أحكام الإسلام

الجهاد في سبيل الله ( أهدافه وأقسامه )

الجهاد في سبيل الله ( أهدافه وأقسامه )

( لما بعث أبو بكر الصديق جيوش المسلمين إلى الشام للقاء المعتدين والخارجين، خرج يمشي مع أحد أمراء الجيش)

فقال له: إِنَّكَ ستجد قوما يزعمون أنهم حبسوا أنفسهم في سبيل الله، فدعهم وما زعموا أنهم حبسوا أنفسهم له، و إنِّي موصيك بعشرٍ:

(لا تقتلن صبيًّا ولا امرأةً، ولا كبيرًا هرمًا، ولا تخربنَّ عامرًا، ولا تقطعن شجرًا مثمرًا، ولا

تعقرن شاةً ولا بعيرًا إلا لمأكلة، ولا تحرقن نخلًا ولا تغرقه، ولا تغلل، ولا تجبن).

مفهوم الجهاد في سبيل الله

فالجهاد بالمعنى الخاص: القتال في سبيل الله تعالى تحت راية وليّ الأمر بالنفس والمال.

يمكن الجمعُ بين المعنيين( العام والخاص) للجهادِ في الجهاد عن طريق الكلمة، وصوره في

المعنى العام عن طريق الحوار المنطقي والعلمي في تبليغ الدعوة عن طريق المحاضرات والندوات، واللقاءات ، وتأليف الكتب،

وفي المعنى الخاص يكون ببيان العلماء ما يجوز وما لا يجوز للمحاربين، وحثهم على الطاعة والثبات والصبر.

مقاصد الجهاد في الإسلام

كل حكم شرعي جاءَ لتحقيق مصلحة أو دفع مفسدة أو لكليهما معا، ولا يخرجُ أيُّ حكم شرعي عن هذهِ الأحوال الثلاثة والجهاد في سبيل الله يجبُ أنْ يحقق هذه الأحوالَ الثَّلاثة، فَمِنْ أهم مقاصدِه الجهاد حفظُ الضَّروراتِ الخمسِ الَّتي يحرص عليها الإسلامُ: حفظ الدِّينِ والنَّفْسِ، والعقلِ والعِرضِ والمال، وكلّ ما يحققها، مثل الوطن والأمن والنظام والطَّاعة، أو ما يندرج تحتها؛ مثل نقاءِ النَّسب، والمصلحة العامة والخاصة، والأخلاق، والعدل، وكلُّ ما لا يتم الواجبُ إِلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ. إن مقاصد القتال في سبيل الله تقوم على حماية المصالح، وتوفير الأمن وإحقاق الحق، ورفع الظل

 الجهاد مسؤولية ولي الأمر

 جُعِل الأمر في يدِ ولي الأمر لأنَّهُ يتعلق بمصير الرعية ومصالح الأمة، والحاكم هو المسؤول عن تقدير هذه الأمور، وتنميتة مصالحهم، وحمايتها من أي خطر خارجي أو داخلي، وعلى الرَّعيَّةِ طاعة ولي الأمر ومساعدته، بالتنفيذ الدَّقيق، والالتزام التام؛ لأنَّ الاختلاف يؤدّي إلى تعطيلها ويقود إلى الهلاكِ، قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ( إِنَّما أهلَكَ مَنْ كَانَ قبلَكُمُ الاختلافُ) (رواه أحمد).

إنَّ تنظيم أمور الجهادِ منَ الأمورِ الهامَّةِ، التي تحتاجُ إلى موازنات وقرارات دقيقة، بعيدا عن العواطف والمصالح الضَّيِّقة والمغامرات وإظهار القوة والبطولات، لذلك وضع الإسلام الأمر بيد الحاكم (ولي الأمر)، فهو الوحيد الذي يملك الحق في اتخاذ القرارات المصيرية، وهو أقدر الناس على إدراك مالاتِ هذه القرارات، وليس لأحد أن يجتهد أو يتصرف في هذا الأمر إلا بإذن منه، قال صلى الله عليه وسلم: ( من خرج من الطاعة, وفارق الجماعة, فمات, مات ميتة جاهلية, ومن قاتل تحت راية عمية, يغضب لعصبة, أو يدعو إلى عُصْبة, أو ينصر عصبةً, فقُتل, فقتله جاهلية) (رواه مسلم)، وهذا يُدخل البلاد في فوضى، تستباح فيها الحرمات وينتشر الفسادُ ﴿ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الفساد (205) (البقرة).

اقرأ أيضاً  سنن الفطرة

فوائد تنظيم الجهاد بأمر الحاكم

1- حفظ مصالح الأمة وكيانها.

2- توحيد المجتمع والطاقات.

3- حماية الشباب من تجار الموت باسم الدين.

4- تجنيب البلد والمجتمع المخاطر والكوارث.

 أهداف القتال في سبيل الله

1-إرضاء الله تعالى وإعلاء كلمته: ويكونُ بالطرق والشروط والكيفيَّةِ التي شرع سبحانه وتعالى.

2- رد العدوان وردع المعتدي، لتفويت الفرصة على الطامعين والمغرضين.

3- تأمين حرية الاعتقاد والعبادة، تجنبًا للقهر والإكراه وضياع الدين.

4- توفير الأمن والأمان للبلاد والعبادِ تحقيقًا لمصالحهم وسعادتهم.

5- معاقبة الغادرين وناقضي العهود، لكي لا يكرّروا فعلَهُمْ أوْ يفعل غيرهم مثلهم، فيضم ضعفن وتنعدم المصداقيةُ بينَ الناسِ.

6- رفع الظلم وحماية المستضعفين ومنع الفساد.

– الفرق بين الجهاد والاستعمار:

الفرق كبير بين الجهاد والاستعمار:

فالاستعمار لا يحقق أهداف الجهاد فقط بل يفعل نقيضها من عضب الله وظلم وخراب ودمار فالاستعمار يكون بدون وجه حق ويعتدي على الحقوق والأعراض والأنفس ويكون هدفه السيطرة على الموارد والممتلكات .

– أما الجهاد ففيه صون للأعراض والممتلكات ولا يكون إلا لمقاصد وكلها ليس فيه تعدٍ على الحريات أو الممتلكات.

 أحكام القتال في سبيل الله

– حكم القتال في سبيلِ اللهِ يكون على قسمين:

فرض عين: يكون الجهاد فرض عين على كل مسلم قادر عليه؛ وذلك في الحالات التالية:

التصدي للعدو الذي يهاجم المسلمينَ في عقر دارهم، ويحتل أرضَهم، وفي هذه الحالة يكون القتالُ فَرْضَ عينٍ على أهل تلك الأرضِ الَّتي هاجها العدو، أو احتلها؛ لأنه قتال اضطرارٍ، فَإِنْ عجز أهل تلك الأرض أعانَهُمْ مَنْ يليهم، النَّفيرِ العام بطلب من ولي الأمرِ (الحاكم، قال رسول الله: ( وإذا استُنْفرتُمْ فانفروا) (البخاري).

صور جهاد فرض العين

 الأولى: يستنفر الحاكمُ جميع فئات الشَّعبِ: فيلبي كلُّ من يقدر على الجهادِ.

الثانية: يستنفر الحاكم فئةً من الشعب معيّنةً: فيستجيب كلُّ من يدخل فى تلك الفئة، كفئة  اختصاص؛ كأن فئة الأطباء، كأن يستنفر الحاكم مواليد سنة معينة، أو فئةً عمريَّةً، وكالخدمة الوطنيَّةُ، فيجب على كل مَنْ شملته الدعوة أن يلبي النداء، على حسب الطَّلبُ على الفور أم لا، وقد حذَرَ اللهُ تعالى من عدم التلبية فقال تعالى: ( أَنفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ الله (41) (التوبة).

اقرأ أيضاً  تلاحم المجتمع ( مفهومه ومجالاته)

عند مواجهة العدو والاشتباك مع العدو يجب على كل جندي أن يَثْبُتَ بكل شجاعة ويقاتل في أرض القتال قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا (45) (الأنفال).

فرضُ كفاية

 تقوم به فئة مكلفة من قبل ولي الأمر ويسقط عن الباقين، كالجهاد لحراسة الحدودِ وحماية الثغور، وهذا النوع ( فرض الكفاية) لا يكون إلا بأمر الحاكم، ويكون مسؤوليتَهُ وحدَهُ، وهوَ منْ يقدِّرُ المصلحة فيهِ؛ من حيثُ العدد والقوَّةُ المناسبةُ، والمددُ والدَّعمُ اللّازم حسبَ الحاجة، وينيب وينتدب الحاكم ( وليُّ الأمرِ) من يشاءُ للقيام بذلك، والقوات المسلحةُ هيَ الشَّكل المعاصر والحضاري للقيام بهذا الواجب؛ حيثُ تحرص القيادة الرشيدة على مدها بكل ما يجعلها في أوج قوتها واستعدادها، ويحتضنها شعبها بكل ما يملك، ومَنْ لم يدعمها ويؤازرها فقد خانَ الله والرسول والأمَّةَ.

 مكانة الشهداء في سبيل الله

قال تعالى: ( وَلَا تَحسين الذين قُتلوا في سبيل الله أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِم يرزقونَ (169) (آل عمران).

المجاهدونَ في سبيل الله وَفْقَ ضّوابطِ الشَّرع لهم منزلة عظيمة عند الله تعالى، فالشُّهداء خصهم ربُّهمْ سبحانَهُ بحياة، لا يزيد عنهم الأنبياء  فيها إلا بمرتبةِ النُّبوَّة، فقد أطاعوا أمرَ ربِّهم في قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنكُمْ (59) (النساء)، وقد بينَ لنا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ هُوَ وَلِيُّ الْأَمْرِ فقالَ: ( خِيارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبّونَهُمْ وَيُحِبّونَكُمْ، ويُصلّونَ عليكُمْ وتُصلّونَ عليهم) (رواه مسلم)، فالشُّهداء بذلوا أرواحهم في سبيل الله، دفاعًا عن الأمة وصونًا للحق ودفعا للعدوان، وردعًا للبغي والظُّلم، فأثابهمُ اللهُ مِنْ فضلِهِ مزيدًا لا يعلمُهُ إِلَّا هُوَ، إِنَّهُمْ: ( الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّنَ وَالصِّدِيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّلِحِينَ (69) (النساء)، هذا في الآخرة، وفي الدنيا همْ رمُزُ العطاء والتّضحية، خالدونَ في ضمائر الأمة، تفخر بهم وفاءً لعهدهم.

مكانة المقاتلين في سبيل الله

قال رسولُ اللهِ: ( لَغَدوةُ أو روحةٌ في سبيل الله خيرٌ ممَّا تطلُعُ عليه الشَّمسُ وتغرُبُ) (البخاري).

وقال: ( لمًقامً أحدكم في الصف ساعَةً ( يقصد المرابطة أو الاستعداد) أفضلُ من عبادَةِ أحدهم ستين سنةً) المسند لكبير للبزارِ.

 هذا لِمَنْ لم تكتب له الشهادة، كان يقاتل في سبيل الله، فنصره الله,  وله الأجر العظيم، فثوابَ ساعةٍ في القتال أفضلُ مِنْ أَجْرِ عِبادةِ  إنسان يزيد عمره السبعين عاما إذا ما أضفنا سنوات ما قبل التكليف ( ستّينَ عامًا عبادةً صحيحةً)، وأن مَلَكَ الدنيا بأسرها أقل من ثوابهم، يومَ يَفِدون على ربِّهم، وَهُوَ أَكرم الأكرمين.

اقرأ أيضاً  سجود السهو وسجود التلاوة
خصال الشُّهِداء

قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عنِ الشُّهداء: ( أرواحهم في جوف طيرِ خُضرِ، لها قناديل مُعلَّقة بالعرشِ، تسرح منَ الجِنَّةِ حيثُ شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل) (رواه مسلم).فلهم مكانة عالية في الجنة يتنعمون فيها.

وأخبر رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث المقدام بن معدي كرب أنه قال: ( إن للشهيد عند الله ست خصال: يُغفر له في أول دفعة, ويُرى مقعده من الجنة, ويجار من فتنة القبر, ويأمن يوم الفزع الأكبر, ويوضع على رأسه تاج الوقار الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها, ويزوج ثنتين وسبعين زوجة من الحور العين..).

1- يأمن يوم الفزع الأكبر.

2- يُغفر له في أول دفعة.

3- يُرى مقعده من الجنة.

4- يجار من فتنة القبر.

5- يزوج ثنتين وسبعين زوجة من الحور العين.

6- يوضع على رأسه تاج الوقار.

ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه: «نهى عنِ النَّهْبَةِ والمُثْلَةِ» (رواه البخاري)، فنهى عن نهب الأموال، وعن التمثيل بالقتلى، حتى وإن تجاوز العدو حدودَ ذلك، فقد أمر الله تعالى بالعفو والصبر قال تعالى: ( وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ

لِلصابِرِين ) (النحل)، ردا على فِعْلة الكفَّارِ بعمَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم حمزة  رضي الله عنه وقد وَعَدَ الله الصابرين بخير عظيم من عنده سبحانه، وكانت الوصايا للجيوش ( ألا يقتلوا شيخًا، ولا طفلا، ولا امرأةً، ولا يقتلوا حيوانًا، ولا يقطعوا شجرًا، ولا يهدموا عمرانًا ) انعكاسا لأخلاق الإسلام. وينبغي للمسلم  والشَّبابِ خاصةً  أنْ يتخلّقوا بأخلاقِ الأبطال، فيكونوا كرامًا في أقوالهم وأفعالهم، قادرينَ على ضبط انفعالاتهم، متحكّمين في تصرفاتهم، بعيدين عن الانتقام والحقد والاندفاع وراء سفاسف الأمور، والأفعال الدنيئة.

 ضوابط الجهاد في الإسلام

1- الإخلاص والتجرُّدُ لأهداف الجهادِ الحقيقيَّةِ.

2- عدمُ التَّعرُّضِ للأطفال والنساء والشيوخ.

3- المحافظة على البيئة من شجر وماء وبقية المخلوقات.

4- السَّماحةُ الدّينيَّة عدم التعرض لدور العبادة أو للعباد والزهاد.

عوامل النَّصرِ

1- وحدةُ الكلمة والهدف. الإخلاص والطاعةُ.

2- النَّباتُ والصَّبرُ.

3- الاستعداد وإعداد العدة.

4- الدعاء وذكر الله تعالى.

5- الإخلاص لله تعالى.

زر الذهاب إلى الأعلى