السيرة والأعلام

الحياة في المدينة المنورة بعد الهجرة

الحياه فى المدينه المنوره بعد الهجره

لقد هاجرَة الصَّحابَةِ رضوان اله عليهم مِنْ مَكَّةَ إِلى المَدِينَةِ نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم ولنيل رضا الله تعالى وتحصيل الثواب، واستقبل الأَنْصَارِ وَهُمْ أَهْلُ المَدينَةِ- الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ جَاءوا مِنْ مَكَّةَ بالابتهاج والسرور لقدومهم وتوفير أسباب العيش الكريم لهم.

أُسس التعايش السلمي

 ما إِنْ حَلَّ سَيِّدُنا مُحَمَّدٌ لا بِالمَدِينَةِ، بَعْدَ أَنْ جَاءَهَا مُهاجِرًا مِنْ مَكَّةَ حَتَّى بِادَرَ إِلَى بِناءِ أُسُسِ الْمُجْتَمَعِ المَدَنِي الَّذي يَتَكَوَّنُ مِنَ المُسْلِمِينَ؛ أَنْصارًا وَمُهاجِرينَ، وَباقي أطرافِ المَدينَةِ مِنْ أَصْحاب الدياناتِ الأُخْرى، وَالقَبائِلِ المُتَعَدِّدَةِ المُتَواجِدَةِ هُنا وَهُناكَ داخِلَ يَثْرِبَ وَأَطْرافِهَا، فَسَارَعَ بِمُوادَعَةِ تِلْكَ القَبائِلِ، مُتَعَهَّدًا بِاحْتِرامِها وَاحْتِرام عقائِدِها، ضامِنًا حُرِّيَّةَ عِباداتِها وَشَعائِرِها، وَأَنْ يَعِيشُوا مُطْمَئِنِّينَ وَيَعْمَلُوا كَغَيْرِهِمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِأَمْنِ وَسَلَامٍ.

مكونات المجتمع المدني

1- القبائل: الأوس والخزرج.

2- المسلمين: المهاجرين والأنصار.

3- الأديان: اليهود والمشركين.

الميثاق الوطني

قامَ سَيِّدُنا مُحَمَّدٌ وَضْعِ وَثِيقَةٍ مُهمَّة لِتَنْظِيمِ الحَيَاةِ فِي المَدِينَةِ، وَتَوثيق العلاقاتِ وَتَعْزِيزِ الرَّوابطِ بَيْنَ سُكَانِها، تُسَمّى بِصَحِيفَةِ المُوادَعَةِ، جاءَ فيها: “هذا كِتابُ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ رَسُولِ اللَّهِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالمُسْلِمِينَ مِنْ قُرَيْشٍ وَأَهْلِ يَثْرِبَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ وَلَحِقَ بِهِمْ”.

لقد ركز النبي على كثيرٍ من المبادئ والقيم الإنسانيّةِ النبيلة كحماية الجار، ونُصرة المظلوم، ورعاية الحقوقِ العامة والخاصة، والتّعاون في دفع الدّياتِ، ومكافحة الجريمة، ومساعدة المدين، وحرية العقيدة، إلى غير ذلك من المبادئ التي تُشعرُ أبناء الوطن الواحد بمختلف أعراقهم وأجناسهم ومعتقداتهم أنّهم أسرة واحدة مكلفة بالدفاع عن الوطن أمامَ أي اعتداء يفاجئهمْ منَ الخارج فالمساواة قامت بينهم على أساس الإنسانية المشتركة، فالنّاس جميعًا متساوون في أصلِ الكرامة الإنسانية. 

اقرأ أيضاً  المنهج النبوي في تربية الجيل

أهم القيم الحضارية الَتي نصت عليها الوثيقة

1- إِنَّهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةٌ مِنْ دُونِ النَّاسِ وهذا يعني قيمة الوحدة الاجتماعية.

2- لليهود دينُهُمْ، وَلِلْمُسْلِمِينَ دينُهُمْ وهذا يعني حرية الدين والعقيدة.

3- مَنْ خَرَجَ آمِنْ وَمَنْ قَعَدَ آمِنُ بِالْمَدِينَةِ وهذا يعني قيمة

4- سلْمُ الْمُؤْمِنِينَ وَاحِدَةٌ وهذا يعني قيمة الأمن والاستقرار قيمة السلم بين الشعوب.

كَانَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم يَدْعُو اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قائِلًا: «اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ، اللَّهُمَّ وَصَحْحْهَا، وَبَارِك لَنَا فِي مُدَّهَا وَصَاعِهَا، وَانْقُلْ حُمَّاهَا فَاجْعَلْهَا بِالْجُحْفَةِ» (البُخَارِيُّ).

فلقد كان الرَّسول صلى الله عليه وسلم يحب مَكّةَ لأنها موطنه الذي نشأ وترعرع فيه.

لقد حب الرَّسُولِ الْمَدِينَةِ فهي التي آوته ونصرت دعوته، وفيها قضى جزءا من حياته.

قوة الوطن في تلاحمه

 عَنْ أَنَسِ رضي الله عنه قَالَ: «قَدْ حَالَفَ النَّبِيُّ لا بَيْنَ قُرَيْشِ وَالْأَنْصَارِ فِي دَارِي» (رَواهُ الْبُخَارِيُّ)، وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: آخى رَسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَصْحَابِهِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصارِ، فَقالَ: تَآخَوْا فِي اللَّهِ أَخَوَيْنِ أَخَوَيْنِ (سِيرَةُ ابْنِ هِشَامٍ).

المجتمع المدني يعلمنا التكافل الاجتماعي

عَنْ أَنَسٍ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ يا الله المَدِينَةَ أَتَاهُ المُهَاجِرُونَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا رَأَيْنَا قَوْمًا أبذل من كثيرٍ وَلَا أَحْسَنَ مُوَاسَاةٌ مِنْ قَلِيلِ مِنْ قَوْم نَزَلْنَا بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ لَقَدْ كَفَونَا المُؤْنَةَ وَأَشْرَكُونَا فِي الْمَهْنَأ، حَتَّى لَقَدْ خِفْنَا أَنْ يَذْهَبُوا بِالْأَجْرِ كُلِّهِ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: « لَا، مَا دَعَوْتُمُ اللَّهَ لَهُمْ وَأَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِمْ» (رَواهُ التَّرْمِذِيُّ بسند صحيح).

الإمارات الأولى في التعايش السلمي

 تُعَدُّ دَوْلَةُ الإِماراتِ العَرَبِيَّةِ المُتَّحِدَةِ الأولى عالَمِيَّا في مَجالِ التَّعايُشِ السِّلْمِيِّ، وَالِانْسِجَامِ بَيْنَ الْأَجْنَاسِ وَالْأَعْرَاقِ المُخْتَلِفَةِ الَّتِي تَعِيشُ عَلَى أَرْضِهَا، فَهِيَ تَضُمُّ ما يَزِيدُ عَنِ المِائَتَيْنِ مِنَ الجِنْسِيَّاتِ المُخْتَلِفَةِ، الَّذِينَ تَتَوَفَّرُ لَهُمْ سُبُلُ الحَياةِ الكريمة؛ كَحُرِّيَّةِ العِبادَةِ، وَسُبُلِ العِلْمِ وَفُرَصِ العَمَلِ، دونَ تَمْيِيزِ بَيْنَهُمْ فِي المُعامَلَةِ عَلَى أَساسِ مِنَ الدِّينِ أوِ الجِنْسِيَّةِ، فنرى الجميعَ يَتَعاوَنُ في كل المُؤسساتِ وَالوزاراتِ لِلْعَمَلِ بِشَكل جاد لبناء الحضارَةِ الإِنْسانِيَّةِ الإماراتيةِ. وَهَذَا بِفَضْلِ نَهْجِ قِيادَتِنَا الرَّشِيدَةِ الَّتِي تَحْرِصُ عَلَى تَأْصِيلِ ثَقافَةِ التَّسَامُحِ، وَالعَدْلِ وَالمُسَاوَاةِ وَاحْتِرَامِ الْآخَرِ وَحُبِّ الخَيْرِ لِلْغَيْرِ. وَانْطِلاقًا مِنْ حِرْصِ الدَّوْلَةِ عَلَى تَرْسِيخِ مَبَادِئِ التَّسَامُحِ وَنَبْذٍ كُلَّ مَظَاهِرِ الْعُنْفِ أَطْلَقَتْ قانونَ مُكافَحَةِ الكَرَاهِيَةِ وَالتَّمْيِيزِ بَيْنَ النَّاسِ عَلَى أَسَاسِ مِنَ الدِّينِ وَالجِنْسِيَّةِ، كَمَا كَانَ لَهَا الْأَسْبَقِيَّةُ عَلَى مُسْتَوى العَالَمِ فِي تَعْيِينِ وَزِيرَةِ لِلتَّسَامُحِ.

اقرأ أيضاً  الإمام الشافعي رحمه الله
زر الذهاب إلى الأعلى