السيرة والأعلام

حجة الوداع ووفاة النبي

حجة الوداع ووفاة النبي 

في شهر ذي القعدة من السنة العاشرة للهجرة، استعمل رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أبا دجانة الساعدي الأنصاري رضي الله عنه واليا على المدينة، فقد أعلن صلى الله عليه وسلم أنَّ وجهته بيتُ الله الحرام في مكة المكرّمة، لأداء فريضة الحج الرّكنِ الخامس من أركان الإسلام.

تجهز من استطاع من المسلمين للحج مع النبي صلى الله عليه وسلم، فقد صلوا معه وصاموا وزگوا، ولأول مرّةٍ يحُجُ النبي صلى الله عليه وسلم ويحج معَهُ النَّاسُ حجه الوداع، إنّها فرصةٌ عظيمةٌ استعدّ لها ما يزيد على مئْة ألفٍ من المسلمين، فلمّا أحرم أحرموا معه، ولما لبى النبي لبّى معَهُ الحجيج: «لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك» ( البخاري).

فرض الحج

فُرِض الحج في السنة التاسعة للهجرة، وأرسل النبي أبا بكر، ليحج بالناس في ذاك العام، ومنْ ثم حج الرسول صلى الله عليه وسلم في السنة التالية، ليؤكد للناس أن الحج مرة واحدة في العمر وليس كل عام.

وخرج ما يقرب من مئْة حاج مع النبي، وفي هذا دلالة انتشار الإسلام وإقبال الناس على الإسلام.

فعل النبي في اليوم الثامن من شهر ذي الحجة، مثل ما فعل من قبل في عمرة القضاء.

ولأوّل مرّة يشرعُ النّاسُ في أعمال الحج مع الرسول الله، وفي هذا اليوم خرج صلى الله عليه وسلم إلى منى ومعه النَّاسُ، وبات فيها، فلمّا كانَ الغد وهو التّاسع من شهر ذي الحجة توجه النبي عليه السلام إلى عرفات، وعند زوال الشمس عن كبد( وسط) السماءِ، و خطب عليه السلام في النَّاسِ خطبة الوداع قبل أن يصلّي الظهر والعصر جمع تقديم فقالَ: “أَيُّها النَّاسُ, اسمعوا قولي, فإنّي لا أدري لعلّي لا ألقاكم بعد عامي هذا بهذا الموقف أبدا” وبكى بعض المسلمينَ عندما سمعوا ما قاله النبي لأنهم فهموا اقتراب وفاه النبي.

اقرأ أيضاً  غزوة الأحزاب 5هـ

وبدأ النبي صلى الله عليه وسلم كلامه بالنداء: «أَيُّها النَّاسُ! اسمعوا قولي» تنبيهاً وتأكيداً على أمر مهم.

سميت حجة الوداع بهذا الاسم

وسبب تسمية حجه الوداع بهذا الاسم لأن النبي ودع فيها أصحابه رضوان الله عليهم.

وقوله صلى الله عليه وسلم: [ فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا]. دليل على اقتراب أجَل النبي صلى الله عليه وسلم.

معلم البشرية

قال صلى الله عليه وسلم يعلمُ النَّاسَ ويذكرهم: “وإنكم ستلقونَ ربَّكم، فيسألكم عن أعمالكم وقد بلغتُ، فمن كانت عندَهُ أمانةٌ فليؤدها إلى من ائتمنه عليها، وإنَّ كلَّ ربّا موضوع، ولكن لكم رؤوس أموالكم, لا تظلمون ولا تُظْلَمونَ, قضى اللهُ أَنَّهُ لا ربَّا, وإنَّ ربا العباس بن عبد المطلب موضوع كلُّهُ, وإِنَّ كلَّ دم كانَ في الجاهلية موضوع وإِنَّ أَوَّلَ دمائِكم أضعُ دَمَ ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، فهو أول ما أبدأ به من دماء الجاهلية …. أما بعد أيُّها النَّاسُ، إِنَّ الشَّيطانَ قد يئس أن يعبد في أرضِكم هذِهِ أبدًا، ولكنَّهُ أنْ يطاع فيما سوى ذلِكَ فقد رضِيَ بِهِ مِمَّا تحقرونَ من أعمالكم، فاحذروه على دينكم”.

ذكر النبي الأمانة لأهميتها، فالأمانة صفة مميزة لأصحاب الرسالات ولو حُرمت الأمة الأمانة لفسد حالها.   

وحرَّم النبي الربا لما له أثر على العلاقات بينَ النَّاسِ، فالربا يؤدي إلى تراجع الإحسان والتعاطف والتعاون بين الناس.

وحرَّم عليه السلام الأخذ بالثأر لخطورته لما فيه من انتشار الفوضى وانعدام الأمن وعدم صون حرمة النفس.

دروس من حجة الوداع

 1- مجتمع حضاري مستقر: قالَ : «إن دماءَكُم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا». فثبت أُسس الأمن والطمأنينة بينَ أبناء المجتمع، فلا يعتدي أحدٌ على حياة أحدٍ أو ماله.

2- نشر التراحم والمحبة والتعاون بين النَّاسِ: قالَ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ ربّكُمْ واحدٌ وإِنَّ أباكُمْ واحدٌ»، فأزالَ الكِبْرَ والعصبية من النفوس، ليحل محلها التعاون والتراحم. 3. تقدير المرأة واحترام عطائها قال : ألا واستوصوا بالنّساءِ خيرًا» ليحفظ للمرأة مكانتها أما وأختا وزوجةً وابنةً لتُسهم في بناء مجتمعها دونَ أنْ ينتقص من عطائها أحد، والمرأة في دولة الإمارات

اقرأ أيضاً  أنا خيركم لأهلي

4- اليسرُ والبُعد عن التشدّدِ: قالَ عبد الله بن عمرو ته: “ما رأيتُه سُئِلَ يومَئِذٍ عن شيءٍ، إلا قالَ: افعلوا ولا حرج” (صحيح مسلم)، تيسيرًا على النّاسِ، ورفعا للمشقة عنْهُم.

5- التحذير من الفرقة والاختلاف: قالَ: «أَلَا إِنَّ الشَّيطان قد يئس أن يعبده المصلُّونَ ولكن في التَّحريش بينهم». أي في إثارة الخصومَةِ ونشرِ الفُرقةِ بينَ النّاسِ إلى حد الاقتتال وسفك الدماء.

وفاة النبي صلى الله عليه وسلم

مرض رسول الله في أواخر شهر صَفَر سنةَ 11 هجريةً، وكانت مدة مرضه في بيت زوجته ميمونة رضي الله عنها، ولما اشتد مرضُه استأذنَ زوجاته أنْ يُمرّضَ في بيت عائشة، فخرج يتكئ بين علي بن أبي طالب والعباس بن عبد المطلب حتى دخلَ بيتَ أم المؤمنين عائشة، وكان عليه السلام يشعرُ بالحمى، واشتدَّ مرضُه، فلما تعذر عليه الخروج للصّلاة، قال عليه السلام: “مروا أبا بكر فليصل بالنّاسِ” (الترمذي)، فصلّى أبو بكر رضي الله عنه بهم سبع عشرة صلاةً أولها صلاة عشاء ليلة جمعة وآخرها صبح يوم اثنين.

وبينما المسلمون في المسجد يصلون صلاةِ الفجرِ من يوم الاثنين، يؤمهم أبو بكر في صلاتهم، ففاجأهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، بكشفَ سَجَفَ ( ستارة) حجرة عائشةَ رضي الله عنها فنظر إليهم رسول الله وهم في الصَّلاةِ، ثمّ تبسم عليه السلام يضحك “ضاحكًا” فنكص “تراجع” أبو بكر، واعتقد أن رسول الله يريد أن يخرج للصَّلاةِ، وهمَّ المسلمون أن يفتتنوا “ينشغلوا” في صلاتهم فرحا بخروج رسول الله، فأشار إليهم النبي بيده أن اقضوا (أتموا) صلاتكم، ثم دخل الحجرة، وأرخى الستر” ( البخاري).

 مات رسول الله من يومه واجتمع الصحابة حوله يبكونَ, قالَتْ عائشة: [توفي رسولُ اللهِ في بيتي وبين سحري ونحري] والمراد أنه توفي ورأسه على صدرها.

اقرأ أيضاً  رسول الله والحياة الاجتماعية
مواقف الناس عند وفاة الرسول

كان وقع الخبر شديدًا على الصحابة رضي، بعضُهم أخذه البكاء، ولما سمع عمر بن الخطاب، لم يصدق الخبر، قال: “والله ما مات رسولُ اللهِ “.

وجاء أبو بكرٍ من بيته [بالسنح] فدخل ولم يتكلّم مع أحد، حتى دخل على عائشة، فتيمم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مغشى “عليه غطاء” بثوبِ حِبَرَةٍ، فكشفَ عن وجهه، ثمّ انكب أبو بكر على الرسول، فقبله وبكى، ثمّ قال أبو بكر: بأبي أنت وأمي, لا يجمع الله عليك موتتين, أما الموتةُ التي كتبَتْ عليك فقد مُتّها. ثم خرج أبو بكر وعمرُ يكلمُ النَّاسَ، فقال أبو بكر:

 أما بعد, من كان منكم يعبد محمدا فإن محمدًا قد مات, ومَنْ كَانَ يعبدُ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لا يموتُ, قَالَ تعالى: [ وَمَا مُحَمَّدُ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انَقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ] (ال عمران).

فنشج النَّاسُ يبكون، وأدرك الجميع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات. لقد قالها عليه السلام: «لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا، بهذا الموقف أبدا». فالنبي بشر أوجب الله عليه الموت وأكد على ذلك في كتابه ونعى النبي نفسه في خطبة الوداع.

إلقاء نظرة الوداع

وغسل رسول الله جمع من الصحابة، غسله علي والعباس، وقُثَم والفضل ابنا العباس وشقران مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسامة بن زيد، وكان ذلك في يوم الثلاثاء، غسلوا رسول الله من غير أن يجردوه من ثيابه، ثم كفنوه في ثلاثة أثواب بيض سحولية (قرية في اليمن) ليس فيها قميص ولا عمامة، أدرجوه فيها إدراجًا فحفروا تحت فراشه وجعلوه لحدا حفره أبو طلحة، ودخل النَّاسُ الحجرة أرسالاً، عشرة عشرة، يصلون على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يؤمهم أحد، وصلى عليه أولاً أهل عشيرته، ثم المهاجرون ثم الأنصار، ثم النساء ثم الصبيان.

زر الذهاب إلى الأعلى