الوحي الإلهي ( قرآن وسنة )

البعث والنشور

البعث والنشور

قالت أم هـشــام بـنتُ حارثة رضي الله عنها: ما أخذتُ “ق * والقران الْمَجِيدِ” إِلَّا عَنْ لِسانِ رسول الله صلى الله عليه وسلم, كان يقرؤُها كلَّ جمعة على المنبر إذا خطب الناس. (صحيح مسلم)

قٓۚ وَٱلۡقُرۡءَانِ ٱلۡمَجِيدِ (1) بَلۡ عَجِبُوٓاْ أَن جَآءَهُم مُّنذِرٞ مِّنۡهُمۡ فَقَالَ ٱلۡكَٰفِرُونَ هَٰذَا شَيۡءٌ عَجِيبٌ (2) أَءِذَا مِتۡنَا وَكُنَّا تُرَابٗاۖ ذَٰلِكَ رَجۡعُۢ بَعِيدٞ (3) قَدۡ عَلِمۡنَا مَا تَنقُصُ ٱلۡأَرۡضُ مِنۡهُمۡۖ وَعِندَنَا كِتَٰبٌ حَفِيظُۢ (4) بَلۡ كَذَّبُواْ بِٱلۡحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمۡ فَهُمۡ فِيٓ أَمۡرٖ مَّرِيجٍ (5) أَفَلَمۡ يَنظُرُوٓاْ إِلَى ٱلسَّمَآءِ فَوۡقَهُمۡ كَيۡفَ بَنَيۡنَٰهَا وَزَيَّنَّٰهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٖ (6) وَٱلۡأَرۡضَ مَدَدۡنَٰهَا وَأَلۡقَيۡنَا فِيهَا رَوَٰسِيَ وَأَنۢبَتۡنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوۡجِۭ بَهِيجٖ (7) تَبۡصِرَةٗ وَذِكۡرَىٰ لِكُلِّ عَبۡدٖ مُّنِيبٖ (8) وَنَزَّلۡنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ مُّبَٰرَكٗا فَأَنۢبَتۡنَا بِهِۦ جَنَّٰاتٖ وَحَبَّ ٱلۡحَصِيدِ (9) وَٱلنَّخۡلَ بَاسِقَٰتٖ لَّهَا طَلۡعٞ نَّضِيدٞ (10) رِّزۡقٗا لِّلۡعِبَادِۖ وَأَحۡيَيۡنَا بِهِۦ بَلۡدَةٗ مَّيۡتٗاۚ كَذَٰلِكَ ٱلۡخُرُوجُ(11) كَذَّبَتۡ قَبۡلَهُمۡ قَوۡمُ نُوحٖ وَأَصۡحَٰبُ ٱلرَّسِّ وَثَمُودُ (12) وَعَادٞ وَفِرۡعَوۡنُ وَإِخۡوَٰنُ لُوطٖ (13) وَأَصۡحَٰبُ ٱلۡأَيۡكَةِ وَقَوۡمُ تُبَّعٖۚ كُلّٞ كَذَّبَ ٱلرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ (14) أَفَعَيِينَا بِٱلۡخَلۡقِ ٱلۡأَوَّلِۚ بَلۡ هُمۡ فِي لَبۡسٖ مِّنۡ خَلۡقٖ جَدِيدٖ(15).

معاني المفردات الواردة في الآيات 1:15 من سورة ق

الْمَجِيدِ : الكريم ذو المجد والشرف.

رجع : بعث بعد الموت.

بعيد : لا يمكن حدوثه.

مَا تنقُص: ما يتحلّل من الجسد بعد الموت، ويصبح ترابًا.

كتب حفيظ : اللوح المحفوظ

مريج :  مختلط ومضطرب.

فروج  : شقوق وفتحات.

رواسي : جبالا ثوابت

 منيب : راجع إلى الله تعالى.

باسقات :  طوال عاليات

طلع :  ثمر متراكم فوق بعضه بعضًا.

الخروج :  قيام النّاسِ من القبورِ يوم البعث.

الرس : البئر.

الأيكة : مكان كثيف الشجر.

أفعيينا : أعجزنا.

لبس: شك.

 دلالات الآيات 1:15 من سورة ق

أولا: وعد الله لا يتغيّر.  ثانيا: قدرة الله تعالى.  ثالثا: الحجة بالحجة والدليل بالدليل.  رابعاً: الحقيقة الساطعة.

الشرح والتفصيل

أولا: وعد الله لا يتغيّر

يقسم الله سبحانه وتعالى بالقرآن الكريم «وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ »؛ لما فيهِ مِنَ الخيرِ والعلم والحق والجَمالِ، على أنّ محمدًا رسولُ اللهِ، وأنَّ ما يُنذِرُ بهِ قومَهُ ويحذِّرُهم منهُ . هو حق. لكنَّ مُشْرِكي مكةَ تعجبوا منْ أَنْ يأتيَهُمْ نذيرٌ مِنهُمْ هوَ محمد صلى الله عليه وسلم ، يحذِّرُهُمْ من عاقبةٍ سَيِّئَةٍ، ثمّ تمادوا فأنكروا أنه نبي الله ، وكذبوا ما جاءَ بِهِ الله ، فقالوا: أنبعثُ أحياءً بعد أن نموت وتبلى أجسادنا ونكونَ ترابًا؟ هذا أمرٌ لا تُصَدِّقُهُ عُقولُنا.

اقرأ أيضاً  سورة الواقعة 75- 96

وَقَعَ مُشْرِكُو مَكَّةَ في خطأ، عندما سألوا سؤالًا، ثم أصدروا حكمًا قبل أن يسمعوا أو يتأملوا جواب سؤالهم، السؤال الذي سألهُ مُنكِرو الْبَعْثِ “أءذا متنا وكنا تراباً” هل نرجع بعد الموت؟

والحكم الذي أصدره مُنكِرو الْبَعْثِ، أنهم قالوا ذلك رجع بعيد (يعني مستحيل).

فخطوات الحوار الصحيحة السؤال أولا وبوضوح، ثمَّ انتظار الجواب  والتفكير فيهِ، ثم الرد عَليهِ.

يقولِ تَعَالَى: « وَالْقُرْءَانِ الْمَجِيدِ» في هذه الآية حكما شرعيا هو جواز القسم بالقرآن الكريم لأن الله أقسم بالقرآن المجيد ولأن القرآن يحتوي على أسماء الله وصفاته.

مقارنة بين البعث والنشور

البعث هو إحياء الناس مرة أخرى وإخراجهم مِن القبور إلى ساحة الحساب.

 النشور هو ظهور المبعوثين من قبورهم وظهور أعمالهم وعرضها على الملأ.

ثانيا: قدرة الله تعالى

تؤكد الآيات الكريمةُ أنَّ اللهَ تَعالى عليمٌ قديرٌ على كل شيءٍ قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ إِشارةً إلى ضعفِ مُنْكِري الْبَعْثِ وقلة حيلتهم، وأنَّ ما تعجبوا منه ليس بعجيب، فاللهُ عَزَ وجل  يعلمُ كلَّ ذرّةٍ تأكلُها الأَرضُ مِنْ أجسادِ الموتى، التي تتحلل وتتحول إلى تراب وهم في باطن الأرض، ويعلم أين تكون وكيف صارَتْ، قال صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ الأرضَ تأكل ابنَ آدَمَ إِلَّا عُجْبَ الذَّنَبِ” (رواه الشيخانِ)، وكلُّ ذلك مكتوب في اللوح المحفوظ، فإذا شاءَ اللهُ تَعالى، جمعها متى شاء، وكيف يشاء. لقَدْ كَذَّبَ هؤلاءِ النَّاسُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم وهُمُ الَّذينَ لقبوهُ بالصَّادق الأمين، وقد جرَّبوا رجاحة عقله، واختبروا أمانتَهُ، فَوَضَعوا أموالَهُم أَماناتٍ عِنْدَهُ، وَلَمّا جاءَهُم بِالْحَقِّ كَذَّبُوهُ فَقَدْ ناقضوا أنفسهم وخالفوها، وكذَّبوا أفعالهم وأقوالَهُم، فأصبحوا في حيرَةٍ كبيرةٍ، وشكٍّ واضطراب، مرّةً يقولون: ساحر، وأُخرى يقولون: شاعر، ويقولون: كاهن، فلا يستقرونَ على رأي أبدًا، ومن خالف الحق تاه في الباطل.

اقرأ أيضاً  الله نور السماوات والأرض سورة النور

وسبب التناقض الَّذِي وقَعَ فِيهِ مُشْرِكُو مَكَّةَ، لاختلاف أوصافهم في الرسول وليكون حجة ودليلاً على الناس.

ثالثا: الحجة بالحجة والدليل بالدليل

عرضت الآياتُ الكريمةُ بعضَ الأدلّةِ على البعث والنشور، وصدقِ نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وقد تجلت فيها قدرة الخالق سبحانه وتعالى.

دلائل قدرة الله تعالى

1- السماء: هذا البناء العظيمُ الَّذي رفعَهُ اللهُ تَعالى بلا أعمدة أو دعائم، ومن غير شقوق أو صدوع، وما فيهِ مِنَ النّجوم والكواكب المنثورة فيه كما شاءَ الله تعالى، وهي تُشع جمالا يخلبُ الألباب، في حينَ أنَّ الإنسان إذا بنى سقفًا صغيرًا احتاج إلى أعمدة وجسور وحديد ومواد كثيرة.

2- الأرضُ: بسطَها اللهُ سُبحانه وتعالى للنّاسِ، فأينما ساروا فيها، يجدونها أمامهم كأنّها بلا نهاية، مع أنها محدودة، وأرسى فيها جبالا ثوابت كي لا تميل بأهلها، وجعل فيها من الجنائنِ والنّبات والزروع والشَّجرِ كالنخل الطوالِ ذاتِ الثّمر المتراكم على بعضه بعضا بترتيب رائع عندَ بروزِهِ، وَأَجْناسٍ كَثِيرَةٍ، وكلُّ جنس منها يثير الفرح والسرور في النفس، وحتّى لا تنقرض جعلها سبحانه وتعالى أزواجا لتتكاثر وتستمر الحياة إلى ما شاءَ الله تعالى، وهذا يجعل كلَّ ذي عقل وفطرة سليمة يدرك الحقيقة.

3- الماء: هذهِ النّعمةُ العظيمة، جعلَها اللَّهُ سُبحانه وتعالى سرَّ الحياة لكلِّ شيءٍ حي، وذكرُ الماءِ في القرآنِ مرتبط بالحياةِ، يُنْزِلُهُ اللَّهُ تعالَى مِنَ السّماءِ فتستعيد الحياة رونقها، فينبتُ الزّرع، وتعج البساتين بالخضرة والثّمر، وينعم الإنسان والحيوان والطير برزق الله ونعمه، وبعد أن كانتِ الأرضُ ميتةً صارَتْ تعج بالحياة، وكذلك يُحيِي الله الأموات ويبعثُهُم مِنْ قبورهم.

فالماء هو سر الحياة، مَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِسَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ فَقالَ: «ما هَذا السَّرَفُ يا سَعْدُ؟». فَقَالَ: أَفِي الْوُضُوءِ سَرَفٌ؟ قالَ: «نَعَمْ وَإِنْ كُنْتَ عَلَى نَهَرٍ جارٍ» (مسند احمد)، فالحفاظ على موارد البيئة عبادة.

فكلمة «الخروج» تدل على شبهٍ بين البعث وإنبات الزرع فكلاهما يحيى بعد أن يكون ميتاً.

ودلالة كلمة «مددناها» عند الحديث عن الأرض الإتسان والثبات

اقرأ أيضاً  يسر الإسلام

موقف الذين أنكروا البعث والنشور، عناداً واستكباراً وبكل تأكيد موقف خاطئ.

ثالثا: أمم سبقت فاعتبروا يا أولي الأبصار

حتى لا يبقى لأحدٍ حِجّةٌ يحتج بها، ذكَّرَتِ الآيات الكريمة بالأمم السابقة ونهايتهم، ليتبين من سار على طريقتِهِمُ النّهاية التي تنتظره، فقد كذبت قوم نوح نبيَّهم عليه السلام وأصحاب الرس الذين كذبوا، وألقوا نبيهم عليه السلام في في البئر، وثمود كذبوا صالحًا عليه السلام وعقروا الناقة، وعاد كذَّبوا نبيَّهُمْ هُودًا عليه السلام وفرعون وقومُ شعيب عليه السلام أصحاب الأيكة، وقومُ تبع ملك اليمن كُلُّهُمْ كَذَّبوا الرُّسُلَ فأهلكَهُمُ اللَّهُ تَعالى، فأينَ هم؟ وماذا أفادهم عنادهم وتكذيبهم ؟ هَلْ يسيرُ إنسان في طريق الهلاكِ ولهُ عقل؟ فَالعَاقِلُ مَنْ اعْتَبَرَ بِغَيرِهِ.

فأغرق الله قوم نوح بالغرق، وكذلك فرعون وقومه بالغرق، وقوم ثمود بالصيحة، وقوم عاد بالريح، وأصحاب الأيكة بالرجفة.

يقول تعالى: “أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ” تدل على ابتداء الخلق.

وقوله تعالى:” بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ” تدل على البعث.

وقوله تعالى: “كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ” تدل على الحساب.

رابعاً: الحقيقة الساطعة

بعد التذكير بالأقوام السابقة وأفعالِهِمُ الّتي أوْدَتْ بهم إلى الهلاكِ والعذاب يأتي استفهام تقريري واضح الجواب تمامًا: أَعجِزَ اللَّهُ سُبحانه وتعالى عنِ الخلقِ الأوّلِ؟ والجواب الواضح وضوحَ الشَّمسِ: حاشا وكلّا، فاللهُ تَعَالَى لا يُعجزه شيء. فقد خلق الله تعالى الخلقَ من العدم، ولم يعجز عنه، وهو وحدَهُ القادرُ على ذلك، وما يكشفه العلم منْ أسرار الخلق يثبتُ أنَّ الخالق سبحانه وتعالى بهذهِ الدّقةِ والإحكام لم يعجز ولم يغفل عن أدق التفاصيل، فكيفَ لعاقل أنْ يظنَّ أَنَّهُ يعجزُ سُبحانه وتعالى عن إحياء الموتى وبعثِ النَّاسِ مِنَ القبور؟

فلا يعتقد ذلك إلا من يتخبّط في الشّكّ، وعجز عن التفكير السليم.

فالعلاقة بين الإيمان والطمأنينة، أن الإنسان إذا لم يطمئن لا يؤمن، ونقيض الإيمان والطمأنينة: أن الإنسان إذا لم يطمئن لا يؤمن.

هناك من يقولُ أَنَّ الأشياء وجدَتْ صدفةً، ويقول آخرُ أنّها حصلت طفرة، فحدَثَتْ أشكال الحياة الموجودة، وقول ثالث أنَّ الكائناتِ تطوّرَتْ من خليّة وحيدة إلى أنَّ وصلَتْ إلى أشكال الحياة المختلفة، وكلُّ هذا أثبتَ العلم والعقل بطلانه.

زر الذهاب إلى الأعلى