قيم الإسلام وآدابه

المجالس وآدابها

المجالس وآدابها

يُلاحظ في كثير من الزيارات والاجتماعات في وقتنا الحاضر انشغال معظم الحضورِ بهواتفهم الذكية عنْ تبادل الحديث مع النَّاسِ الدِّينَ يجلسون معهم.

– فالمسلم يجب عليه الانتباه أثناء جلوسه مع الآخرين بأن يتمسك بآداب المجلس ولا ينشغل عمن يجالسه.

أهمية المجالس في الإسلام

الإنسانُ اجتماعي بطبعه، ويصعب عليه العيش بمعزل عنِ النَّاسِ، فَهوَ يأْنسُ بِالتَّواصل معهم ومجالستِهِمْ، قالَ تَعَالَى: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْتَكُم مِن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ) . (الحجرات: 13]

رغْبَ الإسلام في عقدِ مجالس الخيرِ وَالصّلحِ بينَ النَّاسِ، لما لها من أثر في تقوية أواصر المحبة بينهم،

قَالَ تعَالَى: ( لَّا خَيْرَ فِي كَثِير مِن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحَ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ  ذلك ابتغاء مرضاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيماً) سورة النساء

بينما نفَرَ منَ المجالس التي لا يُذكر فيها اسم اللهِ تعَالى، قَالَ صلى الله عليه وسلم : مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا لَمْ يَذْكُرُوا اللَّهُ فِيهِ وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَى نَبِيِّهِمْ إِلَّا كَانَ عَلَيْهِمْ تِرَةً فَإِنْ شَاءَ عَذْبَهُمْ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُمْ». أخرجه أحمد

المجالس جمعُها مَجْلِسٍ: وَهوَ مكانُ يجتمع النَّاسِ فيه، وَيُعقد في الدواوين الرسمية، أو في أماكن الضيافة، من أجل مناقشة  أمور خاصة أو عامة أو مناقشة أمور حياتهم.

أنواع المجالس

1 ـ مجالس عامة: التي تُعقد وتكون في الأماكن العامة، وَيُدعى لَهذه المجالس النَّاسُ جميعًا، مثل المصليات والمساجد.

 2 ـ مجالس خاصةٌ: الّتي تُعقد وتكون في أماكن الضيافةِ، وَيُدعى لَهذه المجالس عدد معينٌ مِنَ النَّاسِ، بينَهم روابط تجمعهم، كمجالس العائلات.

اقرأ أيضاً  الاستعفاف

اختيار الجليس

يختلفُ النَّاسُ في طرق اختيار الصّاحبِ والجليس باختلاف أفكارِهِمْ  وآرائهم وعاداتهم وميولهم. ولأنَّ الإنسانَ يتأثر بأصحابه إيجابًا وسلباً، ويُعرَفُ الصاحب بينَ النّاسِ بصفاتِ مَنْ يصاحب، وتُحسب عليه أَفعالُ مَنْ يُصاحِبُ، حثنا رسول الله عليه السلام ورغبنا في حُسنِ اختيار الجليس والصديق  قال الرسول: «المرء على دين خليله، فلينظر أحدُكُمْ مَنْ

يُخالط… [أحمد] وَمِنْ أهم الضوابط التي حدّدَها الإسلامُ لاختيار الصّاحب أنْ يكونَ مُتحلياً بالإيمانِ وَحُسنِ الخُلقِ، مؤمن وحسن الخلق، يعينه بالثبات على دينه، وَإِلَّا عادَتِ الصحبة على الإنسان بالضّرر في دنياه وآخرتهِ، فَكلُّ صُحبة قامت على غير أساس سليم كانت سببًا لندم صاحبها، قَالَ اللَّهُ تعَالَى: ﴿ الْأَخِلاء يَومَئذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ). الزخرفة 15

صفات من أجالسه من الناس

الإيمان – التقوى – مُحباً للوطن.

حُسن الخلق- حب العلم والعمل.

حسن المجالسة

اهتم الإسلام بتنظيم حياة النّاسِ، وَأساليب التعامل فيما بينهم في جميع الحياة؛ ليقيم مجتمعاً متماسكا، وقد شرّعَ لَنا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم آدابًا للمجالس علينا التّأدبُ بها، حتّى تكون مجالسنا  مجالس خير وَبَرَكة يرضى عنها اللهُ تَعَالَى، وَمِنْهَا:

أولا:

آداب دخول المجلس والخروج منه

يُسلّم المسلم القادم على الحاضرين في المجلس إذا دخل عليهمْ، وَإذا أرادَ الانصرافَ منَ المجلسِ فليُسلّم عليهم . قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : «إ ِذا انْتَهى أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَجْلِسِ فَلْيُسَلَّمْ، فَإِنْ بَدا لَهُ أَنْ يَجْلِسَ فَلْيَجْلِسْ، فَإِذَا قَامَ فَلْيُسَلِّمْ، فَإِنَّ الأولى لَيْسَتْ بِأَحَقَّ مِنَ الأخيرة». [رواه أبو داود والترمذي والنسائي] فَالسّلامُ رسالة حب يُنمّي المحبةَ وَيُذهبُ الغلَّ وَالحقدَ.

 2-المُصافحة سبب لمغفرة الذُّنوبِ، قال صلى الله عليه وسلم: «ما مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَلْتَقِيانِ فَيَتَصافَحانِ، إِلَّا غُفِرَ لَهُما قَبْلَ أَنْ يَفْتَرِقا». (رواه أبو داود).

اقرأ أيضاً  العدل في الإسلام

3- كما أن تتويج السلام بطلاقة الوجه والابتسامة لهُ أثرٌ كبيرٌ في التأليف بينَ القلوبِ، قال رسول الله: «لاَ تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا وَلَوْ أَنْ تَلْقِى أَخَاكَ بِوَجْهِ طَلْقٍ». ( رواه مسلم)

ثانيا:

آداب الجلوس في المجلس

حرص الإسلامُ على تعميق قيمة الاحترام تواد بين أفراد المجتمع، فَوجَهَنا لمراعاة عدة أمورٍ عند اختيار موضع الجلوس في المجلس، وَمِنْها:

1- الجلوس في آخرِ مكان خالٍ في المجلسِ، فَلا يُزاحم ولا يُضايقُ الآخرينَ، فَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قالَ: كُنَّا إِذا أَتَيْنا النَّبي صلى الله عليه وسلم  جَلَسَ أَحَدُنا حَيْثُ يَنْتَهي. [أخرجه أبو داود والترمذي] .

2-عدم إقامة الرّجلِ مِنْ مجلسه للجلوس مكانَهُ.

 3- يَتَفَسحُ الجالسونَ للقادم، قالَ صلى الله عليه وسلم: «لا يُقيمُ الرّجُلُ الرّجُلَ مِنْ مَقْعَدِهِ ثُمَّ يَجْلِسُ فيهِ، وَلَكِنْ تَفَسّحوا وَتَوَسّعوا». [متفق عليه]

4-عدم الجلوس بين رجلين إلا بإذنهما، قال صلى الله عليه وسلم: «لا يحل لرجل أن يفرق بين اثنين إلا بإذنهما». ( رواء أبو داود والترمذي).

5- عدم الجلوس في وسط المجلس، فقد روي أن الرّسول صلى الله عليه وسلم قال: «لعن من جلس وسط الحَلْقة» [أبو داود والترمذي]

6-عدم الجلوس مكانَ المرء إذا قامَ مِنْ مجلسه لحاجةٍ، فهو أحقُّ بهذا المجلس إذا رجع، قال صلى الله عليه وسلم : «إذا قامَ أحدُكُمْ مِنْ مجلس ثُمَّ رجع إليه فهو أحقُ بِهِ». [رواه مسلم]

ثالثا:

آداب المجلس أثناء الجلوس فيه

نَهى رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عما يتنافى مع أدب الجلوس، وعليه:

1- لا يتناجى اثنانِ دونَ الثَّالِثِ لأَنَّ ذَلِكَ يُحْزِنُهُ، فقد يظنُّ بأنّهم يتحدثونَ عَنْهُ، قَالَ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا كُنْتُمْ ثَلَاثَةً فَلَا يَتَناجى اثنانِ دونَ صاحِبِهِما فَإِنَّ ذَلِكَ يُحْزِنُهُ» [رواه مسلم].

2- لا يُكثرُ مِنَ التنقل في المجلس.

3- يلتزم في مجلسِهِ بالوقار.

اقرأ أيضاً  آداب المسجد

4- يُحافظ على نظافة المجلس.

5- يُنزِلُ النَّاسُ منازلَهُمْ فَيُوقرُّ الكبيرَ ويُقدِّمُهُ في المجلسِ والضّيافةِ، وَكَذلِكَ يُحسنُ الاستماع واختيار ألفاظه ومعانيه؛ لكي لا يؤذي أحدًا.

6- يُراعي الذوق العام في المجالسِ، وَهوَ عدم الامتخاط – أكرمكم اللهُ ، وَعدم الإكثارِ مِنَ التَّثاؤب وَعَدمَ تخليل الأسنان، أو العبث بالأنف أو الآذانِ، وَعدمُ مدَّ الأرجل بحضرة أحد إلا إذا كان مريضًا.

7- يُراعي عدم إطالة الجلوس إذا كانَ ذلك يشقُ على أهل المجلس، لا سيّما إذا كانت الزيارة مثلا عيادةَ مريض، زيارة بقصدِ السّلام عليهم بعد قدومٍ مِنَ السفر، تهنئتهم بأمر مولود أو غيره.

8-عدم الإكثار من الضحك:

قال الرسول: (لا تُكْثرِ الضّحكَ، فإنَّ كثرةَ الضّحِكِ تُميتُ القلب). (رواه الترمذي).

9- ترك الجدال والمخاصمة:

قالَ الرسول: ( أَنا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًا..) [رواه أبو داود].

10- الإكثار من الاستغفار:

عَنْ ابنِ عمرَ رَضي الله عنهما  قال: (كَانَ يُعَدُّ لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحد مائة مرّةٍ مِنْ قبل أن يقومَ: رَبِّ اغْفِرْ لِي، وَتُبْ عليَّ، إِنَّكَ أنتَ التَّوابُ الغفور). [رواه الترمذي]

رابعا:

آداب الخروج من المجلس

1- سن لنا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم دعاء كفارة المجالس فقالَ: «كَفَّارَةُ الْمَجالِسِ أَنْ يَقُولَ الْعَبْدُ: سُبْحانَكَ اللَّهمَّ وَبِحَمْدِكَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ». [رواه الترمذي وأحمد]

2- على مَنْ حضر مجلسًا أنْ يتجنّب إفشاء أسرار المجالس، وتبليغها على وجه الإفساد ونشر العداوة بينَ الناس.

نظم الإسلام جميع الأمور المتعلقة بالمجالس من أجل بناء مجتمع متسامح ومتعاون، ونحنُ في مجتمع دولة الإمارات العربية المتحدة لنا موروثنا التراثيُّ المُستمدُّ مِنْ مصدرِهِ الأَوّلِ وَهوَ الإِسلام، وتوارثَهُ أجدادنا فَأصبحَ (السِّنْعُ الإماراتي) يُمثَلُ هوية وطنيّةً لنا، فعلينا التمسكَ بِهِ، وَتربية أبنائنا عليه.

زر الذهاب إلى الأعلى