الوحي الإلهي ( قرآن وسنة )

الله نور السماوات والأرض سورة النور

الله نور السماوات والأرض سورة النور( 35:45)

بعد بيان التشريعات وأحكام  الفقه الجزئية العملية، والآداب الأخلاق (علم الأخلاق)

انتقل البيان الرباني في سورة النور إلى دائرة العقيدة والإيمان وهي الإلاهيات، فذكر الله تعالى مَثلين:

الأول: ظهور دلائل الإيمان وأنها في غاية الوضوح، فسطوع النور في العالم كله بالعلامات الكونية والآيات المنزلة على رسوله فيها دليل واضح قاطع على وحدانية الله تعالى ووجوده وقدرته وعلمه، وهو أيضا هاد إلى صلاح الدنيا والآخرة.

الثاني: إظهار أنَّ أديان الكفرة في نهاية الخفاء والظلمة، وهوما تتحدث عنه الآيات ( 35:45).

يقول تعالى: ۞ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ مَثَلُ نُورِهِۦ كَمِشۡكَوٰةٖ فِيهَا مِصۡبَاحٌۖ ٱلۡمِصۡبَاحُ فِي زُجَاجَةٍۖ ٱلزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوۡكَبٞ دُرِّيّٞ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٖ مُّبَٰرَكَةٖ زَيۡتُونَةٖ لَّا شَرۡقِيَّةٖ وَلَا غَرۡبِيَّةٖ يَكَادُ زَيۡتُهَا يُضِيٓءُ وَلَوۡ لَمۡ تَمۡسَسۡهُ نَارٞۚ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٖۚ يَهۡدِي ٱللَّهُ لِنُورِهِۦ مَن يَشَآءُۚ وَيَضۡرِبُ ٱللَّهُ ٱلۡأَمۡثَٰلَ لِلنَّاسِۗ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٞ (35) فِي بُيُوتٍ أَذِنَ ٱللَّهُ أَن تُرۡفَعَ وَيُذۡكَرَ فِيهَا ٱسۡمُهُۥ يُسَبِّحُ لَهُۥ فِيهَا بِٱلۡغُدُوِّ وَٱلۡأٓصَالِ (36) رِجَالٞ لَّا تُلۡهِيهِمۡ تِجَٰرَةٞ وَلَا بَيۡعٌ عَن ذِكۡرِ ٱللَّهِ وَإِقَامِ ٱلصَّلَوٰةِ وَإِيتَآءِ ٱلزَّكَوٰةِ يَخَافُونَ يَوۡمٗا تَتَقَلَّبُ فِيهِ ٱلۡقُلُوبُ وَٱلۡأَبۡصَٰرُ (37) لِيَجۡزِيَهُمُ ٱللَّهُ أَحۡسَنَ مَا عَمِلُواْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضۡلِهِۦۗ وَٱللَّهُ يَرۡزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيۡرِ حِسَابٖ (38) وَٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَعۡمَٰلُهُمۡ كَسَرَابِۭ بِقِيعَةٖ يَحۡسَبُهُ ٱلظَّمۡـَٔانُ مَآءً حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَهُۥ لَمۡ يَجِدۡهُ شَيۡـٔٗا وَوَجَدَ ٱللَّهَ عِندَهُۥ فَوَفَّىٰهُ حِسَابَهُۥۗ وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ (39) أَوۡ كَظُلُمَٰتٖ فِي بَحۡرٖ لُّجِّيّٖ يَغۡشَىٰهُ مَوۡجٞ مِّن فَوۡقِهِۦ مَوۡجٞ مِّن فَوۡقِهِۦ سَحَابٞۚ ظُلُمَٰتُۢ بَعۡضُهَا فَوۡقَ بَعۡضٍ إِذَآ أَخۡرَجَ يَدَهُۥ لَمۡ يَكَدۡ يَرَىٰهَاۗ وَمَن لَّمۡ يَجۡعَلِ ٱللَّهُ لَهُۥ نُورٗا فَمَا لَهُۥ مِن نُّورٍ (40) أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُۥ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱلطَّيۡرُ صَٰٓفَّٰتٖۖ كُلّٞ قَدۡ عَلِمَ صَلَاتَهُۥ وَتَسۡبِيحَهُۥۗ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِمَا يَفۡعَلُونَ (41) وَلِلَّهِ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ وَإِلَى ٱللَّهِ ٱلۡمَصِيرُ (42) أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُزۡجِي سَحَابٗا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيۡنَهُۥ ثُمَّ يَجۡعَلُهُۥ رُكَامٗا فَتَرَى ٱلۡوَدۡقَ يَخۡرُجُ مِنۡ خِلَٰلِهِۦ وَيُنَزِّلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن جِبَالٖ فِيهَا مِنۢ بَرَدٖ فَيُصِيبُ بِهِۦ مَن يَشَآءُ وَيَصۡرِفُهُۥ عَن مَّن يَشَآءُۖ يَكَادُ سَنَا بَرۡقِهِۦ يَذۡهَبُ بِٱلۡأَبۡصَٰرِ (43) يُقَلِّبُ ٱللَّهُ ٱلَّيۡلَ وَٱلنَّهَارَۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبۡرَةٗ لِّأُوْلِي ٱلۡأَبۡصَٰرِ (44) وَٱللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَآبَّةٖ مِّن مَّآءٖۖ فَمِنۡهُم مَّن يَمۡشِي عَلَىٰ بَطۡنِهِۦ وَمِنۡهُم مَّن يَمۡشِي عَلَىٰ رِجۡلَيۡنِ وَمِنۡهُم مَّن يَمۡشِي عَلَىٰٓ أَرۡبَعٖۚ يَخۡلُقُ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ (45)

اقرأ أيضاً  أحكام وآداب بيت النبوة

 معاني المفردات الواردة في الآيات 35:45 من سورة النور:

گمشكاة:     المشكاة تجويف أو كوة في الحائط غير نافذة.

دري:        مضيء متلألئ والدر هو اللولو

بالْغُدُو:      جمع غداة، والغداة أول النهار.

وَالْأَصَالِ:    جمع أصيل، والأصيل آخر النهار.

بقيعة :      جمع قاع أرض مستوية.

بحر لجٍّي:     بحر عميق كثير الماء.

صافَّات:       باسطات أجنحتها في الهواء.

يُزجي :      يسوق ويدفع برفق.

ركاما:       مجتمعا بعضُه فوق بعض.

الودق:       المطر.

سنا:        الضوء واللمعان.

النقاط الأساسية التي تحدثت عنها الآيات:

أولاً: الإيمان نور إلاهي.                                   ثانياً: المساجد بيوت الله.         

ثالثاً: حال الكافر وخسارته.         رابعاً: دلائل قدرة الله وعظمته.

الشرح والتفصيل:

أولاً:

الإيمان نور إلاهي

يخبر الله عزوجل في هذه الآياتِ أنه نور السمواتِ والأرْضِ، أي منّورَهُما:

أنواع النور في القرآن الكريم

1- نورٍ حسي (ظاهر للجميع )

2- نور معنوي، فبنوره تعالى استنار كل الكون، وبنوره اهتدى المؤمنون إليه، فالقرآن نـور، وما فيه من أحكامٍ نور، والمعرفة والإيمان نـور يقذفه الله تعالى في قلوب الرسل والعباد المؤمنين.

 فالله تعالى خالق كل نور معنوي أو حسي وموهِبُه لمن يشاء من عباده.

ثم يشبهُ سبحانه تعالى النور الحسي الظاهر بالإيمان في قلب العبد المؤمن كالمصباح الزجاجي المضيء المتلألئ الذي يشتعل بأجود أنواع زيت الزيتون الصافي، ويكون داخل كوَّة ( تجويفة غير نافذة ولا مثقوبة) في جدارٍ ينبعثُ ويشع منه النور فيضيء ما حوله والله تعالى يهدي لهذا النور مَنْ يَشَاءُ مِنْ العباد، الذين ينظرون  ويتأملون بعيونهم، ويتدبرون بعقولهم.

ودلالة قولهِ تَعَالَى: ﴿ يَهْدِى اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ) .

 فيه دَفْعُ ومنع التَّعَجُبِ مِنْ عَدَمِ اهْتِدَاءِ الكَثِير مِنَ النَّاسِ بِالنُّورِ المعنوي الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ وَهُوَ الْقُرْآنُ والإسلام فَإِنَّ اللَّهَ تعالى إِذَا لَمْ يَشَأْ هَدْيَ أَحَدٍ خَلَقَهُ، خلقه وجَبَلَةَ عَلَى الْعِنَادِ وَالْكُفْرِ.

قال تعالى: (وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ ) والحكمة من ضرب الأمثالِ في كتابِ اللهِ عَزْ وجل:

اقرأ أيضاً  حديث الإفك عظة وعبرة

التذكير والوعظ والحث والزجر.

ثانياً:

 المساجد بيوت الله

تنتقل الآيات الكريمة للحديث عن بيوت الله سبحانه وتعالى في الأرضِ، وهي المساجد أحبُّ البقاع إلى اللهِ تَعالى، فقد أمرَ عَزَوجل أنْ تُبنى، وتعظم، ويُرفع شأنها ؛ لتكون منارات للهدى، ومراكزا لنشر العلم والسلام والإيمانِ، يُعبد فيها الله تعالى بتوحيده، وذكره، والتسبيح بحمده، وتلاوة القرآن صباحا ومساءً.

 ثم تخبرنـا الآيات الكريمة عن أهل هذه المساجد وهـمُ المؤمنون الصادقون الذين يعبدون اللـه فـي جـد وإخلاص لا تشغلهم الدنيا وزخرفها وزينتها عن ذكرِ ربِّهم، ولا يلهيهمُ البيع والشراء عن طاعة ربهم، كما لا تشغلهم الدنيا عن إقامةِ الصّلاةِ في أوقاتها، ودفع الزكاة لمستحقيها، فهم يخافون يوما عظيمًا تضطرب من شدة هوله وفزعِه قلوبُ الناس وأبصارهم، ويعملون لينالوا رضا ربهم ويطمعونَ أنْ يكافئهـمُ اللهُ على أعمالهـم فـــي الدنيـا بأحســـن الجزاء؛ بالطمأنينة والأمن، والذكر الطيب، وحب النـاس لهـم وحبهم للناس حتى بعد رحيلهم، ويتفضّل عليهم فوق ذلك بما لا عين رأتْ في الجنة، ولا أُذن سمعت عن النعيم، ولا خطر على قلب أحد من البشر.

قالَ تعالى: ( رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلَا بَيعَ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاة وَإِيتَاءِ الزَّكَاة يخافُونَ يَوْمًا نَتَقَلَبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ) .

 صفتين وصفَ اللهُ بهما الرِّجالَ المؤمنينَ

1- لا تلهيهم ولا تشغلهم الدنيا وما فيها عن طاعته سبحانه وتعالى.

2-يخافون يوم الحساب.

 ثالثاً:

حال الكافر وخسارته

ضربَ الله تعالى وذكر لحالِ مَنْ لا يؤمنُ بـه مَثَالين:

 الأول: لعمله:

 والثاني لاعتقاده وتخبطه في الظلمات ودعوة الناس إلى الكفر بالله وجحود نعمه، فأعمال الكفار التي ظنوها في الدنيا أعمالا صالحة هـي فـي الآخرة كالسراب الذي يظنّه العطشان من بعيد ماء، حتى إذا جاء عنده لم ير ماءً ولا شرابًا، فيشعر بالندامة والحسرة، فكذلك الكافر يعتقدُ أن عمله الذي عمله في الدنيا سينفعه إذا مات، فإذا قَدِم على ربِّهِ لم يجد شيئًا مِنَ الأعمالِ لأَنها أصبحتْ هباءً وعبثاً منثورا  ومشتتاً ثم يحاسبه الله على كفره حسابًا كاملاً وافياً، والله سريع الحساب، يعجل بحساب الخلق، فهو يحاسب الجميع مهما كانت كثرتهم وكثرة أعمالهم، ولا تشغله محاسبة واحـد عـن آخــر، وفي هذا تحذير من الإخلال بطاعة مَنْ هذا شأنُ قدرتِهِ.

ثُمَّ ضربَ الله عز وجل مثلا آخر:

 لضلال الكفار والذين استجابوا لدعوة الكفر ولم يعملوا عقولهم بل عطَّلوها، كظلمـات في بحر عميق يعلوه موج متلاطم ( يضرب ) بعضُه فوق بعض، ومن فوق هذا يوجد سحاب كثيـف فـي ظـلمـات شديدة متكاثفة متراكمة، إذا أخرج الإنسانُ الموجود في هذه الظلماتِ يده لم يستطع رؤيتهـا مـن ظلمة البح، والمـوج، فقد تكاثفت هذه الظُّلمات حتى حجبَتْ عنه رؤية أقرب شيءٍ إليه، فكذلك شأنُ مَنْ يتخبط في ظلماتِ الكفر والضلال، لا يرى نور الإيمان والهداية ومن لم يجعل الله تعالى لـه يـوم القيامة نورا يسعى به فلا يمكن أن يكون لـه نـور. قال تعالى عن المؤمنينَ : ( يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أيديهم وبأيمانهم بشراكم ) (الحديد 12) فشبهت الآية حالِ مَنْ لا يؤْمِنُ باللَّهِ مرَّةٌ بالسراب ومرّةً بالظلماتِ:

اقرأ أيضاً  الإنسان والأمانة سورة الأحزاب

 فيه دلالة على أن جميع أعمال الكافرين كالسراب ( كالوهم)  لا حقيقة لها فلا يجدون لها أثراً ولا نتيجة إيجابية يوم القيامة.

رابعاً:

دلائل قدرة الله وعظمته

وهي:

بعد أن وصف الله بحالة تعالى حال المؤمنين وغير المؤمنين، أتبع ذلك بذكرِ دلائل قدرته وعظمته خلال تعالى

1- تسبيح كل المخلوقات بحمد ربها انتقال حتى الطيور في السماء تسبّحُ ربها وتعبده، وكلُّ مخلوق يسبح ويعبد ربه بالطريقة التي هداه الله إليها، قالَ عَلى: (وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبح بحمدِهِ, وَلَكِن لَّا تفَقَهُونَ تسبيحهم) (الإسراء (44).

2- الله تعالى هو المتصرف في الكون المالك لكل شيء فيه، ومصير الخلائق إليه سبحانه وسوف يحاسبهم، ويفصل بينهـم يـوم القيامة.

3- نزول الأمطار بسبب تكوين السحب: ذكر سبحانه وتعالى هذه الظاهرة الكونيـة حـيـت يُـسَـيِّر بقدرته السحاب إلى حيثُ يشاءُ، ثُم يتجمع بقدرته تعالى بعـد تفرقه، فيجعله سبحانه كثيفا متراكمـا (السحب الركامية) بعضـه فـوق بعض’ كأمثال الجبال, ثُمَّ ينزل المطـر والبردَ مـن هـذا السحاب الكثيف’ فيكون فيه نعمة للإنسان والدواب والزرع والدواب أحياناً، ويكون ومصيبة أحيانا أخــرى.

4-اختلاف اليل والنهار بالطول والقصر، والظلمة والنور، والحر والبرد.

5-خلق الدواب كلها من ماء وتنوع أشكالها وحركاتها فمنهم من يزحف على بطنه كالحية والزواحف، ومنهم من يمشي على رجلين كالطير، ومنهم من يمشي على أربع كالأنعام

وقول الله تعالى: ( يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فيه دلالة أن الله هو المتصرف في هذا الكون وهو الخالق له.

حقائق علمية ذكرت في القرآن الكريم منذ أكثر من 1400 سنة:

 ثبتت هذه الحقائق بالعلم التجريبي في العصر الحالي ، تزيد المؤمن إيمانًا، وتقدم للكافر دليلا على صدق  نبوءة النبي محمد صلى الله عليه وسلم لاستحالة إدراكها في زمنه بالوسائل المتاحة في تلك الفترة، ومن الحقائق التي ذكرتها الآيات الكريمة السابقة ما يلي:

1-ظلمة البحار والمحيطات.

2-تشكل السحب الركامية كأمثال الجبال.

3 الماء عنصر أساسي من مكونات كل الحيوانات.

زر الذهاب إلى الأعلى