أحكام الإسلام

القواعد الفقهية ( مفهومها ونشأتها )

القواعد الفقهية

الرياضيات والهندسة والفيزياء لها قواعدها، ولكل علم من العلوم قواعده، والفقه كذلك لقواعد تنظم فروعه الفقهية، وتجمع أحكامه الشرعية، فتجعلها في نسق واحد، مما يسهل حصرها والرجوع إليها في الفتوى والاجتهاد.

تعريف القواعد الفقهيّة ونشأتها

القاعدة الفقهيّة: هي جملة موجزة تتضمّنُ أحكامًا تشريعيّةً عامةً في مسائل مشابهة لها ومندرجة تحتها.

نشأتها:

تُستنبط القواعد الفقهيّة من النصوص الشرعية( القرآن والسنة )، والأحكام الفقهية، تكونت صيغها بالتدرج في عصور ازدهار الفقه الإسلامي.

 أهمية القواعد الفقهية

فوائد القواعد الكبرى لطالب العلم، منها أنها تعين على:

1. حفظ  وفهم كثير من مسائل الفقه المتشابهة.

2. معرفة مزايا الدين، ومقاصده السامية، وأنه صالح لكل زمان ومكان.

3. تكوين ثروة وملكة فقهية يستطيعُ بها طالب العلم استنباط الأحكام الفقهية للأحداث المستجدّة بالقياس.

القواعد الفقهية الكبرى

القواعد الفقهية ليست على درجة واحدة؛ فهناك خمس قواعد كبرى مشهورة اتفقت جميع المذاهب الفقهية على الاعتداد بها، وتشمل فروعًا من جميع الأبواب الفقهية، وهناك قواعـد أقـل شـمولا للفروع من هذه القواعد، وتسمى قواعد فقهية فرعية والقواعد الفقهية الخمس الكبرى هي:

1.الأمور بمقاصدها.                    2. اليقين لا يزول بالشك.                       3 الضرر يزال.   

4.المشقة تجلب التيسير.          5. العادة محكمة.

الشرح والتفصيل:

القاعدة الفقهيّة الأولى:

 الأمور بمقاصدها:

 أولا: المعنى:

إن أقوال الإنسان وأفعاله تابعةٌ لِنيَّتِهِ؛ فتكون أعماله مقبولةً، ويثاب عليها إذا كان قصده صحيحًا، ولا تقبل ويكون آثما إذا كان قصده فاسدًا.

ثانيا: التطبيقات:

1. إذا أهدى إنسان هدية لآخر؛ فإنْ كانَ قصده المودة والمحبة في اللهِ عَزوَجَلَ كَانَ مثابًا، وإِنْ كَانَ قصده إبطال حق أو إحقاق باطل، صارَتْ رشوة ويكون آثمـا بذلك.

2. مَنْ تزوّج امرأةً بقصد التحليل للمطلق ثلاثًا كان زواجه فاسدًا؛ لأنّ المقصد من تشريع الزواج أن يكون بنية الدوام والاستمرار، وتحقيق عفّةِ النفس وسكينتها، وهذا النوع من الزواج الصوري لا يحقق أيا من هذه المقاصد.

3. إذا اشترى شخص سلعة بثمن مؤجل، ثم باعها للبائع الأول نفسه بثمن أقل نقدا؛ حرم ذلك

ويسمّى بيع العينة؛ لأنّ هذا البيع صوري وقصده الحقيقي الحصــول علـى قـــرض ربـــوي.

اقرأ أيضاً  ما يحل وما يحرم من الطعام والشراب

4. ومن التطبيقات المعاصرة لهذه القاعدة إذا كان القصد من عملية التجميل تغييــر شـكـل لا عـيـب فيـه للتشبه بأحدٍ ما، أو بقصدِ تغيير الشكل المعروف لدى أجهزة الأمن للهروب مـــن أيــدي العدالة فهذا محرم.

ثالثا: الأدلة:

حديث عمر بن الخطاب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنما لأعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئ مَا نَوَى» رواه البخاري).

رابعًا: الغرض من تصحيح النيّة:

1. النية شرط لصحة الأعمال.

2. تمييز العبادة عن العادة.

3. تحويل العادة إلى عبادة: ذلك أن الأعمال المباحة إذا نوى بها الخير والابتعاد عما حرم الله تعالى فإِنَّهُ يُؤجَرُ على نيته.

4. تمييز معاني الأقوال ودلالاتها.

القاعدة الفقهيّةُ الثَّانِيَةُ:

اليقينُ لا يزولُ بِالشَّكِّ

أولا: المعنى:

أن الشك إذا ورد على الإنسان، وكان عنده يقين سابق، فإنّه لا يلتفت إلـى الشـك، بـل يـرجـع فـي الحـكـم إلى اليقين السابق عليه.

 فاليقين هـو: الاعتقاد الجازم، والشـك هـو: التـرد بين وقوعِ الشَّيء وعدمه.

ثانيا: التطبيقات:

1. مَنْ تيقّنَ الطَّهارة وشكَّ في الحَدَثِ، فإنّه يبقى على حكم الطهارة.

 2. مَنْ شكَّ في إحدى الصلوات: هل صلاها أو لا؟ وجب عليه أن يصليها، لأن الصلاة مشكوك فـي فعلها، والأصل أنـه لـم يـصـل فـلا تـبـرأُ ذمته منهـا حـتـى يتأكد أنـه صـلاهـا.

3. ومن ادعــى عـلـى شخص دينا أو حقا وليس عنده بينة بذلك الحق، فلا يلزم المدعى عليـه شـيء لأن الأصل براءة ذمته.

4. إذا كانت علامةُ الموتِ توقُف القلب عن العمل، واكتشف الطب الحديث أن نهاية الحياة الإنسانية تتحقق بموت جذع الدماغ لا بتوقف القلب، فقد يحصل توقف القلب ولكن بواسطة العناية المركزة ووجود أجهزة الإنعاش يبقى نبض قلبه مستمرا، فاليقين في هذه الحالة حياته وموتُـه هـو الشَّكُّ، وِفْقَ قاعدة: اليقين لا يزول بالشك. يعامل معاملة الحيّ؛ فالأصل في الإنسان الحياة، ولا نحكم بتحققِ الموتِ حتى يقرر الأطباء أن حياة المريض قد انتهت، حينئذ يجوز للطبيب رفـع أجهزة الإنعاش عنه.

5. كل ما يستجد من أمور الدنيا، من أجهزة، وابتكارات و عقود مالية معاصرة، واختراعات حلال إذا لم يثبت غَلبةُ ضررها، ولـم يرد دليل شرعي صحيح يثبت تحريمها، فالأصل في الأمور الإباحة ما لم يوجد دليل على التحريم.

ثالثًا: الأدلة:

قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:

(إِذَا شَكٌّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ، فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى، ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا فَلْيَطْرَحَ الشَّك وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ، ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلَّمَ، فَإِنْ كَانَ صَلَّى خَمْسًا، شَفَعْنَ لَهُ صَلَاتَهُ, وَإِنْ كَانَ صَلَّى إِتْمَاماً لِأَرْبَعِ، كَانَتَا تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ) (مسلم).

اقرأ أيضاً  منهج الإسلام في بناء الأسرة

التطبيق:

1. من شك في الطواف، هل طافَ أربعًا أم ثلاثًا .

عليه أن يطوف الرابع وجوباً لأنه متأكد من الثالث وشاك في الرابع.

2. أفاق شاب من نومه فرأى في ثوبه منيا ولم يذكرِ احتلاما، فهل يجب عليه الغسل؟

وجب عليه الغسل، لأنه متأكد من وجود المني شاك في الاحتلام.

القاعدةُ الفقهيّةُ الثَّالثَّةُ:

المشقة تجلب التيسير

أولًا: المعنى:

الأحوال التي يحصل فيها مشقة أو ضيق على الإنسان عند تطبيقه لبعض الأحكام الشرعية، تأتي الشريعة لتخفيف المشقة والحرج بتخفيف الحكـم عنـه، والشريعة الإسلامية كلها مبنية على التيسير ورفع الحرج، لكن المراد بهذه القاعدة الرخص الشرعية التي تيسر الأحكام الثابتة لـســبـب طـاري يوجب التخفيف.

 المشقةُ نوعان: إنَّ ضابط المشقة التي يحصل التيسير بسببها:

 1. المشقة المعتادة: ِوهي لا تنفصل عن العبادة، كالمشقة أثناء الصيام بسبب شدة الحر، أو طول النهار، وكالمشقة في الحج.

2. المشقةُ غيرُ المعتادة: وهي الطارئة والزائدة على الجهدِ، كالمشقة في السفر، والمرض؛ فهذه تقتضي التخفيف ويجلب لها التيسير؛ لأنها تسبب الحرج على الإنسان.

ثانيا: التطبيقات

1. التخفيف عن المسافرِ بقصر الصلاة الرباعية، والجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، والفطر في رمضان، والمسح على الخفين ثلاثة أيام بلياليها.

2 التخفيف عن المريض، بالتيمم عند المشقة في استعمال الماء، وجــوازُ الفطـر فـي رمـضـان بـسـبـبِ المرض، وجواز صلاة المريض على حسبِ حاله قاعدًا أو مضطجعا أو بالإيماء.

 3. جواز خروج المرأةِ المُعْتَدَّةِ من وفاة زوجها من بيتها إذا احتاجت إلـى ذلـك: كخروجها للعلاج أو كَسْبِ رزقها، أو شراء حاجياتها إذا لم تجد من يشتري لها.

4. إذا لم تجد المرأة المريضة إلا طبيبا رجلا، فيجوز للطبيب أن ينظــر فــي مـوضـع المــرض بقدرِ الحاجة للمعالجة.

5. ومن التخفيف بسبب النسيان عدم أمرِ الصّائم بالقضاء؛ إذا أكل أو شرب ناسيا.

ثالثًا: الأدلة:

قوله تعالى: ( يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) (البقرة 185).

أضرب أمثلةً:

على هذه القاعدة في مجال حفظ النفس:

المثال الأول: جواز الأكل من المحرمات بقدر الحاجة عند الضرورة.

المثال الثاني: النطق بكلمة الكفر عند الإكراه والخوف على النفس من الهلاك.

القاعدة الفقهيّة الرّابعةُ:

اقرأ أيضاً  التيمم والمسح على الخفين

الضّررُ يُزالَ

أولًا: المعنى:

أن الشريعة تنهى عن الإضرار بالنفس أو بالآخرين؛ وذلك بمنع وقوعه أصلاً، أو بإزالته بعد وقوعه.

ثانيا: التطبيقات:

1. مَنْ أتلف شيئًا من ممتلكات الآخرين فإنّه يضمنه بمثله إن أمكن، أو بدفع قيمته؛ دفعا للضرر الحاصل بالإتلاف.

2. وجوب منع كل ما يضر بعقول الناس وأبدانهم، وأموالهم، ماديا كالمخدرات، أو معنويـا كمـنــع السحرة والمشعوذين والدجالينَ، ومَنْ يفتي بغير علم.

3. نقل المصانع وكلُّ ما فيه إزعاج إلى مدن صناعية، بعيدًا عن الأحياء السكنية.

4 عمليات التجميل، إذا كانَتْ لضرورة علاجية كعلاج عيوب وتشوّهات في جسم الإنسان، أو لمعالجة عيب ناشئ عن حادث طاري؛ كترقيع الجلد المحترق فيجوز إجراء هذه العمليات في هذه الأحوال لإزالة الضّرر عن المصاب.

ثالثا: الأدلة:

1. قال تعالى: (لَا تُضَارَ واَلِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ ) (البقرة 233).

 2. قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لا ضَرَرَ، ولا ضِرَارَ» (رواه مالك).

 مثالاً على هذه القاعدة:

المثال: الرد بالعيب لإزالة الضرر عن المشتري.

القاعدة الفقهيّة الخامسة:

العادة محكّمة (العرفُ)

أولا: المعنى:

إنّ ما اعتاده الناس وتعارفوا عليـه مـن الأفعال والأقوال، بشرط عدم مخالفة نصاً شرعياً، وليس له حد أو ضابط في الشرع أو اللغة, فإن مرجعـه إلـى العـادة والعرف..

والعادةُ هي: الأمر المتكرر عند أغلب الناس حتى يكون متقبلاً غير مستنكرًا ولا مستغرب.

والعُرفُ هو: ما اعتاده أغلب الناس من قول أو فعل أو ترك.

 ومعنى محكمة: الفصل والقضاء بين الناس على أساسها.

ثانيا: التطبيقات:

1. تفسير ألفاظ الناس في معاملاتهم، فإذا تبايع اثنان بنقد ولم يحدد نوعه، فاختلفا، فالعبرة بنقـد البلد الذي حصل فيه التبايع، فيكون مثلا الاعتبار في الإمارات بالدرهم الإماراتي، وهكذا…

 2. تفسير ألفاظ الناس في أيمانهم إذا حلف شخص فقال: والله لا آكل لحما، فإنّه لا يحنـث بـأكل السمك أو الدجاج، لأن اللحم في عُرف الناس: اللحم الأحمرُ كَلَحْمِ الأنعام، وأما السمك والدجاج فلا يُطلق عليـه فـي العـرف لحما.

وجوب النفقة على الزوجة والأولاد، وليس للنفقة مبلغ محدد في الشرع، فيرجعُ فيها إلى العُرفِ.

 4. جواز سَن أحكام تعزيزية لردع المفسدين والمجرمين، وأول من فعل ذلك عـمـر بـن عبد العزيز رحمه الله تعالى فإنّه قال: “ستحدثُ للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور”.

5. جواز إغلاق أبواب المساجد في غير أوقات الصلاة، صيانة للمسجدِ منَ السرقة وعبث العابثينَ.

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى