الوحي الإلهي ( قرآن وسنة )

سلامة المجتمع ووحدة أبنائه

سلامه المجتمع ووحده ابنائه

مرَّ رجلٌ على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فقال : ما تقولون في هذا قالوا:  َحريٌّ إِنْ خَطَبَ أَن يُنْكَحَ، وإِنْ شَفَعَ أَن يُشَفَّعَ، وإِنْ قالَ أَنْ يُسْمَعَ قَالَ : ثم سكت, “فمرَّ رجلٌ من فقراء المسلمين” فقال صلى الله عليه وسلم: ما تقولونَ في هذا؟ قالوا: حري إِنْ خطبَ أَنْ لا يُنْكَحَ، وإِنْ شَفَعَ أَن لا يُشَفَّعَ، وإِنْ قالَ أَنْ لَا يُسْمَعَ. فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : «هذا خيرٌ من مِلْءِ الأَرضِ مثل هذا» ( البخاري). فسبب تفضيلِ الرّجلِ الأَوّلِ على الرّجلِ الثّاني، بما يملكه من مال وجاه وسلطة في المجتمع.

يَا أيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَابٌ رَّحِيمٌ * يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ”

معانى المفردات الواردة في الآيات 11:13 من سورة الحجرات

يَسْخَرْ:         يستهزئ.

تلْمِزُوا:        ولا تعيبوا.

وَلَا تَنَابَزُوا:   ولا تعيبوا بعضكم بعضاً.

الْفُسُوق:       من الفسق وهو الخروج عن طاعة الله، وخروج عن الطريق المستقيم .

دلالات الآيات 11:13 من سورة الحجرات

أولاً: الكرامة الإنسانية.     ثانياً: الظن أكذب الحديث.      ثالثاً: مجد الإنسان عمله.

الشرح والتفصيل

أولاً: الكرامة الإنسانية:

مرّةً أخرى ينادي الحقُّ سُبحانه وتعالى عباده المؤمنين، لتلقي أمره تعالى كما هو دأبهم، وهو العليم بهم سبحانه، فقد شرع لهم عَزَّ وَجَل ما يحفظ كرامتهم ويديم بينهم المحبّة الصادقة وحرِّمَ ما يسبّب العداوة والبغضاء، وذلك من أجل سلامه المجتمع ووحده أبنائه، فحرّم على المؤمنِ أنْ يستهزئ بغيره ويحتقره إذا رآه رثّ الحالِ، أو ذا عاهة، أو غير لبق في كلامه، فلعلَّ هذا الشخص أخلص ضميرًا، وأتقى قلبًا من المستهزئ بهم، ومن أجل ماذا؟ من أجلِ أنْ يستضحك الآخرين! فمن شاركه الضحك شاركه في الإثم، فلا يحلُّ للرّجالِ ولا للنّساءِ أن يهزؤوا ببعضهم بعضًا، أو يحتقروا بعضهم بعضًا.

اقرأ أيضاً  الجليس الصالح والجليس السوء

صور للسخرية

صور السخرية كثيرة: كالضّحكِ على التأتأة في الكلام أو على صنعة شخص أو قُبْحِ صورته، وقد تكون السخرية بأن يقلّده ليضحك منه الآخرين، وقد تكون بالإشارة، إذا علم الساخرُ أنّ المسخورَ منه يكره ذلك، أو التعييب بسبب الجنسية، أو الطول أو القصر، قال الرسول لأبي ذر رضي الله عنه عندما عاب على رجل: « يا أبا ذر، أعيُرتَهُ بأُمِهِ، إنك امرؤٌ فيك جاهلية» ( البخاري).

صور للمز

1- العيب على الآخرين سواء كان بالقول أو الفعل  وينتقص من الناس.

2- وصف الآخرين بالغباء أو بأي صفة سيئة.

3- وصف الآخرين بقبح أشكالهم.

فلا يليقُ بالمسلم هذا السلوك، أن يعيب نفسه، وكيف يعيب نفسه بنفسه؟ وذلك عندما يعيب المسلم على غيره، فقد سمح للآخرينَ أنْ يعيبوا عليه فهو في الأصل يعيب على نفسه وهو لا يدري، فإذا فعل العيب عن قصد منه، فقد سمح للآخرينَ أنْ يعيروه به.

فمن فعل ذلك، فقد أساءَ لنفسه وجلب لها ما يكره، فينبغي له أن يحترم نفسه، ويعامل النّاسَ كما يحب أن يعاملوه.

ثمَّ قَالَ تَعَالَى: “وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ”، فحرّمَ على المسلم أن يلقب غيرَهُ باسم قبيح، أو أن يخاطبه باسم يغضب منه، فهذا من الفسق؛ لأنّه مخالف لأمرِه تَعَالَى، فَمَن أكرمه اللهُ ومَنَّ عليه بالإيمانِ فلا يليقُ به تلك الأخلاق السيئة، ووجب عليه التمسك بالأخلاق الكريمةُ والتّصرّفاتُ النّبيلةُ، ومن لم يترك السّخرية والتنابز واللمز فقد ظلم نفسَه، بما جلب لها من السيِّئاتِ والآثام.

 أما الألقاب الحسنةُ فلا شيء فيها، لأنّها تقوّى الروابط، وتزيدُ الثّقة والمودة بينَ النَّاسِ، فقد لقب أبوبكر رضي الله عنه  بالصّديقِ، ولُقب عمر رضي الله عنه بالفاروقِ، ولُقب أبو عبيدة بأمين الأمة. ويجوز ذكر اللقب للتعريف بالشَّخص لا للسّخرية منه، مثل: أبو حاتم الأصم، وهو من العلماء الكبار.

اقرأ أيضاً  حرمة ترويع الإنسان

ثانياً: الظن أكذب الحديث

 تستمر الآيات الكريمة في نداء المؤمنين، للحذر من أمور عظيمة من وقع فيها وقع في خطر عظيم، أمورٌ تُفرّقُ شملَ النَّاسِ وتنشرُ الشَّكَ والكراهية وتُضعف المجتمع، إنّها ظنُّ السّوءِ والتجسّس والغيبة.

إن الله تعالى ينهى عبادَه عنِ الظَّنِّ السّيء بالنَّاسِ ويأمرهم بتجنّب أكثرِ الظَّنِّ احتياطا من الوقوع في الإثم.

أمثلة لظن السوء

إذا ظنُّ السّوء بالآخرين وحكم عليهم دون دليل، فمثلا إذا ظنّ أنّ فلانًا سارقٌ، يخبرُ النَّاسَ بذلك دونَ أن يتأكّد، ويشوّهَ سمعةَ الرّجل وسمعة أسرته، فمَنْ فعل ذلك فقد ارتكب إثمًا كبيرًا، وكذلك إذا خرجت امرأة لقصاء مصلحة مستعجلة فيظن فيها سوءا.

أمّا حسنُ الظَّنِّ فهو أمر محمود، ومنه حسنُ الظَّنِّ بِاللَّهِ تَعَالى وحسنُ الظَّنِّ بالأهل والأقارب والجيران، ومنه أخذ الكلام وتفسيره على أحسن معانيه، فهذا يجعل المجتمع متماسك مترابط، وينشر الألفة والمودة بين النَّاسِ.

حرم الإسلام التجسس

نهى اللهُ تَعَالى عن تتبع عوراتِ النّاسِ ومعرفة ما يخفونه عن الآخرين، لأنّه يسبّب لهم الحرج، وهذا هو التجسّس على النّاسِ أمّا وليُّ الأمرِ أو من ينيبه فله أن يتفقد أحوالَ النَّاسِ، لرعايتهم وتوفير ما يحتاجون، والحفاظ على أمنهم وسلامتهم، وأمن المجتمع من المنحرفين الفاسدين، وواجب الجميع أن يعينوه على ذلك.

نتائج خلو المجتمع من التجسس والسخرية

1- انتشار المحبة والتعاون بين أفراد المجتمع .

2ـ تماسك المجتمع ووحدة أبناء المجتمع .

3ـ الأمن والأمان في  المجتمع .

4ـ الثقة بين أفراد المجتمع .

معنى الغيبة

الغيبةُ هي الحديث عنِ الشَّخص بما يكره، وقد حرّمَ اللهُ الغيبة وضرب لها مثلًا لتشمئز منها النفوس، فشبه الغيبةَ بِمَنْ يأكل لحم أخيه الميّت، لأنّه كما يمزّقُ الأكل اللحم ويقطعه، فالمغتاب يمزّقُ سترَ أخيه، لذلك عليه أن يمتنع عن غيبته كما يكره أن يأكل لحم أخيه الميت بل زيادة على ذلك؛ عليه أن يتجنّب مجالس الغيبة خاصّةً إذا كانتِ افتراءً على النّاسِ فهذا، بهتان والبهتان أشدُّ من الغيبة، لأنّ البهتان ذكر المسلم بما ليس فيه مما يكرهه.

اقرأ أيضاً  الاعتدال في الإنفاق

أما إذا سأل أحد عن شخص، فأخبر بما يعرفُ عنه، فلا تعتبر غيبةً، لقوله صلى الله عليه وسلم : «المستشار مؤتمن» (أبو داود). ثمّ قَالَ عَزَّ وَجَلَ: “وَانَقُوا اللَّهَ” أي فيما أمركم به ونهاكم عنه، فراقبوه في ذلك واخشوه “إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ” أي توّاب على من تابَ إليه، رحيم لمن رجع إليه، فالخلاص من الآثام يكون بالتّوبة وعدم العودة للذنب.

ثالثاً: مجد الإنسان عمله

خطبَ النّبيُّ صلى الله عليه وسلم في النّاسِ في يوم عرفة، فقالَ: “يا أَيُّها النَّاسُ إِنَّ رَبَّكُمْ واحد، وإِنَّ أباكم واحد” البيهقي، هذه حقيقةً فالخالق هو اللهُ ربُّ العالمينَ والنَّاسُ جميعًا لآدمَ عليه السلام، فالنَّاسُ متساوون في إنسانيّتهم، وقد جعلهم الله تعالى شعوبًا، وجعل من تلك الشعوب قبائل لحكمة بينها سبحانَه “يَأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا” أي ليعرفَ النَّاسُ بعضهم بعضًا، فيتعاون النَّاسُ فيما بينهم، فالمرأة لها دور، والرجل له دور، وكذلك الغني والفقير، والجميعُ يحتاجُ بعضهم بعضًا، ويكمل كلّ منهما الآخر، فلا الرجل نقيضُ المرأة، ولا المرأة ضدُّ الرّجلِ، ولقد خلقَ اللهُ اللّيل والنّهار، فهل يعقل أنْ يقال أنّ اللّيل ضد النّهار، أو الماء ضد الهواء؟! إن الإنسان بتقوى اللهِ وعمله الصّالح يستحقُ التكريم ذكرًا كان أو أنثى، وليس بنسبه أو جنسه أو لونه، قال صلى الله عليه وسلم: « يا فاطمة بنت رسولِ اللهِ! سليني بما شئتِ. لا أُغني عنكِ منَ اللهِ شيئًا» (صحيح مسلم)، وقد ختم الله تعالى الآية الكريمة بقوله: ( إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) بخلقه يعطي كلّ واحدٍ منهم ما يناسب وظيفته ومهمته في هذه الحياة.

وجاء في الآية الأولى والثانية منَ النّصّ كانَ النَّداءُ: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا” وفي الآية الثالثة قَالَ تَعَالَى: “يَا أيُّهَا النَّاسُ” والسبب في ذلك أن الأولى تتحدث عن أخلاق الإسلام التي يجب أن يتحلى بها المؤمن، والآية الثانية تتحدث عن أصل الناس وأهمية التعاون بينهم.

زر الذهاب إلى الأعلى