العقيدة الإيمانية

الإيمان بالغيب ( مفهومه وأقسامه )

الإيمان بالغيب (مفهومه وأقسامه)

قَالَ تَعَالَى: ( وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةً لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) ( النحل)

أدوات المعرفة عند الإنسان البصر والسمع والحواس الأخرى، والأمور التي يمكنُ للإنسان معرفتها بواسطة أدواتِ المعرفةِ الّتي أنعم الله تعالى بها على الإنسان تكون في الأمور المادية المحسوسة.

مفهوم الغيب

أبدع الله تعالى الكونَ وجعل فيه من المخلوقاتِ والأشياء ما لا يحصى ولا يعدُّ، منه ما يدرك بالحواس الخمس، ومنه ما لا يدرك ولا حتى بالوسائط والأدوات المتاحة لنا مهما تطورت مع التقدم العلمي؛ وبذلك يصبحُ غيبيا بالنسبة للإنسان.

مفهوم الغيب

 هِوَ: كلّ ما غابَ عنْ حواس الإنسانِ ولا يعرفُ إلا عن طريق الوحي.

 أقسام الغيب

 الأول: غيب استأثرَ اللهُ بعلمه ولا يمكن للإنسان إدراكه و إن استخدم أحدث الوسائلِ التَّقنيّة كعلم الساعة، قال تعالى: ( قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللهُ ).

الثاني: غيب أعلمَ اللهُ تعالى النَّاسَ بهِ أو ببعضه عن طريق الوحي، قال تعالى: عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ ) (الجن)، فقد أوحى الله تعالى لنبيه بأخبار غيبية ما كان يعلمها هو ولا قومُهُ من قبل، وقص عليه أخبار المرسلين السابقين، يقول تعالى: ( ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ)(آل عمران ).

 وذكر القرآن بعض ما سيحدث من غيبيات كمشاهدِ يوم القيامةِ وما فيهِ مِنْ  كربات وأهوال يقول تعالى: ( فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخةُ (33) يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرَء مِنْ أَخِيهِ وَأَمِهِ وَأَبِيهِ (34) وَصَاحِبتهِ وَبَنِيهِ (35) لِكُلِّ أَمْرِي مِنهُمْ يَوْمَئذ شَأَن يُغْنِيهِ (36).

سبب ذكر القرآن الكريم لقصص الرسل مع أقوامهم لتكون عظة للناس ومنهجا للمسلمين للاقتداء بالرسل:  قال تعالى: ( وَكُلَّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذَكَرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ) (هود).

– وصور القرآن الكريم أهوال الساعة وأحداثها ليأخذ الناس حذرهم ويتجنبوا الأعمال السيئة التي تهلكهم يوم القيامة .

مفهوم الايمان بالغيب

هو التصديقُ الجازم بكل المغيّباتِ التي جاءَ بها الوحي دون تردُّدِ أو شك، فالمؤمنُ الحقُّ من لا يتكلّفُ البحث في الغيبيات لعلمه بأنَّهُ عاجز عن إدراكها، ويجعل همّه العمل فيما يرضي الله تعالى.

أهمية الإيمان بالغيب

 لقد عدّ الإسلامُ الإيمان بالغيب أصلا من أصولِ الدِّينِ وهُوَ سمةٌ مميّزة للمتّقين، يقول تعالى:

( الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمَمَّا رَزَقْنَهُمْ يُنْفِقُونَ ) (البقرة)

فلا يجوز ردُّ شيء من الأمور الغيبِية الثابتة في الكتاب أو السُّنَّةِ لمجرد أن العقل يستبعدها، فإنَّ العقول مهما بلغت من الذكاء تضعفُ عن إدراك أمور الغيب.

اقرأ أيضاً  التسامح مع المخالفين في العقيدة

 فالإيمان بالغيب يحرِّرُ فكر الإنسانِ منَ الاشتغال في قضايا تتجاوزُ قدراته إمكاناته ووسائله، وفي مقابل ذلك يستخدم كلَّ طاقاته العقلية لدراسة سنن الله في الكون؛ لكي يستفيد منها في تنمية مجتمعه وذاتِهِ في كل المجالات.

 العلاقة بين أركان الإيمان الستة والإيمان بالغيب

أنَّ الإيمان بالغيب مهم لأن كثيراً من أركان الإيمان لا سبيل للإيمان بها إلا به كالإيمان بالله والملائكة واليوم الآخر

وفي سورة الكهف أمر غيبي استأثر الله بعلمه ولم يظهرُهُ إِلَّا لمن ارتضَى، هو عدد فتية أهل الكهف.

– لا يعلم الغيب إلا الله تعالى:

خلق الله تعالى الكونَ وكل ما فيه من مخلوقات، وأحاط علمه بها فلا يغيب عنه مثقال ذرة في الأرضِ ولا في السماءِ، ولا يطلعُ على غيبه تعالى أحد إلا بما شاءَ، فعلمُ الغيب من خصائصه تعالى وحده، يعلمُ سبحانه الحاضر والمستقبل والماضي، يقول تعالى: ( قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ) ( النمل).

إنَّ المخلوقات مهما امتلكت من وسائل ومهما بلغت منزلتها تبقى عاجزة عن معرفة الغيب،  فنبينا محمد عليه السلام له منزلة عظيمة عندَ اللهِ تعالى، ومع ذلك فإنَّهُ لا يعلم من الغيب إلا ما أطلعه الله عليه عن طريق الوحي ليكونَ معجزة له ولمصلحة البشر قال تعالى: ( عَالمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضي)، وقال سبحانه عن نبيه محمد: ( وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوء ) ( الأعراف: 188).

 والملائكة يقتصر علمُهُمْ على  العلم الذي علمهم الله إياه، فمع قربهم من الله تعالى، فلا يعلمون الغيب، ويقولونَ كما أخبر الله عنهمْ: ( سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ( 32 )( البقرة).

– والجن يسترقونَ السَّمعَ للأوامر التي توجّه من الله للملائكة فقط، فلا يعلمون شيئًا من الغيب، فعن عائشةَ رضي الله عنها قالت: سأل أناس النبي عن الكهان, فقال: إنّهم ليسوا بشيء, فقالوا: يا رسولَ اللهِ, فَإِنَّهُمْ يحدِّثونَ بالشيء يكونَ حقًا), قال: فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ( تلك الكلمةُ منَ الحقِّ يخطفها الجنّي فيقرقرُها في أذن وليه كقرقرة الدجاجة، فيخلطونَ فيهِ أكثر من مائة كذبة) (رواه البخاري).

 حكم الذهاب للعرافين والدجالين

 إن من يذهب للعرافين أو يسألهم عبر وسائل الاتصال عما سيحدثُ له في المستقبل. قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: ( من أتى عرّافًا فسأَلَهُ عنْ شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة) (رواه مسلم). الكفر والشرك بالله. إبطال دور العقل والفكر وفيه تشجيع الدجالين وتقويتهم.

– يقول تعالى: ( وَيَسْألُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ) ( الإسراء) فالروح من أمره تعالى ولا سبيل لفهمها ومعرفة حقيقتها ومن جادل فيهما فهو مخالف لأمر الله ومنكر لما ثبت في القرآن.

اقرأ أيضاً  التفكر في الإسلام

مفاتح الغيب

لا يعلم مفاتح الغيب أحد إلا الله تعالى، فالله تعالى حصر علم الغيب عنده وحدَهُ، ومفاتيح: جمع مفتاح وهو ما يفتح به، وعبر بالمفاتيح عن أمور الغيب من باب التشبيه، حيثُ شُبهتِ الأمور المغيِّبَةُ عنِ النَّاسِ بالمتاعِ النَّفيسِ الذي يُدخرُ بالمخازن والخزائن المستوثق عليها بأقفال، بحيثُ لا يعلم ما فيها إلَّا الَّذي بيدِهِ مفاتيحها، قال سبحانه: ( وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ) ( الأنعام: 59)

وعن ابن عمر رضي الله عنهما – عن النبي صلّى اللهُ عليهِ وسلّم – أنه قال: ( مفاتيح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله, لا يعلمُ ما تغيضُ الأرحام إلا الله، ولا يعلم ما في غدِ إلا الله، ولا يعلم متى يأتي المطرُ أحد إلا الله، ولا تدري نفس بأي أرض تموتُ إلا الله, ولا يعلم متى تقومُ الساعةُ إلا الله) ( صحيح البخاري).

إن أمور الغيب ليست قاصرة في الأمور الخمسة، وإنما خُصِّصَت بالذكر لتعلقها بحياة الإنسان ورزقه ومصيره وهي:

1- وقت قيام القيامة: وقتُ قيام القيامةِ مما اختصّ الله بعلمه فلا يعلمُ أحدٌ زمن وقوعها، وعندما سأل جبريل – عليه السلام النبي  عن الساعة قال: ( ما المسئول عنها بأعلم من السائل)  (رواه البخاري)، أي: أنا وإياك في الجهل بزمن وقوعها سواء.

2-علم نزول الغيثِ: ممّا اختصّ الله به، فلا يعلم متى ينزل المطر ولا في أي مكان ينزل إلا الله، وقد يعرفُ خبراء الأرصاد قرب نزول المطر عند وجود العلامات وظهور الأسباب علمًا وليس فيه يقين، بل ظن يشوبه شيءٌ من التخمين وقد يتخلَّفُ. فما يخبر عنه خبراء الأرصادِ والطقس إِنَّما هُوَ مِنْ بابِ التوقع فقط، وَوجب عَلى مَنْ يخبرُ بنزول المطر بناءً على تلك التوقعاتِ أنْ يقرن قولَه بالمشيئة، كأن يقول: يُتوقع نزول المطرِ غدًا إِنْ شَاءَ اللهِ.    

3- يعلم ما في الأرحام: تفصيلا من جهة نوعه ذكر أم أنثى وتخلقه وعدم تخلقه، ونموه  وبقائه لتمام مدته بالولادة، أو سقوطه قبلها ميتًا أو حيًا، وسلامته وما قد يظهر عليه من أضرار دون أن يكسب علمه بذلك من غيره أو يتوقف على تجارب أو أسباب، بل يعلم ما سيكون عليه قبل أن يكونَ, وقبل أن تكون الأسباب، فإن لمقدّر الأسباب وموجدها  من العدم علمًا لا يتخلَّفُ ولا يختلف عنه الواقع وهو الله سبحانه، وقد يرى الأطباء شيئاً من أمور ما في الأرحام من ذكورة أو أنوثة أو إصابته بمرض أو سلامته، أو توقع سقوط الحمل قبل اكتماله، أو قرب ولادة لكن ذلك بتوفيق اللهِ تعالى إلى أسباب ذلك بعد الكشف بالأشعة لا من نفسه ولا من علمه وهذا كله بعدما يأمرُ اللهُ الملك بتصوير الجنين وتحديد نوعه.

4- يعلم ما تكسب نفسٌ غدًا: فلا أحد يعلم ما تكتسبه نفسه أو ما يكتسبُهُ غيرُه في المستقبل من علم وعمل ومال، فهذا أيضًا مما استأثر الله بعلمه تفصيلا، وقد يتوقع الناسُ مكاسبهم وخسارتهم في التجارة وإقدامهم على المشاريع وعمل دراسة جدوى مما يبعثُ أملا وإقداما على السعي أو خوفا ما، فكل هذا لا يسمى علما، فهذا كله بناءً على أمارات وظروف محيطة بهم.

اقرأ أيضاً  الغفور العدل سبحانه

5- يعلمُ زمان ومكانَ موتِ النّفس: فلا أحد يعلمُ زمن ولا مكان موته ولا موتِ غيره، فلا تدري نفس بأي أرض تموتُ في بر أو بحرٍ، في بلدها أو بلد آخر، فلا يعلم تفاصيل ذلك إلا الله وحده، فإنَّهُ سبحانَهُ له كمال الإحاطة والعلم بالأشياء، باطنها وظاهرها.

-هذه المفاتيح مرتبطة ارتباطا وثيقا بحياة الإنسان فهو لا يعلم متى يولد. ولا متى يموت ولا يعلم ماذا سيكسب في الغد ولا أحد يعلم وقت نزول المطر ولا مكانه ولا كميته وأما قيام الساعة فلا يعلمها إلا الله.

 سبب إخفاء الله تعالى موعد قيام الساعة عنِ النَّاسِ:

ليكون الناس دائما على استعداد لقيامها فيعملوا الأعمال الصالحة.

والبعض يدعي أنه أصبح بإمكان النَّاسِ معرفةُ وقت نزولِ الغيث مع إمكان إنزال المطر اصطناعيًا خاصة مع تقدم التكنولوجيا، نقول إنَّ الناس يتوقعون نزول المطر لكنهم لا يعرفون وقته بالضبط ولا مكانه بالضبط ولا كميته بالضبط مهما أوتوا من علم ومهما تقدمت أجهزتهم وعلومهم.

– ووصل العلم الحديث إلى القدرة على تحديد جنس الجنين، بل وتصويره ومتابعة تطوره أثناء فترة الحمل في تحديد جنس الجنين يكون بعد أن يتخلق لكن الآية أشمل فهي تدل على. المعرفة الشاملة بنوع الجنين ولونه وشكله ورزقه وهل هو شقي أو سعيد.

 ثمرات الإيمان بالغيب

– ثمرات على الفرد والمجتمع، منها:

1- خشية الله تعالى في السر والعلن؛ فيحافظ على الطاعات والعبادات.

2- الإخلاص في العملِ رغبةً في رضا الله تعالى وثوابه العظيم، قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا نُطْعمكُم لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءَ وَلَا شكورا ) ( الإنسان).

3- ترسيخ وتقوية قناعة الإنسان بأن ما قدره الله تعالى له خير, سواءٌ أَعَلِمَ الحكمة أم لم يعلمها، يقول تعالى:

( وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ) ( البقرة: 216).

 4- دخول الجنة.

5- الطمأنينةُ والسعادة للفرد والمجتمع، قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَتَطْمَئن قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئنُ القُلُوبُ ) ( الرعد).

6- سمو المؤمن وعلو مكانته فوق المخلوقات الأخرى.

7- الإيمان بالغيب هو الذي يحكم السلوك الإنساني ويضبطه.

أثر الإيمان بالغيب على المؤمن

قالَ تَعَالَى: ( مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَاهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا ءَاتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ)

– الإيمان بالغيب يجعل المؤمن صابرا محتسبا اذا أصابته مصيبة لأنه يعلم أن المصيبة مقدرة من عند الله وأنه ينال أجرا على صبره.

كيف يستعد المؤمن ليوم القيامة

1- بالإيمان والأعمال الصالحة.

2- يبتعد عن الذنوب والمعاصي.

3- يكثر من ذكر الله وطاعته.

زر الذهاب إلى الأعلى