السيرة والأعلام

الإمام البخاري أمير المؤمنين في الحديث

الإمام البخاري أمير المؤمنين في الحديث

لقد أنزلَ اللهُ عَرْ وَجل آخرَ كتبه على خاتم أنبيائه، وفرض على نبيه أن يبلغ الكتاب ويبينه للناس، فكانت سنته بمثابة التفسير والشرح لمعاني وأحكام القرآن العظيم، فضلا عن كونها المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي. قالَ تَعَالَى: ( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) (النحل (44) وقد هيأ الله تعالى لهـا مـن العلماء عبر العصور المختلفة؛ مَنْ حفظها و نشرها وذب عنهـا، فصانَهـا مـن الضياع والعبث، وأنشأ علماء الحديث منهجًا علميا امتازَتْ بهِ أمتُنا عن سائر الأمم – القديمة والحديثة في التأكد من الروايات.

 نشأة البخاري ومولده

 ولد الإمام محمد بن إسماعيل البخاري عام 194هـ، حيث كانَتِ الدولة العباسية في أوج نشاطها العلمي والثقافي، فعاش عصرا علميا رائعا نمت فيه شتّى العلوم، ومنها علوم الشريعة، وكان أبوه من تلاميذ الإمام مالك رحمه الله وكان عالما جليلا، وقد عُرف بالتقوى والعلم ، قالَ عند وفاته: ( لا أعلم في مالي درهمــا فـي حرام ولا شبهة) .

– ونشأ الإمام البخاري تحت رعاية أمه وكنفها بسبب وفاة والده وهو صغير، فأحسنت تربيته ورعايته فقدَ محمد بن إسماعيل البخاري بصره في صغره، فلجأت أمه إلى الدعاء لله عز وجل أن يشفي ولدها، وفي أحد الليالي رأتْ في منامها سيدنا إبراهيم عليه السلام، فبشرها بأن الله عزوجل قد رد على ولدها بصره، فأصبح وقدْ ردَّ الله عليه بصره.

فإنَّ  لأثر النشأة في شخصية الإمام البخاري: فقد عاش يتيما فقامت امة بتربيته فكان لذلك اثر في تربيته.

 فهناك علاقة بين تقوى الأهل وصلاح الأولاد: فصلاح الأبناء من صلاح الأهل.

-فالأمهات في عصرنا الحالي عليهم دور كبير في رعاية وحماية أبنائهم وبناتهم:

فلابد من الاهتمام بالأبناء اليوم خاصة في وجود الانترنت وانفتاح العالم وكثرة الفساد

اقرأ أيضاً  منهج النبي صلى الله عليه وسلم في الدعوة

 العلم سلاح

روي محمد بن أبي حاتم أنه سمع البخاري يقول: أُلهِمْتُ ( وفقه الله لحفظ الحديث) حفظ الحديث وأنـا فـي الكتَّاب, فسأل: وكم أتى عليك إذ ذاك ؟( وكم كان عمرك )؟ فقال: عشر سنين أو أقل.

ثم خرجت من الكتاب ( تحفيظ القرآن) بعد العشر، فجعلتُ أختلف إلى الإمام الداخلي ( من علماء الحديث ) وغيره، فقال يومـا فـيمـا يُقرئ الناس ويعلمهم: سفيان عن أبي الزبير عن إبراهيم. فقلتُ ( البخاري) له: إن أبا الزبير لم يرو عن إبراهيم، فانتهرني ( عتب عليه وزجره) فقلتُ ( البخاري) له: ارجع إلى الأصلِ ( المراجع) إنْ كانَ عندك فدخل  الداخلي فنظر فيه ثم رجعَ، فقال: كيف هو يا غلام؟ يعني كيف عرفت؟ فقلتُ هوَ الزبير, وهو ابن عدي عن إبراهيم. فأخذ الداخلي قلمه وأصلح كتابه وقال لي: صدقت، فقال له إنسان ( أحد الحاضرين ): ابن كم كنت حين ذاك؟ قال: ابن إحدى عشرة سنة.

– فجلوس الإمام البخاري في حِلَقِ العلم، وهو ابنُ إحدى عشرة سنة فيه دليل على حبه للعلم.

قول البخاري. رحمة الله لشيخه: ( ارجع إلى الأصل إن كان عندك):فيه أدب من البخاري في تنبيه شيخه على الخطأ.

تصحيح الإمام البخاري لشيخه الداخلي ما كتبه، وقوله لتلميذه: ( صدقت)، فيه دليل على تواضع شيخه ورجوعه عن الخطأ فهذا أدب من آداب طالب العالم.، والاعتماد على الدليل والتوثق يعد أدبا من آداب العلم.

ثناء العلماء على الإمام البخاري

– قال ابن خزيمة عند الله: ( واصف البخاري) ما تحت أديم السماء أعلم بحديث رسولِ اللهِ مِنْ محمد بن إسماعيل دليل على ثقة العلماء به.

قال الحافظ ابن حجر رضي الله عنه في الإمام البخاري: لو فتحتُ بابَ الثَّناءِ عليه لفنيَ القرطاس، ونفدَتِ الأنفاس، فذلك بحر لا ساحل له فهذا تعدد مناقبه وخصاله الكريمة.

يقول البخاري رحمه الله: كتبتُ عن ألف وثمانين نفسًا ليس منهم إلا صاحب حديث دلالة على كثرة علمة

– كان الإمام مسلم رحمه الله  يقبل شيخه الإمام البخاري رحمه الله بين عينيهِ/ احترامه معلمه.

– يقول الإمام البخاري: ما اغتبتُ أحدًا قط  ( ما ذكر أحا في غيبته بسوء ) منذ علمتُ أن الغيبة حرام, الخلق القويم.

اقرأ أيضاً  الإمام مالك بن أنس رحمه الله

– رافقته أمه وأخوه للحج، فبقي البخاري في مكة  ولم يرجع معهم ,بينما رجع كلاهما لوطنهما, وذلك لشدة حرصه على طلب العلم.

قال شيخ البخاري -إسحاق بن راهويه رضي الله  عنه لطلابـه يـومـا: ( لو جمعتُم كتابـا مختصرا في الصحيح من سنة رسولِ الله ).

– قال البخاري رحمه الله: ( فوقع ذلك في نفسي ( اهتم بالأمر وبدأ الجمع ) فأخذتُ في جمع الجامع الصحيح).

 وكان رحمه الله قد رأى النبي في المنام وكان البخاري بين يديه وبيده مروحة يذبُ بها عنه. فسأل المعبرين فقالوا: ( أنت تذبُ عنه الكذب).

جمع الإمام البخاري للجامع الصحيح

بدأ الإمام البخاري تحقيق رؤية شيخه وهـو ابنُ ثلاث وعشرين سنة. فكان لا يكتب حديثا في كتابه إلا بعد أن يتوضأ، ويستخير، ويتيقن من صحته، واستمرّ في جمعه ست عشرة سنة حتى اكتمل، واشتهر باسم (الجامع الصحيح المسند مـن حـديـث رسول الله وسننه وأيامه). وقد جمع في كتابه 7275 حديثًا، اختارها من بين ستمائة ألف حديث كانت تحت يديه.

اعتمد الإمام البخاري في تصنيف الجامع الصحيح على الكتب والأبـواب ؛ فبـدأ بكتاب الوحي: باب: كيف كان بدء الوحـي ثـم بـاب عـن هيئة مجيء الوحي للنبي صلى الله عليه وسلم وهكذا، وجعل أول حديث فيه: إنما الأعمال بالنيات. ختم مؤلّفه بكتاب التوحيد، وجعل آخر حديث فيـه بـاب قـولِ اللهِ تعالى: ( وَنَضَعُ الْمَوْزِينَ الْقِسْطَ يَوْمِ القيامة ، قول النبي : ( كلمتان حبيبتان إلى الرّحمنِ خفيفتان على اللّسانِ ثقيلتان في الميزان سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم ).

– عندما عرض البخاري رحمه الله كتابه على علماء عصره كيحيى بن معين وعلي بن المدينيّ وأحمد بن حنبل زيادة في التوثق من مروياته.

– امتاز الجامع الصحيح  الذي ( جمعه البخاري )عن غيره من الكتب باجتماع شرطين لقبول الحديــث فــي الكتاب:

1- المعاصرة بين الرّاوِيَيْنِ.

 2-إثباتُ اللقاء بينهما.

 أكبر عدد من الحقائق العلمية التي تجعلنا نثق في صحة مرويات الإمام البخاري:

1– الفترة الزمنية التي كتب ما كتابه ( 16 سنة ) كفيلة بالتمحيص والتدقيق .

 2- حرص الإمام البخاري على صحة ما كتب فقبل أن يكتب الحديث كان يصلي ركعتين استخاره وذلك بعد البحث والتدقيق.

اقرأ أيضاً  الإمام مسلم رحمه الله

3-عرض البخاري الكتاب على كبار علماء عصره فوافقوا البخاري على صحة كتابه ووافقه كذلك العلماء من بعده.

– الأسباب التي جعلت البخاري يستجيب لرؤية شيخه أبو إسحاق بن راهويه:

1- محبته لدينه ورسوله صلى الله عليه وسلم.

2 – محبة لمعلمه.

3 – محبته لعلم الحديث الشريف.

 الجامع الصحيح في عيون العلماء

1- يقول الإمام الذهبي مالك عن صحيح البخاري: أجلّ كتب الإسلام وأفضلها بعد كتابِ اللهِ عَز وجل.

2- ووصف صحيح البخاري بأنه: ليس تحتَ أديم السماء أصح من كتاب البخاري ومسلم بعد القرآن.

3-وذكر الإمام الدهلوي اتفاق المحدثين على صحة الأحاديث المتصلة المرفوعة عند الإمام البخاري والإمام مسلم، وأن مَنْ يهوّنُ أمرهما فهو مبتدع متبع غير سبيل المؤمنين.

4-ونظرا لأهميّة الكتاب، قام العديد من العلماء بتأليف الشروح والمختصرات وغيرها للكتاب، وقد بلغت العشرات من المؤلّفات. ومن أشهرها “فتح الباري شرح صحيح البخاري” للحافظ ابنِ العسقلاني، وقد قام الشيخ محمد بن راشد عباد الله بطبع الكتاب على نفقته الخاصة، وتوزيعه مجانا، ومن شروحه كذلك: إرشاد الساري للقسطلاني، وغيرهما كثير.

– ثناء العلماء على الإمام البخاري يرحمه الله وكتابه واعتباره أصح كتاب بعد القرآن العظيم: 

1- لاشتراطه للمعاصرة.

 2- وشرط اللقاء لقبول الرواية، دقته في أخذ الحديث.

تلاميذ الإمام البخاري

1- الإمام مسلم بن الحجاج، الذي كتب كتاب “صحيح مسلم”.

2- الإمام أحمد بن حنبل، مؤسس المذهب الحنبلي ومؤلف كتاب “المسند” الذي يعتبر من أهم كتب الحديث.

3- الإمام النسائي، مؤلف كتاب “السنن الكبرى” الذي يعتبر من أهم كتب الحديث.

4- الإمام الطبراني.

صفات الإمام البخاري

1-اشتهر بعلمه الواسع.

 2- الدقة في جمع وتحقيق الحديث النبوي.

3- الجدية والاجتهاد: كان الإمام البخاري يتميز بالجدية والاجتهاد في عمله، حيث كان يقوم بتحصيل العلم والتحقق من صحة الحديث.

4- التقوى والورع.

5- إخلاصه لله تعالى.

وفاة البخاري رحمه الله

توفي الإمام محمد بن إسماعيل البخاري، عالم الحديث الشهير، في سنة 256 هـ الموافق لعام 870 ميلادي في مدينة سمرقند بخاري، وهي مدينة تقع في أوزبكستان الحالية.

زر الذهاب إلى الأعلى