الوحي الإلهي ( قرآن وسنة )

حديث الإفك عظة وعبرة

حديث الافك عظه وعبره

كان النبي عليه السلام إذا أراد السفر أخذ معه إحدى زوجاته، فكان يجري بينهن قرعة لمن ترافقه في سفره، حرصًا على مشاعرهنَّ. وكانت معه السيدة عائشة رضي الله عنها في غزوة بني المصطلق.

حادثة الإفك

 تقول عائشة رضي الله عنها: “أذن الرسول ليلة بالرحيل “بالانصراف”. فقمتُ. فمشيتُ حتى ابتعدت عن الجيش فلما قضيتُ وانتهيت منْ شَأني أقْبَلْتُ( رجعت) إلى الرَّحلِ، فلمستُ صدري ( فوجدت عقدها غير موجود) فإذا عقدي من جزع ظفار قد انقطع( وسقط)، فرجعتُ فالتمستُ( تبحث عنه) عِقدي فحبسني ابتغاؤه (فمنعها البحث عن العقد الذهاب مع المسلمين) وأقبلَ الرَّهْطُ الَّذِينَ کانوا يَرْحَلُون لي، فاحتملوا هُوْدَجي، فرَحَلوه على بعيري وهم يحسبون أنّي فيه، ووجدتُ عقدي، ورَجَعْتُ إلى الْمُعَسْكَرِ وما فيه داع ولا مُجِيبٌ، فَتَلَفَّفْتُ بجلبابي ثم اضْطَجَعْتُ في مكاني، وعَرَفْتُ أني لَوِ افتُقِدْتُ (وضعت منهم) لرَجَع الناسُ إِلَيَّ، فوالله إني ( التفت في ردائها ونامت) لَمُضْطَجِعَةٌ إِذ مَرَّ بي صَفْوَانُ بنُ الْمُعَطَّلِ السُّلَمِيُّ ( فرجع صفوان بسبب نسيانه شيء ) وكان قد تَخَلَّف لبعض حاجته، فلما رآني قال: إنا لله وإنا إليهِ راجِعُونَ ظَعِينَةُ رسولِ اللهِ؟ ثم قَرَّبَ إِلَيَّ البَعِيرَ فقال: ارْكَبِي, واسْتَأْخَرَ عني, فَرَكِبْتُ وأخذ برَأسِ البَعِيرِ مُنْطَلِقَا يَطْلُبُ النَّاسَ“.

إنَّ توفر وسائل التكنولوجيا الحديثة في العصر الحالي أحد الأسباب القوية لانتشار الشائعات سريعًا.

روى ابن إسحاق أن أبا أيوب الأنصار قالت له امراته أم أيوب يا أبا أيوب أما تسمع ما يقول الناس في عائشة ؟ قال: نعم. وذلك الكذب “أكنت فاعلة ذلك يا أم أيوب”؟ قالت: لا, “والله ما كنت لأفعله”. قال: “فعائشة والله خير منك” (الطبري).

يقول تعالى: إِنَّ الَّذِينَ جَاءُو بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (11) لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ (12) لَوْلَا جَاءُو عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ (13) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (14) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15) وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ (16) يَعِظُكُمَ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (17) وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (18) إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (19) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (20) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (21) وَلَا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (22) إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (23) يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24) يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ (25) الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (26)

معاني المفردات الواردة في الآيات11:26 من سورة النور

بالإفك:           أشد الكذب.

عُصْبَةٌ:            جماعة.

كِبَرَه:               معظمه.

لَمسَّكم:            أصابكم.

أَفَضْتُمْ:           تكلمتُم بكثرة.

تلَقَّوْنَهُ:            يأخذه بعضُكم عن بعض.

هينا:                 يسيرا.

بهتان:              افتراء

تَشِيعَ:                تنتشر.

الْفَاحِشَةُ:       الزنا.

زَكَى:            طهرَ.

يَأْتل:            يحلف

أولُوا:           أصحاب.

والسَّعَةِ:         سَعةُ ذات اليد أي الغنى، يعطيهم جزاءهم وافيًا كاملا.

النقاط الأساسية التي تحدثت عنها الآيات 11:26 من سورة النور

أولاً: يخرج الخيرُ من ثنايا الشرّ.  ثانياً: إحسانُ الظَّنِّ.        ثالثاً: البينة على من ادعى.   

رابعاً: استشعار مسؤولية الكلمة.                  خامساً: الشيطان يأمر بالفحشاء والمنكر.

اقرأ أيضاً  التعايش بين الناس

سادساً: مكارم الأخلاق أولى للمسلم.        سابعاً: يوم القيامة يوم الحقيقة الكاملة.

الشرح والتفصيل

أولاً: يخرج الخيرُ من ثنايا الشرّ

إنَّ اتهام النساء العفيفات بالفاحشة جريمة ومصيبة كبيرة وفي الآخرة له ذنب عظيم كما أن بينت الآيــات الكـريـمـة فـيـمـا سبق، بعد ذلك ذكرَتْ الآيات هنا قصّة الإفكِ والافتراء في حق عائشة أم المؤمنينَ، فعبدَ اللهِ بنِ سلول استغل تأخر السيدة عائشة عن الجيش ورجوعها مع صَفْوَانَ بنِ الْمُعَطِّلِ وإحضاره لها، استغل هذا وبدأ بنشر الطَّعَنِ والكذب في حق أَمِّ المُؤمِنِينَ حقدًا على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.

 وانتشر الكذب في حق أم المؤمنين في المدينةِ وتأذى الرسولِ وزوجه، وانتشر كلام ابن سلول في المجتمع، وسوس الشَّيطانُ للبعض فخاضوا بعرض عائشة أم المؤمنين، خاضوا بأعظم فرية وأقبح اتهام للصديقة بنت الصديق مع زوج خير البشر محمد صلى الله عليه وسلم وابنة أفضلِ الرّجالِ بعد الأنبياء أبي بكر الصديق .

 وقد أكدت الآيات أنَّ مَنْ تَكلم في عرض عائشة وهم شرذمة وقلة متعصبة، لا يُعبأ ولا يعتد بقولهم في مقابل تزكية جميع الأمة لعائشة.

وتوعد الله هذه الفئة القليلة بأن لهم من الإثم والعذاب بمقدار ذنبهم، وأن الذي تولّى هذا الافتراء وإشاعته، له عذاب عظيم في الآخرة، وهُوَ عذابُ الدَّرْكِ الأَسفلِ منَ النَّارِ. وبينَ اللهُ تعالى أنّ هذه الحادثة وإنْ كانَتْ في ظاهرها بلاء وشر إلّا أنّها تحمل في طياتها خيراً كثير.

 برَّأ اللهُ عَز وجل أم المؤمنين بوحي من السماء، فقد كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في بيت أبي بكر، فتغشاه الوحي، ثمَّ سُرِّيَ عنه فجَلَسَ، وجعـل يمسح العرق عن وجهه ويقولُ: “أَبْشِـري  یا عائشة، قد أَنْزَلَ الله على براءتَكِ”. ثم خرج عليه السلام إلى النّاسِ فَخَطَبَهُم وتلا عليهم الآيات من سورة النور.

أوجه الخير التي حملتها حادثة الإفك

1- كشف حقيقة بعض المنافقين.

 2- شُرَعَتْ بسبب هذا الإفكِ أحكام لردع أهل الفسق والفساد.

 3- الأجر العظيم.

 4-الصبرعلى البلاء.

 5-تربية المجتمع المسلم على حرمة الأعراض.

 6- اللجوء إلى الله في الأزمات.

 7- بيان المنزلة العظيمة لأهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم.

ونزل وحي منَ السَّماءِ ببراءة السيدة عائشة فيه دليل على تكريم الله تعالى لعائشة رضي الله عنها، ورفع قدرها وشرفها.

ثانياً: إحسانُ الظَّنِّ

 عاتبَ اللهُ عَزوجل المؤمنينَ الذين لم يحسنوا الظَّنَّ بالآخرين، خاصة وأنهُمْ يعرفونَهم كما يعرفونَ أنفسهم، فكيف يخوضون في الإشاعات ويتناقلونها دون تفكير؟ كما أنه تعالى وبخهُـم علـى سكوتهم عند سماعهم لذلك الإفكِ وعدم إنكاره، ولو فعلوا لماتَتِ الإشاعة في مهدها، وأُخرِست ألسنة الفتنة، حين لا تجد من يصغي إليها أو يروج لها، كما أنّ الأصل في المتّهم البراءة من التهمة، لذلك لا يقعُ المسلم في أعراض النَّاسِ ولا يؤذيهم في شرفهم وسمعتهم، جريا وراء المشككين والكذابين، والله تعالى يقولُ: “فإن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغنيِ مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا” (28) (النجم).

فوائد حسن الظن  

 1- حماية المجتمع من إشاعة الفاحشة، وانتشار الرذيلة.

 2- زيادةُ المحبَّةِ والألفة بين أفراد المجتمع.

3- ازدهار المجتمع و تماسكه.

4- انتشار الثقة بين أفراده.

 5- متانة العلاقات.

6- تعزيز القدرة على مواجهة الخطر.

ودلالة استخدام كلمة (بأنفسهم) بدلا من كلمة (بإخوانهم) في قوله تعالى: [ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا] أن المؤمنين كمثل الجسد الواحد من أساء الظن بأخيه فكأنما أساء الظن بنفسه.

يقول تعالى:“لَّوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفَكَ مُّبِينٌ”

واجب المسلم إذا وصلته إشاعة

 1- رفض الشائعة.

2- عدم نقلها.

 3- إحسان الظن بأفراد المجتمع.

5- كشف زيفها ردها للجهة المختصة.

ثالثاً: البينة على من ادعى

عاتبَ اللهُ تعالى الّذينَ تكلّموا في أم المؤمنين عائشة وعاتب من لم ينكر هذا الإفك بقلبه ولسانه، وبين لهم أن جريمة الزّنا لا تثبتُ إلا بأربعة شهود، ومن يدعي على مؤمن أو مؤمنة بهذه الجريمة يجب عليه أنْ يُحضر أربعة شهود علـى صــدق قولـه، فلا تهمة دون بيّنة، وإلا فإنّه يُعتبرُ كاذبـا شــرعًا، وتتخذ بحقه العقوبات والإجراءات القضائية.

 ثم بينَ اللهُ تعالى أنّ فضله يعم الجميع ورحمته واسعة في الدنيا والآخرة، شملت هذا الرحمة من تكلموا عن أم المؤمنين، وتناقلوا حديث الإفكِ، فمن فضل الله عليهم إسقاط العذاب عنهم في الآخرة إن تابوا ورجعوا عن ذنبهم والخطاب للمؤمنينَ دونَ رأس المنافقين عبد الله بن أبي الذي تولّى اختلاق الإفكِ.

حد القاذفين الشرعي على الخائضين في حديث الإفكِ، الحد 80 جلدة ورد الشهادة والفسق.

نتائج إيقاع العقوبة على مروجي الإشاعات

1- حفظ أعراض الناس.

2- قلة الشائعات وردها وعدم تناقلها.

3- توفير الوقت والجهد واستغلال الوقت فيما ينفع.

اقرأ أيضاً  من بشائر المصلين

رابعاً: استشعار مسؤولية الكلمة

الإنسانُ مسؤول أمام الله تعالى، وأمام المجتمع عمّا يقول وعمـا ينقـل مـن كلام ويتحمل نتائجه ومـا يترتب عليه. وهذا يستلزم منه أن يفكر في أقواله، وأن لا يتسرّعَ في النّقل عن غيره قبل أن يتأكد من صحة ما يقولُه، متهاونا بهذا الفعل الخطير الذي قد يدمر المجتمعات، ويهدمُ الأسر. وقد وصف الله تعالى في الآيات الكريمة كيف تناقل أولئك النّفرُ حديثَ الإفكِ دونَ أنْ ينتبهوا لخطورة هذا الاتهام على بيت النبوة، وظنوا أن ذلك أمرًا يسيرًا، وهو من أكبر الكبائر وأعظم الموبقات. ثم أرشد الله تعالى المسلمين إلى أنجح الوسائل لمحاربة الشائعات الكاذبة، وهي عدم الخوض في هذه الشائعات، وعدم نقلها أو تمريرها، والتصريح بتكذيـب هـذه الشائعات التي لا تستند إلى دليل. ثم نصح اللهُ عَلى عباده أن لا يعودوا إلى مثل هذا العمل أبدا إن كانوا حريصين على إيمانهم، وعلى سلامة مجتمعهم وأمانه وهدّدَ القاذفين الذين يحبّونَ ويريدون أن تنتشر الفاحشة، وتظهر المفاسد في المجتمع المسلم بالعذاب الأليم في الدنيا بإيقاع العقوبة عليهم وفي الآخرة بعذاب النّارِ، ثم ختم الله على الآية بقوله: ( وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) ، تحذيرا لمن يحبّونَ إشاعة الفاحشة سواء أظهروه أم أخفوه في قلوبهم بأن الله تعالى عليم بذلك فإنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُور ). (الأنفال (43)

جعل الله الألسن آلة لتلقي الكلام ( إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ معَ أنّ التّلقَّي للكلام يكون بالأذن لا باللسان، وذلك للدلالة على حرصهم على تلقي هذه الأخبار وسرعتهم في نشرها دون تحقق من صحتها.

من المعلوم أن القول يكونُ بالأفواه لا بغيرها، والتلقي يكون بالأذن ولكن ذكر التلقي بالأفواه في قوله تعالى (وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ)، للدلالة على أن هذا القول مجرد ألفاظ تجري على الأفواه لا يوجد دليل على صحتها.

الآثار السلبية للشائعات

1- إضعاف الروح المعنوية للأفراد ما يسبب خسارة الحروب.

2- خسائر اقتصادية

3- الحاق الأذى والضرر بالمرأة، كالطلاق أو إعراض الشباب عن الزواج.

4- انتشار الكراهية والخصومة بين الناس والعداوات وقطع العلاقات، وإثارة الفوضى، وإضعاف المجتمع.

خامساً: الشيطان يأمر بالفحشاء والمنكر

بعد أن ذكرَتِ الآيات قصة الإفك وما تضمنته من عدم إحسانِ الظَّنَّ بالمؤمنين، وتناقل كلام الإفكِ ومحبة شيوع الفاحشة جاءَتْ هنا لتأكد أنّ ذلك كله من وساوس الشيطانِ، وتحذِرُ المؤمنينَ من اتباع مسالك الشيطان لأن وظيفته هي الإغراءُ بالشَّرِّ والأمر بالفحشاء والمنكر والفحشاء كل فعل أو قول قبيح، والمنكر ما تنكره أحكام الإسلام وقيمه وينكره أهل الخير والعرف، وعبّر عن طرق إغواء الشيطان بالخطوات ليدلل على أنّ مسالكه تدرج بإغواء بني آدمَ فيبدأ بهم خطوة خطوة لينقلهم من الصغائر إلى الكبائر، ثم امتن الله تعالى وتفضل على المؤمنين بأن هداهم إلى الخير والحق، وامتن عليهم بأن بين لهم طرائق التوبة عند وقوعهم في الذنوب فتزكيته عند الله تعالى للمؤمنين وتطهيره لهم وهدايتُه إنما هي بفضله تعالى لا بأعمالهم.

والعلاقة بين حادثة الإفك وتحذيرِ اللهِ تعالى مِنَ اتَّبَاعِ خطوات الشيطان، أنَّ ظن السوء بأم المؤمنين ومحبة شيوع الفاحشة كله من وساوس الشيطان.

سادساً: مكارم الأخلاق أولى للمسلم

كان أبو بكر الصديق سره ينفق على ابن خالة له يدعى مسطح بن أثاثة وكان من الفقراء المهاجرين، فلما علم بخوضه في قضيّة الإفكِ وكلامه في ابنته عائشة أقسم أن لا ينفق عليه، فأنزل الله تعالى ينهى عن الحلف على الامتناع عن فعل الخير موجّها أبا بكر وحاضًا إياه إلى أن يكفّرَ عن يمينه التي حلفها، ويفعل الذي هو خير، فيعيد النّفقة إلى مسطح، ذكر المفسرون: لما سمع أبو بکر رضي الله عنه قوله تعالى: “أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ، قال: بلى يا رب إني أحب أن يغفر لي، وقد تجاوزت عمّا كان.

وقد وجّه سبحانه إلى العفو والصفح معا زيادة في الخير، ففيه إكثار من أعمال الخير ونتيجة للفوز بمغفرة الله ورحمته يومَ القيامة.

أما العفو: فهو ترك معاقبة المذنب، وأما الصّفحُ : فهو ترك لومه وإزالة أثرِ الذنبِ مِنَ النَّفْسِ.

يقول الله تعالى: ( وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُواْ الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلَيَصْفَحُوا ألا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمُ ).

الأوصاف التي وصف الله تعالى بها أبا بكر الصديق ومسطح بن أثاثة

أبو بكر الصديق من أصحاب الفضل وسعة ذات اليد.

ومسطح بن أثاثة، من الأقرباء والمساكين والمهاجرين في سبيل الله

مكارم الأخلاقِ الّتي تدعو إليها الآية:

1- الصفح عمن أساء

2- الإنفاق على الفقراء

3-العفو.

القاعدة الأصولية: (العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب) على دلالة الآية الكريمة ( وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ منكر والسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلَيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمُ ). نزلت هذه الآية في مسطح بن أثاثة وأبي بكر، وألفاظ الآية تدل على العموم.

اقرأ أيضاً  سبيل الهداية سورة الملك 1-14

سابعاً: يوم القيامة يوم الحقيقة الكاملة

توعد الله عز وجل الذين يتهمونَ النّساء العفيفات المانعات أنفسهن من كل سوء وريبة، ولا علم لهنَّ بما اتهمن به، ولا تخطرُ الفاحشة ببالهنَّ لطهارة معدنهنَّ وحفظهنَّ دينهنَّ فكان وعيدُ اللهِ عَز وجل له:

أولا: في الدنيا: وصفهم الله بالفسق وتردَّ شهادتُهم وتُقام عليهم الحد وهو العقوبةُ الشّرعيّةُ.

 ثانيا: في الآخرة باللعن وهو الطّرد من رحمة اللهِ عَزيمة يوم القيامة، إذا لـم يتـب فـي الدنيا، فيعـذبُ عذابًا عظيما في نار جهنّم، في ذلك اليومِ يُنْطِقُ اللهُ عَز وجل جوارح الذين قذفوا المحصنات، فتشهد عليهم جوارحهم بما اقترفوه من ذنوب، وهو سبحانه وتعالى أعلمُ بها، ولكن ليقيم عليهم الحجّة من أنفسهم، يومئذ يجازيهم الحق على  عملهم جزاءً عادلاً وافيا من غير زيادة أو نقصان.

قال تعالى :“لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ” وَلَمْ يقُلْ [لعنهم الله]، تدل الآية على أنهم ملعونين من الله ومن الناس.

وقال تعالى:”وَلهمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ” ولَمْ يقُلْ [يعذِّبُهم الله] دلالة على أنهم قد يعاقبوا في الآخرة وقد يعاقبوا في الدنيا.

وللربط بين قوله تعالى: [ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ] وبين قوله [ الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ ]. (يس 65) أنَّ يوم القيامة فيه مشاهد ومواقف، ففي موقف منها، تخرس الألسنة وفي موقف آخر، تتكلم بأمر الله،

قال تعالى: [الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيباتِ أُولَئكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ].

تعددت أقوال المفسّرين في معنى هذه الآية على معنيين هما:

المعنى الأوّل: الخبيثات من الفواحش والصفات والكلماتِ، للخبيثينَ منَ الرّجالِ والنِّساءِ المعروفون بذلك، والصفات الطيبات والأعمال الصالحة، للطيبين من الرّجالِ والنِّساء، وهذا ما يليقُ بهم، فهم مطهّرون عن الأعمال الخسيسة، ولهم الأجر الكريم.

 المعنى الثاني: الخبيثاتُ منَ النّساء يتزوجهنَّ الخبيثين من الرّجالِ، والخبيثونَ منَ الرّجالِ يتزوجون الخبيثات من النِّساءِ؛ والطيباتُ منَ النّساء يتزوجهنَّ الطيبينَ منَ الرّجالِ، والطيبون من الرّجال يتزوجونَ الطيبات من النِّساءِ، فالزاني والزانية يتزوّجونَ من أمثالهم، والطيبونَ يتزوّجون من أمثالهم.

وأرى أنَّ المعنى الأول أرجح، والسبب أن المعنى الثاني يخالف الواقع كما في امرأة نوح ولوط وامرأة فرعون.

لا تحسبوه شرًّا لَكُم بل هو خير لكم

ختمَ اللهُ على قصة الإفكِ بخلاف ما أراد من اختلق هذه القصة، حيث إنّهم قصدوا الطعن في رسولِ الله وأهل بيته، فبرأ اللهُ تعالى عائشة من فوق سبع سماوات. وفشلت أساليب ابن سلول في النيل منها، ولم يتحقق هدفه، وهوَ الطَّعن في رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وفي دين الله تعالى، وردَّ اللهُ عَزْي وجل كيده في نحره، ورفع قدر نبيه وقدرَ أزواجه فتحوّل هذا الشَّرُّ إلى خير بفضل منَ اللهِ وتدبير منه. وخُلَدَتْ سيرة عائشة بنت الصديق في كتابِ اللهِ عَز وجل إلى يوم القيامة كمثال للطَّهر والعفاف.

ترجمة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها

 هي عائشة الصديقة بنت أبي بكر الصديق، خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي بكر واسمه عبد الله بن أبي قحافة: عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي، القرشية المكية النبوية، أم المؤمنين زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وأفقه نساء الأمة على الإطلاق. وأمها أم رومان بنت عامر بن عويمر الكِنَانية، ولدت في الإسلام، بعد البعثة النبوية بأربع أو خمس سنوات، تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة ببضعة عشر شهراً وهي بنت ست سنوات ، ودخل بها في شوّال من السنة الثانية للهجرة وهي بنت تسع سنوات، ولم يتزوج صلى الله عليه وسلم من النساء بكراً غيرها، وكانت تفخر بذلك، قالت: (يا رسول الله أرأيت لو نزلتَ وادياً وفيه شجرةً قد أُكِل منها ووجدتَ شجراً لم يؤكل منها, في أيها كنت ترتع بعيرك؟ قال: في التي لم يرتع منها, تعني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتزوج بكراً غيرها ) صحيح البخاري. وهي زوجته صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة كما ثبت في الصحيح.

فضائل عائشة أم المؤمنين

1- نزول الوحي في حجرتها، وتسليم جبريل عليها، عن عائشة قالت: قال رسول الله يوما: يا عائش، هذا جبريل يُقرئك السلام. (رواه البخاري)

2- وصفها الله تعالى بالمُحْصَنَةِ العفيفة فقال تعالى: [ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَرۡمُونَ ٱلۡمُحۡصَنَٰتِ ٱلۡغَٰفِلَٰتِ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ لُعِنُواْ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡآخِرَةِ وَلَهُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٞ .

3- حب النبي الشديد لها، سُئِلَ النبيُّ: “أَيُّ النَّاسِ أحبُّ إليك ؟ قالَ: «عائشة” (رواه البخاري)

زر الذهاب إلى الأعلى