أحكام الإسلام

الحكم الشرعي (مفهومه وأقسامه)

الحكم الشرعي (مفهومه وأقسامه)

ما من فعل أو قول يصدرُ عن الإنسانِ إلا وله حكم شرعي، وهدف هذه الأحكام تحقيق مصالح العباد ومنافعهم، وهذه الأحكامُ الشّرعيّةُ تُستمدُّ من مصادر التشريع الأساسية: وهما:(القرآن الكريم والسنة النبوية )

تعريف الحكم الشرعى

هو أثر خطاب الشرع المتعلق بأفعال المكلف من طلب أو تخيير.

ويقصد بالمكلف البالغ العاقل.

أقسام الحكم الشرعي

 إجمالاً:

أولاَ: الواجب.     ثانياً: المندوب.     ثالثاً: المباح.    رابعاً: المكروه.        خامساً: الحرام.

أقسام الحكم الشرعي تفصيلاً:   

أولاً:

تعريف الواجب

  يثاب فاعله، ويأثم تاركه.

الصيغ الدالة على الواجب:    (الفرض)

يتعلّق الواجب بالأفعالِ الّتي يتحقَّقُ بتنفيذها مصالح كبيرة، ويمكن معرفة الواجب (الفرض) في نصوص القرآن الكريم والسنة النبويّةِ الصّحيحة من خلالِ عدّةِ صيغ أهمها: الأمرُ بفعل الأمرِ (افعل)، أو بأفعال تدلُّ الوجوبِ، مثل: فُرِضَ، كُتِبَ، قَضَى، أو أَمَرَ، ولذلك أمثلةٌ منها:

 1- وجوب المحافظة على الصلوات المفروضةِ الثَّابتُ بقولِه تَعَالَى: ﴿ حَفِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى ﴾ (البقرة 238) ، وقد توصلنا لفهم هذا الحكم من فعل الأمرِ حَفِظُوا ؛ فالأمرُ يفيدُ الوجوب، فيُثابُ مَنْ يحافظ على الصّلاة، ويُعاقب تاركها.

  2- وجوبُ برّ الوالدين والإحسان إليهما الثابت بقوله تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾ (الإسراء 23)، وقد توصلنا لفهم هذا الحكم منَ التّصريح بالوجوبِ بالفعل (وَقَضَى).

 أقسام الواجب

يُقسم الواجب إلى قسمين:

 واجب عيني، وواجب كفائي (فرضُ عين وفرضُ كفاية):

1- الواجب العيني (هو فرض العين): مطلوب منْ كلّ إنسان مكلّفٍ أنْ يقومَ بهِ، ففرض العين متعلق بالفرد، كالصيام، والصلاة، والزكاة، والحج، وبرّ الوالدين، وغيرها من الفروض العينية.

2- الواجب الكفائي (فرض الكفاية) مطلوب من عموم المكلّفين، بحيثُ لو قامَ بهِ مِنْ يكفي سقط الإثمُ عنِ الباقين، فإنْ لمْ يقُم بهِ أحدٌ أثموا جميعًا، ومِنْ أمثلته:

اقرأ أيضاً  البيوع المحرمة في الإسلام

 تعلّمُ علوم الطب لعلاج المرضى أو أي علم يخدم المجتمع، والصناعة والهندسة والبناء، والشّريعةُ لإفتاءِ النَّاسِ فيما أُشكل عليهم في أمور دينهم، وغيرها من العلوم التي يحتاجها الناس لتكونَ الأمةً قويةً مكتفية بما تحتاجه.

ثانياً:

تعريف المندوب

(يُثاب فاعله، ولا يأْثَم تاركه )

الصيغ الدالة على المندوب:

إنَّ أفعال المندوب متعلقة بالأعمال التي منافعها عن الفرائضِ، والسّننُ ليسَتْ في درجة واحدة، فبعضُ السنن مؤكد وبعضها غير مؤكد، ويوضح ذلك تكرار النبي ﷺ لها.

 ويمكن تعرّف المندوب من خلال عدة صيغ:

 أهمها التصريحُ بلفظ التطوع, أو القُربة ونحوها من المعاني أو بالسنة النافلة، والألفاظ ومثال ذلك:

 استحباب كتابةِ الدِّينِ المأمورِ بهِ في قوله تَعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنِ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ) (البقرة 282)، فالأمرُ هنا للندب، وليس للوجوب؛ لوجودِ قرينة في الآيةِ التّالية لهذه الآتية، تفيد أن للدائن أن يثق بمدينه، ويأتمنه من غير كتابةِ الدِّينِ الذي عليه، قالَ تَعالى: ” فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضًا فَلْيُؤد الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَنَتَهُ ”

تعريف العمل التطوعي

العمل التطوعي: هو كل جهد مبذول في أوجه الخير المشروعة لتحقيق مصلحة للنَّاسِ، وخدمة للوطن، دون مقابل مادي.

اقْتَرَنَ عَمَلُ الخَيْر بالعبادة، قال تعالى: ( وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكاةِ وَكَانُوا لَنَا عابدين ) (الأنبياء 73)، فكل عمل يحبُّه الله سبحانه ويرضاه يكونُ عِبادَةً بالمفهومِ العامِ، يُؤْجَرُ ويُثابُ فاعله، قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : « بينما رجلٌ يمشي بطريق، وجَدَ غُصنَ شَوك على الطَّرِيقِ فَأَخَرَه، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ له» (رواه مسلم)، إنّه عمل يسير تطوّعَ بِهِ الرّجلُ مِنْ تلقاءِ نفسه، فكيفَ بِمَنْ دفعَ عنِ النَّاسِ مَا هُوَ أَعظمُ من ذلك؟!

الأعمال تطوعية التي يمكن القيام بها:

1.زيارة دار الأيتام أو المستشفيات وقراءة القصص لهم وتعليمهم بعض الأمور.

2. زراعة الأشجار في حديقة المدرسة.

3.تنظيف بعض الأماكن من المخلفات وكل ما يضر البيئة.

4. تنظيم يوم رياضي محلي لذوي الاحتياجات الخاصة.

 فوائد المحافظة على المندوبات والأعمال التطوعية:

1.فضل وثواب فعل النوافل وأجرها عند الله ، وأنها تجلب محبة الله تعالى للعبد:

 قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : « إنَّ اللَّهَ تَعَالى قالَ: من عادى لي وليا فقد آذنتُهُ بالحرب, وما تقرب إليَّ عبدي بشيءٍ أحبّ إليَّ مما افترضْتُه عليه, ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبّهُ، فإذا أحببْتُه كُنْتُ سمعَهُ الَّذي يسمعُ بهِ، وبصرَهُ الّذي يبصرُ بهِ، ويدَه التي يبطش بها، ورجلَهُ التي يمشي بها، ولَئِنْ سألني لأعطيَنَّهُ،  َولَئِنْ استعاذني لأعيذنه ». (رواه البخاري)

اقرأ أيضاً  ما يحل وما يحرم من الطعام والشراب

2.النوافل تجبر النقص الحاصل في صلاة الفرض:

قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ النَّاسُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ أَعْمَالِهِمُ الصَّلَاةُ، يَقُولُ رَبُّنَا عَرْجَكَ لِمَلَائِكَتِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ: انْظُرُوا فِي صَلَاةِ أَتَمَّهَا أَمْ نَقَصَهَا ؟ فَإِنْ كَانَتْ تَامَّةً كُتِبَتْ لَهُ تَامَّةً, وَإِنْ كَانَ انْتَقَصَ مِنْهَا شَيْئًا, قَالَ: انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ ؟ فَإِنْ كَانَ لَهُ تَطَوُّعُ, قَالَ: أَتِمُّوا لِعَبْدِي فَرِيضَتَهُ مِنْ تَطَوُّعِهِ, ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى ذَلِكَ ) ( سنن أبو داود)

ثالثاً:

تعريف المباح

التخيير بينَ الفعل والترك، ويُسمّى: الحلال، والجائز.

الصيغ الدالة على المباح:

كالأكل والشرب والسكن، والاستراحة بعد التعب، وغيره.

 لفظ الحِلَّ والإباحة ونحوهما، أو نفي الإثم والجُناحِ والحَرج عمّنْ فعل الفعل، ولذلك أمثلة منها:

 1- إذا ورد بلفظ الحلّ والإباحة: مثلِ إباحةِ الطَّيِّبات الثابتُ بقوله تعالى: ﴿ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ﴾ (المائدة 4).

 2- إذا نفى عن الفعل الإثم أو الحرج أو الجُناحَ، مثل: إباحة دخول المرافق العامة غيرِ المخصصة للسكن:  كالمساجد والحدائق والأسواق، قال تعالى : ( لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَعُ لَكُمْ ﴾ (النور (2). وقوله تعالى : (فَمَنِ اضْطُرَ غَيْرَ بَاغِ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمُ )﴾ (البقرة 173)، وقوله تعالى: وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُورًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحَا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) (النساء 128). 3. المثال الثالث: إذا لم يرد في الأمرِ حكم شرعيٌّ ، قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ﴾ (البقرة 29)، فالأصل في الأشياء الإباحةُ، ولا يكونُ التّحريمُ إلا بدليل شرعي معتبَرٍ، فإِنْ لم يرد بقيَتِ الأشياء في دائرة العفو الواسعة، وهي دائرةُ الحَلالِ.

رابعاً:

تعريف المكروه

 (يُثاب تاركه، ولا يأثم فاعله )

فكل عمل رغْبَ الإسلامُ النّاسَ في تركه من غير أن يحرِّمَهُ عليهم فهو مكروه، مثل الطلاق: فهو مكروه، لكن الله سبحانه وتعالى لم يحرّمْهُ، بل جعلَه مباحًا، فمَنْ ترَكَ الطَّلَاقَ مُطِيعًا أعطاه الله تعالى الثواب، ومَنْ فعله فلا إثم عليه.

اقرأ أيضاً  صلاة المسافر والمريض
صيغ المكروه

 ويمكنُ معرفة المكروه بالنظر في الأدلَةِ الشّرعيّة من خلال عدّة صيغ أهمها: التّصريح بكراهة الفعل،

أو أن قول الرسول الله ﷺ يصرفُ النّهي منَ التَّحريم إلى الكراهة لقرينة، ولذلك أمثلة منها:

1 ـ  كراهيّةُ السّؤالِ عمّا لم ينزل حكمه بقوله تعالى: ( لَا تَسْألوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ) (المائدة 101)، وقد جاءَ في الآية نفسها أنّ النّهيَ رَجُلٌ: يُحمل على الكراهة؛ قال تعالى: ( وَإِن تَسْألوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْءَانُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهِ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ ) (المائدة 101)..

2-  قالَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ« إِنَّ اللهَ حرّم عليكم عقوق الأمّهاتِ  ومَنْعًاً وهات، ووأد البنات، وكرِهَ لكم قيل وقالَ، وكثرةَ السّؤالِ، وإضاعةَ المال» (رواه مسلم)

تعريف الحرام

 (يُثاب تاركه، ويأثم فاعله )

الصيغ الدالة على الحرام

وتتعلق المحرّماتُ بالأفعال التي يترتب على ارتكابها مفاسد ومضار.

ويعرفُ الحرام بالنظر في الأدلة الشرعية من خلالِ عدّة صيغ أهمها التصريح بالتحريم أو النّهي أو الأمر باجتنابه وعدم الاقتراب منه، أو ذم فاعله وترتيب العقوبةِ الدّنيويّة أو الأخروية عليه.

 أمثلة للحرام

1- تحريمُ الشَّركِ بالله ، إشراك غير الله في العبادة، قال تعالى: (قلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا (151) (الأنعام).

2- تحريم الزنا؛ قالَ تَعَالَى: ﴿ وَلَا تقْرَبُوا الزِنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا (الإسراء).

3- تحريم شرب الخمر وكل مسكر قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشيطان فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) (المائدة).

مزايا الأحكام الشرعية في الإسلام

تمتاز الأحكام الشرعية في الإسلام بمزايا عديدة منها:

1- تراعي أحوال النّاسِ: قالَ تَعَالَى: ( لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا (286) (البقرة).

2- تحقق السعادة لمن يلتزم بها:

قال تعالى: ( مَنْ عَمِلَ صَلِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةٌ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97) (النحل).

3- العدل: قال تعالى: ( إن  الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربي وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون(90)(النحل) .

زر الذهاب إلى الأعلى