الوحي الإلهي ( قرآن وسنة )

السنن الربانية

السنن الربانيه

المؤمن يعلم أن الله عزو وجل هو الذي يدبر أمور الخلق وأن كل ما يجري لهم إنما يجري لحكمة منه سبحانه وتعالى سواء علمها الإنسان أم لم يعلمها , وكل ما يجري في الكون لا يحدث مصادفة وإنما يقع وفق سنن وقوانين دقيقة ومنظمة لا يتطرق إليها الخلل أو الاضطراب.

قال تعالى: [ وَمَا خَلَقۡنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَا لَٰاعِبِينَ (38) مَا خَلَقۡنَٰهُمَآ إِلَّا بِٱلۡحَقِّ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ (39)].

فإذا لم تقع المصائب على المؤمن لكونه مؤمنا فإن إيمانه سيكون خوفا لا قناعة ويكون إيمانه مزعزعا يتهاوى عند حدوث أي مصيبة .

تعريف السنن الربانية  

السنن الربانية:

هي القوانين والقواعد الثابتة والمطردة التي تتكرر والتي تحكم  نظام المخلوقات عبر كل العصور وعبر المكان والزمان وفق إرادة الخالق سبحانه.

مثال للسنة الربانية في القرآن: وردت لفظة سنة في القرآن ما يقرب من ثماني عشرة مرة، منها قول الله تعالى: [ قُل لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَنتَهُوا يُغَفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّة الأوَّلِينَ] ( الأنفال) فهذه الآية وردت في سياق الحديث عن الكافرين وموقفهم من الدين الإسلامي، وإنفاق الكفار أموالهم ليصدوا عن سبيل الله، وهذا الإنفاق سيكون عليهم حسرة ووبالاً عليهم ثم يغلبون، فأتت هذه الآية توضح لهم أنهم إن انتهوا وامتنعوا عن ما يفعلونه فإن الله بفضله وحلمه ورحمته سيغفر لهم، وإن يعودوا لفعل ما يغضب الله من صدٍ عن الإسلام بأفعالهم فقد خلت “سنة” الله تعالى في الأمم السابقة، وسيعاقبهم الله كما عاقب من سبقهم.

أهمية السنن الربانية

تظهر أهمية دراسة السنن الإلهية في الكون والقرآن الكريم فهي أسهل طريق للدلالة على الله تعالى من أقرب طريق وهو طريق النظر في (الأنفس والآفاق) التي قال عنها القرآن الكريم [ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفاق وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ]. وكذلك للاتعاظ والاعتبار يقول تعالى: ( يُقَلِّبُ ٱللَّهُ ٱلَّيۡلَ وَٱلنَّهَارَۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبۡرَةٗ لِّأُوْلِي ٱلۡأَبۡصَٰرِ (44).

وتتلخص أهمية السنن الربانية فيما يلي:

1عمارة الأرض ازدهار الحياة: الإنسان بحاجة إلى فهم سنن الله تعالى في خلقه سواء اكانت سننًا طبيعية أم سننًا  اجتماعية أو كانت حتمية أم شرطية لكي يتمكن من فهم حركة العالم الذي يعيش فيه  ويعرف حركة التاريخ مما يساعده في تنظيم حياته وتأدية مهمته في الحياة وتحقيق مصالحها وسعادته في الدنيا والاخره فكل الظواهر التي تحيط بالإنسان بنزول المطر وحركة الكواكب وتعاقب الليل والنهار كلها تحدث وتتكرر وفق السنن والقوانين التي وضعت لها.

2- وتبادل المنافع بين الناس وتحقيق التواصل مع الآخرين فاكتشاف هذه السنن والانتفاع بها يحتاج إلى تعاون الناس وجهدهم وهذا يفتح مجالاً للحوار والتفاهم بينهم لأن اكتشاف هذه السنن ليس حكرا على أحد بل هو متعلق بالاجتهاد والجد والاجتهاد ومواصلة البحث .

3- إنَّ السنن الربانية طريق لمعرفة عظمة الخالق فانسجام هذه القوانين والسنن مع بعضها البعض فيه دليل على أن منبعها واحد، فهي دليل على وحدانية الخالق سبحانه .

اقرأ أيضاً  أدلة وحدانية الله تعالى سورة يس 69- 83

4- إنّ معرفة السنن الربانية فيه راحة وشعور بالطمأنينة، وذلك لعدالة الله عز وجل المطلقة، فهي تعم الناس جميعا دون تميز أواستثناء، فلا فرق بين اللون أو الجنس، فالكل في ميزان السنة الربانية سواء قال تعالى:

 [ وَنَضَعُ ٱلۡمَوَٰزِينَ ٱلۡقِسۡطَ لِيَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ فَلَا تُظۡلَمُ نَفۡسٞ شَيۡـٔٗاۖ]

خصائص السنن الربانية

لابد من معرفة خصائص السنن الربانية لحُسن التعامل معها وفهمها:

1- الثبات فلا تتغير بتغير المكان أو الزمان قال تعالى: ( فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَبۡدِيلٗاۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحۡوِيلًا (43).

2- الاطراد فهي تتكرر كلما تكرر شرطها وباستمرار قال تعالى: ( قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِكُمۡ سُنَنٞ فَسِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَٱنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلۡمُكَذِّبِينَ (137).

3- العموم والشمول فحكمها يسري على جميع الخلق بلا استثناء قال تعالى: ( لَّيۡسَ بِأَمَانِيِّكُمۡ وَلَآ أَمَانِيِّ أَهۡلِ الۡكِتَٰبِۗ مَن يَعۡمَلۡ سُوٓءٗا يُجۡزَ بِهِۦ وَلَا يَجِدۡ لَهُۥ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّٗا وَلَا نَصِيرٗا (123).

أقسام السنن الربانية

الأولى: سنن حتمية لا اختيار للإنسان فيها كالموت مثلاً فهو سنة حتمية على كل كائن.

مثل قول الله تعالى: [ لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ ۚ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ].

وهناك سنناً أخرى من السنن الحتمية:

1- سنة الابتلاء والتمحيص، يقول تعالى: الٓمٓ  أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتۡرَكُوٓاْ أَن يَقُولُوٓاْ ءَامَنَّا وَهُمۡ لَا يُفۡتَنُونَ 

2- سنة التدرج، يقول تعالى: {وأنذر عشيرتك الأقربين} [الشعراء: 214] ويقول أيضا: {لتنذر أم القرى ومن حولها} [الشورى: 7].

 3- سنة التسخير، يقول تعالى: ﴿ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا ﴾.

4- سنة التدافع، يقول تعالى: (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الحج :40].

 5- سنة النصر والتمكين، يقول تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءامَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ الصَّـالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى الأرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِى ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدّلَنَّهُمْ مّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِى لاَ يُشْرِكُونَ بِى شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَـاسِقُونَ) [النور: 55].

6- سنة التلازم، لقد ذكرت قرينه العمل الصالح، إشارة إلى أن الإيمان الذي وقر في القلب لا بد أن يصدقه شيء في الظاهر، وهو العمل؛ ولذلك قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} [الأنفال:٢]  فالتلازم الشرعي ، كتلازم القصر والإفطار في الصلاة والصوم المستفاد من قوله عليه ‌السلام: « إذا أفطرت قصّرت، وإذا قصّرت أفطرت » الفقيه 1 : 437 ، ح 1271.

 7- سنة التداول، يقول تعالى: (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) [آل عمران:140].

الثانية: شرطية ترتبط باختيار الإنسان وبفعله، فتكون على شكل حادثتين وفعلين مترابطين الأولى شرط والثانية جزاء وحصول الجزاء فيها يكون نتيجة لتحقق الشر:

ومثال ذلك قول الله تعالى: [ إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ].

 المقصود بالسنن الشرطية

هي التي تأتي  وترد على هيئة فعلين أي حادثتين مترابطتين “يكون الأول منهما شرطاً” “والثاني جزاء” “وحصول الجزاء فيها يكون نتيجة حتمية لتحقق الشرط”.

اقرأ أيضاً  أصحاب الكهف

مثال ذلك قول الله تعالى: [ وألو إستقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماءً غدقا] هنا حادثتان ( الشرط والجزاء) مترابطتان ( الإستقامة وكثرة الخيرات) تكون إحداهما شرطاً هو الإستقامة والأخرى جزاءً هو كثرة الخيرات الإلهية  والحصول على الجزاء هو كثرة الخيرات الإلهية، يكون نتيجة حتمية لتحقق الشرط ألا وهو الإستقامة.

أمثلة للسنن الشرطية

1- مرتبطة بالأعمــــــال الصـــــــــالحة:

الشرط                                                                      الجزاء

الاستقامة على الدين                                            كثرة الخيرات الإلاهية.

الصدقة                                                                  زيادة المال.

صنع المعروف                                                         الوقاية من المهلكات و الآفات.

الصبر على الظلم                                                     العزّة.

الستر على مسلم في الدنيا                                    ستر الله له في الآخرة.

صلة الرحم                                                               بسط الرزق و طول العمر.   

الصدق في البيع والشراء                                          التوفيق و البركة في البيع  الشراء.

تفريج كربة وضيق عن مسلم في الدنيا                  جزاؤه نجاة المسلم من كربة من كرب يوم القيامة.               

2- مرتبطة بالأعمـــــــــــال الســـــــــــيئة:

الشرط                                                                         الجزاء

الممارسات  الجنسية المحرمة                                     الطاعون وانتشار الأمراض.

الغش الاقتصادي                                                         القحط والأزمات الاقتصادية.

منع حقوق الفقراء                                                         الجفاف وقلة الأمطار.

اقرأ أيضاً  سبيل الهداية سورة الملك 1-14

فعل المحرمات وعدم تركها والمجاهرة بها                     دخول العدو بلاد المسلمين.

عدم العمل بكتاب الله وسنة نبيه وتعطيلهما                 تسليط الظلمة المجرمين على الأمة.

ترك الرفق                                                                     فوات الخير.

التطلع بما في أيدي الناس                                           حرمان البركة.

الكتمان والكذب في البيع والشراء                                يمحق الله بركة البيع والشراء.

*ودلالة ارتباط السنن الشرطية بفعل الإنسان وإرادته لسببين:

1 أن الإنسان مخير في أمور معينة.

2- أن الاختيار مسؤولية الشخص وهو محاسب على ذلك.

السنن الربانية في السنة المطهرة

فالمتأمل في سيرته صلى الله عليه وسلم، يجد كيف كان صلوات الله وسلامه عليه يحسن التعامل مع سنن الله في الكون وقوانينه، فما من غزوة إلا والرسول يستعد ويأخذ بالأسباب، يجعل، ميمنة وميسرة ومقدمة ومؤخرة ويجعل قائدا، ثم يلحًّ على الله في دعائه مبتهلا في رجائه، فهذا نوع من أنواع السنن الربانية ( وهذا الأخذ بالأسباب في حد ذاته سنة من سنن الله تعالى في الكون ) وهي إدراك سنن النصر التي تعتمد على أسباب معنوية وأسباب مادية.

وفي جانب التربية: فلقد ربي الرسول  عليه السلام أصحابه رضوان الله عليهم على قيمة التوكل، فهذا إدراك قوي للسنن التي بثها الله تعالى في خلقه، وإرشاده عليه السلام الناس إلى الرزق، فسنة الله فيه واضحة عندما يأمره بأن يذهب ويعمل، فيشتري قدوما ويحتطب، وتوجيهه عليه السلام للأعرابي إلى ربط الناقة عندما قال له: “يا رسول الله، أأتركها وأتوكل على الله، قال: “بل اعقلها وتوكل”.

سبل معرفة السنن الربانية

أولا: التبصر والملاحظة المباشرة لحركة الكون:

زود الله تعالى الإنسان ما يحتاجه من عقل و حواس؛ لفهم ما يحيط به من الظواهر الكونية، فما على الإنسان إلا أن يفتح قلبه وعقله فينظر، ويتأمل ويجب، ويستخلص النتائج ويستنتجها.

ثانيا: استقصاء والبحث عن السنن الربانية من خلال الآيات القرآنية والأحاديث،  ودراسة تاريخ الأمم .

قال رسول الله: [ يا معشر المهاجرين خمس إذا ابتلیتم بھن’ وأعوذ بالله آن تدر كوهن’ لم تظهر الفاحشة في قؤم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا, ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المئونة وجور السلطان عليهم, ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا مُنعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطژوا….». (ابن ماجة)

يذكر هذا الحديث ثلاثة مظاهر اجتماعية سلبية تؤدي إلى اختلاق أزمات تهدد حياة الفرد والمجتمع، بيَّنها رسول الله على شكل معادلات وقوانين “سن شرطية”،

فإذا شاعت الفاحشة في المجتمع  انتشر الطَّاعُونُ وَالْاوْجَاعُ، وإذا تلاعب الناس في الأوزان وغبين بعضهم بعضا في التجارة  أخذوا بالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ.

وإذا منعوا زكاة أموالهم كان سببا في انحباس المطر عنهم.

زر الذهاب إلى الأعلى