الوحي الإلهي ( قرآن وسنة )

حاسبوا أنفسكم

حاسبوا انفسكم

ذكَرَ لَنَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ النَّاسَ مَجْمُوعونَ لِيَوْمِ لَا رَيْبَ فِيهِ لِلْحِسابِ هُوَ يَوْمُ القِيَامَةِ، يَتَسَلَّمُ فِيهِ كُلُّ إِنْسَانٍ كِتابَهُ فِي يَدِهِ فَالسَّعِيدُ يَتَسَلَّمُهُ بِيَمِينِهِ مُتَفاخِرًا مُلَوِّحًا: هاؤُمُ اقْرَؤا كِتَابِيَهُ، وَالشَّقِيِّ يُخْفِيهِ وَراءَ ظَهْرِهِ مُتَحَسِّرًا: يا لَيْتَني لَمْ أوتَ كِتَابِيَهُ. وَهَذا مِنَ العَدْلِ الإِلَهِي في الدُّنْيا وَالآخِرَةِ أَنْ يُحَاسَبَ الإِنْسانُ عَنْ كُلَّ صَغِيرَةٍ وَكَبِيرَةٍ قَدَّمَهَا فِي الدُّنْيا.

قالَ اللَّهُ تَعَالَى: “وَوُضِعَ الْكِتَبُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَبِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا” [الكَهْفُ: 49]

عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ له قالَ: قالَ رَسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:

“لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ: عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ؟ وَعَنْ عِلْمِهِ مَا عَمِلَ بِهِ؟ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ؟ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ؟”. (رَواهُ التَّرْمِذِيُّ)

معاني مفردات حديث لا تزول قدما عبد يوم القيامة

يُسْأَلُ:             يُحاسَبُ.

أَفْنَاهُ:             قَضاهُ.

أَبلاه:            فيما عَمِلَ بِأَعْضَاءِ جَسَدِهِ.

أربعة أمور يُسأَل عنها العبد يوم القيامة

هي عمره وعلمه ووقته وماله.

شرح حديث لا تزول قدما عبد يوم القيامة

الحكمة من خلق الإنسان

لَمْ يَخْلُقِ اللَّهُ تَعَالَى الإِنْسانَ فِي هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيا بِغَيْرِ هَدَفٍ وَغايَةٍ بَلْ أَرَادَهُ تَعَالَى لِمُهِمَّةٍ عَظِيمَةٍ وَهِيَ عِمارَةُ الأَرْضِ فَكَرَّمَهُ تَعَالَى وَمَيَّزَهُ عَنْ باقي المَخْلُوقاتِ لِيَكُونَ أَهْلًا لِتِلْكَ الْمُهِمَّةِ، ثُمَّ حَمَّلَهُ الْأَمَانَةَ وَهِيَ رِسالَةُ التكليف بِتَوْحِيدِهِ وَعِبادَتِهِ وَطَاعَتِهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَجَعَلَهُ مُخَيَّرًا وَمَسْؤولًا عَنِ اخْتِيَارِهِ فَأَعَدَّ لَهُ إِمَا جَنَّةٌ وَإِما نارًا في الآخِرَةِ جَزَاءً لِمَا اخْتارَ في حَياتِهِ، فَأَخْبَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَهَمِّ مَا يُسْأَلُ عَنْهُ الْعَبْدُ القيامة وهي:

اقرأ أيضاً  الطاعة والامثال طريق الإيمان 

1-عمره قيم افناه:

العمر هو الفترةُ التي قضاها الإنسانُ في هَذهِ الدُّنْيَا مُمَثَّلَةَ بِالوَقْتِ مِنْ سِنِينَ وشهورٍ وَأَسابيع وأيام وساعات طَاعَةً وَدَقائِقَ وَلَحظات وينبغي على المسلم استثمار وقته في العمل طاعة اللَّهِ تَعَالَى وَخدْمَةُ لنَّفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَوَطَنهِ، فالوَقْتُ غال عِنْدَ اللَّهِ تَعالى وَلَا مَجالَ لِمَضْيَعَتِهِ لِأَنَّ اللَّحْظَةَ الَّتِي تَمَرُّ لا تَسْتَطِيعُ إِعَادَتَها.

2-عِلْمِهِ مَا عَمِلَ بِهِ:

كَرَّمَ اللهُ تعالى الإِنْسَانَ بِالعَقْلِ وَوَهَبَهُ مَيْزَةَ التَّعَلُّم وَالحِفْظِ وَوَهَبَهُ حَواسًا كَالسَّمْعَ وَالنِّسَانِ وَالبَصَرِ تُساعِدُهُ عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ حَثَّهُ عَلَى طَلَبِ العِلْمِ وَرَفَعَ مِنْ مَكانَةِ الْمُتَعَلِّمِ عَلَى سائِرِ خَلْقِهِ، قال تعالى: “يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ”[المُجادَلَهُ: 11]. وَهَذَا العِلْمُ نورُ وَمَعْرِفَةٌ وَعَمَلٌ لا يَحْتَمِلُ إِلَّا بِالتَّطْبِيقِ، فَإِنْ لَمْ يُحَقِّقِ الرُّقِيِّ وَالرِّفْعَةَ لِلْإِنْسَانِ أَوَّلًا ثُمَّ لِمُجْتَمَعِهِ ثُمَّ لِوَطَنِهِ فَلَا خَيْرَ فِيهِ وَسَيُحَاسَبُ عَلَيْهِ، قَالَ رَسُولُنَا الكَرِيمُ صلى الله عليه وسلم (مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ ثُمَّ كَتَبَهُ أَلْجِمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِلِجَامِ مِنْ نَارٍ) رَواهُ أَحْمَدُ.

3- ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه:

مِنْ أَعْظَم نِعَمَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا نِعْمَةُ المالِ فَهُوَ عَصَبُ الحَياةِ وَبِهِ يَحْيَا الْإِنْسَانُ حَيَاةً طَيِّبَةً بَعِيدًا عَنِ الْفَقْرِ وَالحاجَةِ، لَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَتْرُكُ أَمْرَ كَسْبِ المَالِ مَفْتوحًا بِأَيِّ وَسِيلَةٍ لِعِبادِهِ، بَلْ حَدَّدَ لَهُمْ طُرُقًا مَشْرُوعَةً وَنَهَاهُمْ عَنْ طُرُقِ الكَسْبِ الحَرامِ، وَلأَهَمِّيَّةِ المَالِ وَتَهَافُتِ النَّاسِ عَلَيْهِ جُعِلَ السُّؤالُ عَنْهُ يَوْمَ القِيامَةِ سُؤالَيْنِ: عَنِ الْكَسْبِ أَوَّلًا وَعَنِ الْإِنْفَاقِ ثَانَيًا.

بعض طرق كسب المال المشروعة 

الهبة، الهدية، التجارة، الوظيفة، الإرث.

بعض طرق صرف المال المَشروعة:

1- إطعام جائع.

2- النفقة على كفالة اليتيم.

3- النفقة على الأسرة والوالدين.

4- جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلاه:

وَهَبَ الله تعالى الإِنسَانَ جِسْما متكاملا فيهِ مِنَ الأَعضاءِ وَالحَوَاسُ مَا تُمكنهُ مِنَ القيامِ بِطَاعَتِهِ وَشُؤون حياته وَواجِباتِهِ وَنَشاطاتِهِ، قَالَ تَعالى: “أَلَمْ نجَعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ وَهَدَيْنَاهُ النَّجَدَينِ “[البلد 8-10]. وَلَوْ تَفَكَّرَ الإِنسَانُ مَا بِهَذَا الجَسَدِ مِنْ نِعْمَ أَعْجَزَ عَنْ حَصْرِها فَوَجَبَ عَلَيْهِ دَوامُ الشكر لله تعالى بما أنعم عليه من ذاكرة وقوام وصحةٍ وَعَافِيَةٍ وَهَذَا الشُّكْرُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ قَوْلًا وَعَمَلًا.

اقرأ أيضاً  المستظلون في ظل الرحمن

فعَنِ ابْنِ عَباس ، قالَ: قالَ رَسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ: (اغْتَنِمُ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاءَكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ). رَوَاهُ الحَاكِمُ.

فعلى أن الإنسان أن يستغل عمره وماله وعلمه وجسده في طاعة الله تعالى وخدمة دينه ووطنه.

زر الذهاب إلى الأعلى