسم ربي
أقرأ باسم ربي
قال أحد الصالحين: ( ما أشبعُ مِنْ مطالعة الكتب، وإذا رأيتُ كتابا لمْ أَرَهُ فكأني وقعتُ على مكسب عظيم كالكنز).
وقال الشاعر أبو الطيب المتنبي:
وَخَيْرُ جَلِيسِ فِي الزَّمَانِ كِتَابُ
مكانة القراءة في الإسلام
حظيت القراءة في الإسلام مكانة عالية، ومنزلة عظيمة، فكانت أول كلمة نزلت من القرآن الكريم قوله تعالى:” اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ” العلق، ثم أكد ذلك بقوله تعالى:” أَقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَم بِالْقَلَمِ ” العلق
فكان ذلك بداية لفتح آفاق العلوم والمعرفة، ومحوِ الجهل وبداية تقدمهم .
وقد حثنا النبي صلى الله عليه وسلم على تعزيز القراءة في مجتمعه، فأخذ الصحابي الذي يستطيع القراءة منزلةً عظيمة عنده ، ومنهم زيد بن ثابت الذي شُرِّف ببعض المهام العظيمة؛ ككتابة المصحفِ والرسائل، والترجمة إلى لغات أخرى.
وكان يبعث القرّاء من الصحابة إلى البلدان المختلفة، يعلمونهم القرآن الكريم، وهكذا غرس الإسلام في نفوس المسلمين حب القراءة، والكتابة فحرصوا على اقتناء الكتب، وحملوها معهم في أسفارهم، وهذا أحدُهُمْ ينصح صاحبه قبل سفرِه فيقولُ: “استعن على الغربة بقراءة الكتب المفيدة فإنها ألسن ناطقة، وعيون مبصرة”
ـ وجعل رسولنا الكريم فداء الأسير في غزوة بدر بدرٍ أَنْ يُعَلِّمَ عشرةً مِنْ صبيان المسلمينَ الكتابة والقراءة، ليشارك في تعليم المجتمع القراءة والكتابة لما لهما من أهمية كبرى وعظيمة .
قال ربنا الكريم: ” أَقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ “”( العلق].
العلاقة بينَ قولِهِ تعالى:” أَقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ [العلق]، وقوله تعالى: “فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِن مَّاءٍ دافق “ [سورة الطارق: 5 – 6].
كلاهما يحث على التفكر والتأمل في خلق الله تعالى،
مفهوم القراءة في الآية الأولى أَقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ [سورة العلق]، هو التأمل والتفكر في المخلوقات.
ـ الفرق بين مفهوم القراءة التي ورد الأمر بها في الآية الأولى، ومفهوم القراءة في قوله تعالى: ” أَقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإنسانَ مِنْ عَلق * اقرأ وربك الأكرم * الَّذِي علم بالقلم ) (سورة العلق)، القراءة في أول آية يقصد بها التفكر في المخلوقات أما في هذه الآية قراءة الكتب.
فوائد القراءة وأثرها
إن للقراءة في الكتب المفيدة فوائد عظيمة، وآثارًا عظيمةً:
1- وسيلة العلم، وسبيل المعرفة.
2- غذاء العقل.
3- لذة القلب.
4- هي توسع فهم القاري.
5- تُكسِبُهُ عِلْمًا وحكمةً.
6- تنمي مِنْ مهاراته اللغوية.
7- تزيد من خبراته.
8- كما أَنَّهَا تُهَذِّبُ الأخلاق.
9- تُقَوِّمُ السلوكَ.
ـ ثمرة الجمع بينَ القراءة والتأمل في مخلوقات الله تعالى الظاهرة والقراءة والتدبر في آيات القرآنِ الكريم المكتوبة، يزداد من التأمل في المخلوقات معرفة بوجود الله وقدرته وعظمته.
أثر القراءة
– على التفكير والإبداع:
تزيد مداركه العقلية وتكسبه علماً وحكمة وتنمي الإبداع عنده.
– المنزلة الاجتماعية:
تعلو مكانته عند الناس بما يكتسبه من علم فيساهم في التطور
– على الحالة النفسية:
فيه راحة لقلب الفرد فهي تسعده وتشعره بالطمأنينة.
– على السلوك:
تربي أخلاق الفرد وتقوّم سلوكه فيحسن تعامله مع الآخرين.
– على المهارات اللغوية:
تنمي القراءة المهارات اللغوية فتكسب القارئ القدرة على التعبير والطلاقة.
الكتابة أول ابتكار في العالم
إنَّ الحياة بلا قراءة وتعلم لا قيمة لها، ولذا أقسم الله تعالى بأدوات القراءة والكتابة؛ كالقلم الذي يكتب به أنواع العلوم، قال تعالى: “ ن وَالْقلم وَمَا يَسْطُرُونَ ” (سورة القلم: 1]، ونبه الله تعالى على فضل علم الكتابة في قوله تعالى: ( أقْرأ ورَبكَ الأكرم * الذي علم بالقلم ” ( سورة العلق)؛ لما فيه من المنافع العظيمة، فما دونَتِ العلوم ولا انتشرت، ولا قيدَتِ الحكم، ولا وصلت أخبار الأولين ومقالاتهم إلا بالكتابة، ولولا القراءة والكتابة لما نظمت أمور الدنيا والآخرة.
فائدة الكتابة للمتعلم
وممّا أوصى بهِ أحد العلماء أصحابَهُ أنه قال: ( اعلموا رحمكُمُ اللهُ أنَّ هذا العلمَ يَندُّ كما تَندُّ الإِبلُ – أَيْ يَشْرُدُ ويهرب كما تهربُ الإِبلُ والمقصود أنه يُنسى – فاجعلوا الكتُبَ لَهُ حُماة، والأقلام عليهِ رُعاةً) فالكتابة تقيّد العلم وتحفظه من النسيان.
ـ كانَ الخليلُ بنُ أحمدَ – مؤسس علم العروض – رحمه الله- يقولُ: (ما سمعتُ شيئًا إِلَّا كتبتُهُ، ولا كتبتُهُ إلا حفظته، وما حفظته إلا نفعني)، فكان كثير القراءة والاطلاع،
تساعد على ثبات المعلومة الذي تعلمها ويتذكرها عند الحاجة إليها.
ـ توجد علاقة وثيقة تربط بين القراءة والقدرة على الكتابة الإبداعية، فالقراءة توسع مدارك الإنسان وتكسبه المعرفة وتدفعه للكتابة الإبداعية، ويُعَدُّ التأليف (الكتابة الإبداعية) عمليةً عقلية، أداتُها العقل، وليست يدوية، وصياغة الأفكار والعبارات وإخراجها في مؤلف إبداعي
مصادر القراءة ومجالاتها
تُعد القراءة مفتاحا للعلم، فعلى الإنسان أن يقرأ العلم النافع، ويقتني الكتب المفيدة، وهي كثيرة ومتنوعة في وقتنا المعاصر، وتوجد في صورتين: مواد قرائية ورقية، ومواد قرائية إلكترونية، ومنها ما يلي:
1- القرآن الكريم: فهو خير كتاب يقرأه المسلم، قال تعالى:” فَأَقْرَءوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْءَانِ ” [سورة المزمل:20]، وقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ» (رواه مسلم).
2- سُنَّةُ نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وسيرته العطرة: فمنهما نستلهم الدروس والعِبَرَ، ونأخذُ منهما الأسوة الحسنة، قال تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أَسْوَةٌ حَسَنَةٌ ” (سورة الأحزاب:21).
3- سير العلماء والصالحين: فمنها ننهل من علمهم وخبرتهم، فتزيدنا معرفةً، ونتعرف على أخلاقهم وسلوكياتهم الحسنة، فنتبعُهُمْ في ذلك، فقد قيل لابن المبارك -رحمه الله-: يا أبا عبد الرحمن، لو خرجت فجلست مع أصحابك، قال: إني إذا كنتُ في المنزلِ جالستُ أصحاب رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. يعني قراءة سيرتهم. الأدب العربي: فالمحافظة على اللغة العربية مسؤولية وطنية ودينية وأخلاقية. كتب المعارف المختلفة في شتّى أصناف العلوم، فهناك عدد كبير منها تُرْجِمَ للعربية، وأصبحَ مُتاحًا للجميع.
4- الكتب التي تتحدثُ عن الوطن وتاريخه ومُؤَسِّسيه فهي تَغْرِسُ في النفوسِ حُبَّ الوطن، والتضحية من أجله، والحفاظ على استقراره، والمساهمة في بناء حضارته. تطورت وسائل القراءة في وقتنا الحاضر، فلم تَعُد مقصورةً على الكتب والمجلدات، بل أصبحت وسائل القراءة الإلكترونية متاحةً ومتعددة، ومنها:
تَصَفُحُ الشبكة المعلوماتية، ومطالعة الرسائل النصية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وهيَ مِنْ صُنْعِ الإنسان الذي نجح في استثمار القراءة استثمارًا جيدًا.
النتائج التي تعود على قارئ القرآن الكريم وتدبره أثناء التلاوة
1- ينال به المرء رضا الله فيثاب عليه.
2- تكسبه طلاقة لغوية.
3- تكسبه المعرفة بكيفية عبادة الله تعالى.
4- تكسب الفرد علماً وحكمة ومعرفة.
5- تهذّب أخلاق الفرد وتقوّم سلوكه.
6- تنمي قدرات الفرد على التفكير والابتكار.تُعَدُّ وسائل القراءة الإلكترونية سلاحًا ذَا حَدِّيْن‘ فهي سهلة التناول ولكن ضررها أكثر من نفعها إذا لم ينتبه على نفسه ويتقي الله.
ـ هناك خطر عظيم وهو أخذ العلم من مصادر المعرفة الإلكترونية غير الرسمية وغير الموثوق بها، لأن أخذ المعلومات قد تكون غير صحيحة ويشك في مصداقيتها.
القراءة أساس الحضارة
إنَّ القراءة سبب لرفعة الإنسان في الحياة وبعد المماتِ، ووسيلة لرقي المجتمعات وحضارتها، قال تعالى:”يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ”[المجادلة:11]، فعندما شُغِفَ المسلمون الأوائل بالقراءة والكتابة أقبلوا على المعارفِ المتنوعة، فنشطت حركة التأليف والتصنيف والترجمة من اللغات والحضارات المتنوعة، وأصبحت المكتبات من أعظم مكتسبات الحضارة الإسلامية وثمراتها، ومن أثرى المكتبات في العالم.
وقد أدركت قيادتنا الرشيدة في دولة الإمارات العربية المتحدة ما للقراءة من دور في الإبداع والابتكار لبناء الحضارة الإنسانية؛ لذا أوْلَتِ القراءة اهتمامًا كبيرًا ، فشَيَّدَتِ المدارس والجامعات، وأسست المكتبات، ووفرت أسباب القراءة النافعة، فأقامت معارض الكتب، وحقَّتْ على القراءة من خلال المبادرات والمسابقات الكثيرة، ورصدت الجوائز الكبرى لذلك.
دور القراءة في بناء حضارة الشعوب من المقولة التالية:
قالَ صاحِبُ السُّمُو الشَّيْخُ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيسِ الدولة رعاه الله: ( إنّ العلماء والباحثين والمبتكرين الذين سيقودون مستقبلنا لا بد من صناعتهم على أسس منْ حُبِّ القراءة، وحب المعرفة والفضول، ليأتي جيل قارىء مثقف، وترسيخ الإمارات عاصمة للمحتوى والمعرفة).
القراءة سبب للعلم والمعرفة ولصناعة العلماء والمبتكرين الذين يساهمون مساهمة كبيرة في قيادة مستقبل الدولة.
ــ وقد أطلق سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم – حفظه ورعاه الله مشروع تحدي القراءة العربي الذي أطلق من دولة الإمارات العربية في عام 2015 ميلادي، ومن أهدافه الاعتماد على النفس في القراءة وتطوير الذات، وزيادة الفكر والوعي بأهمية القراءة لدى الطلاب في العالم العربي،
وأصدر صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رحمه الله تعالى أول قانون للقراءة في المنطقة العربية، في أكتوبر 2016م:
القراءة مسؤولية تربوية: إِنَّ البيتَ يضعُ اللَّبِنَةَ الأولى في تنشئة الأبناء وتنمية عقولهم، قال صلى الله عليه وسلم: « وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا» (رواه البخاري ومسلم)، فعلى الآباءِ غرس حب القراءة في نفوس الأبناء، وحَثهُمْ على استغلال أوقاتِهِمْ فيها، مع توفير البيئةِ التي تُعينُهُمْ على ذلك، ومِنْ أقوى الأسباب المعينة على ذلك: توفير مكتبة تحتوي على الكتب التي تناسب فِكْرَ الأَبْنَاءِ وتفكيرَهُمْ، وتضم أصناف العلوم النافعة، وبذلك تنمي عقول الأبناء، وتزيد ثقافتهم، فتصبح ثقافةُ القراءة متأصلةً بين أفراد المجتمع.
الفوائد التي تعود على الأبناء منْ جلوسِهِمْ معَ الآباء لقراءة الكتب قراءة جماعية في مجلس أُسرِيَّ:
الطمأنينة النفسية وتآلف الأسرة وترابطها، وتوعية الأبناء بأهمية القراءة
وتوثيق العلاقات بين الآباء والأبناء، وتنمية تفكير الأبناء، وإكسابهم القدرة على الحوار والتعبير عن الرأي.