قصة صاحب الجنتين
قصه صاحب الجنتين
سبب نزول الآية 28 من سورة الكهف
لقد طلب أُمَيَّةُ بنُ خلف يَطْلُبُ من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يَطْرُدَ الفقراء المؤمِنين من مجلسه، ليجلس إليـه سادة مكة وكبراؤها، فيسمعوا منه، ظَنَّـا مـن أُمَيَّةَ أَنَّهُ لا يَليقُ بهـم أن يجلسوا مع الفقراء والضعفاء في مجلس واحـــد.
فأمر الله – تعالى – نبيَّهُ أَنْ يُصَبِّرَ نَفْسَهُ مَعَ هَـؤُلاءِ المَساكِينِ الذينَ آمَنُوا بِاللهِ طَوْعًا ورغبةً، وهُمْ لا يَفْتُـرونَ عن ذكره ودُعَائِهِ صباحَ مَسَاءَ، رغمَ حُبِّ النبي صلى الله عليه وسلم أَنْ يُسْلِمَ هؤلاء السادةُ، فَتُسْلِمَ قريش كلها، والناس جميعًا، فَأَنزل الله – تعالَى: ” وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَوْةِ وَالْعَشِي يُرِيدُونَ وَجْهَهُ”.
معاني المفردات الواردة في الآيات 28:44 سورة الكهف
بِالْعَدَوةِ وَالْعَشِي: أول النهار وآخره
زِينَةَ الْحَيَوةِ الدُّنْيَا: زُخرفُ الدُّنيا ومتاعها مِنَ المالِ والبنين والمتعة والجاه.
فرطا: نَدَما وضياعً
سُرَادِقُهَا: ما يدور حولها من أسوارها.
كَالْمُهْلِ: عكارة ووسخ الزيت
مُرْتَفَقًا: مكاناً ومَنْزِلًا
سُندُس: حرير ناعم رقيق
وَإِسْتَبْرَقٍ: حرير غليظ ؛ أَي: سميك
الأرائك: الفُرُشُ.
أكلها: زَرْعُها وثمرُها
وَلَمْ تَظْلِم: اسْتُكْمِلت النضج فلم تنقص منه شيئًا.
نفرا: ولدًا وعزوةً وخَدَما وحشمًا
مُنقَلَبًا: مرجعًا
نُّطْفَةٍ: تلقيح البويضة بالحيوان المنوي.
حُسْبَانًا: عذابًا.
صَعِيدًا زَلَقًا: ليس فيها بنات فهي أرض ملساء
الْوَلَايةُ: النصر.
النقاط الأساسية التي تحدثت عنها الآيات28:44 من سورة الكهف
أولاً: الكريم من أكرمه الله. ثانياً: جزاء المؤمنين ثالثاً: قصةُ صاحب الجنتين في القرآن الكريم
الشرح والتفصيل:
أولاً: الكريم من أكرمه الله.
بين الله – تعالى – للنبي صلى الله عليه وسلم الحق، فأمرَهُ أَلا يُبْعِدَ هؤلاء الضعفاء من مجلسه، بل يحرص علــى مجالستهم، فأكرمهم – عزّ وجل – بمجالسة سيد الخلق صلى الله عليه وسلم، ونهاه عن التطلع إلى غيرهم من أمثال أُمَيةَ
الذي اتَّبَعَ رَغائِبَهُ وشهواتِهِ، وغَرَّهُ طول الأمل، حتى غَفَلَ قلبُهُ عَنِ الطاعَةِ، فَكَانَتْ نهايتُهُ النـدم والخُسْرَانَ،
فلم يَسْتَمِع النبي إلى ما قاله.
لكن ليس مطلوبا أن يكون حال الناس جميعًا كهؤلاء الضعفاء، وكحال أصحاب الصُّفة الذينَ فرّغوا أنفسهم وانقطعوا للعبادة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( اليد العليـا خيـر مـن اليد السفلى). (البخاري).
لذلك جعلهم الله قلةً، فإن وُجِدُوا، فلا يقلل أحد من شأنهم ولا يُظهِرُ أحد انزعاجًا وتضجرا منهم،
من غير أن ينخدع أحد بالذين يتظاهرون بالمسكنة والضعف، لكي يتعاطف الناسِ ويعطونهم من أموالهم.
وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ بَلّغهم يا رسولَ اللهِ أنَّ سبيل الحقِّ هُوَ ما أَنزَلَهُ رَبُّهم – سبحانَهُ –
فمَنْ أَرادَ أَن يَتَّبِعَ الحق فليُؤْمِنُ باللهِ، ومَنْ أراد أن يَكْفُرَ فَلَهُ ذلك؛ لأنَّ عمل كُلَّ إنسان راجع إليه،
فليختر لنفسـه مـا يُريدُ، لكنَّ مَنْ ظَلَمَ نفسَهُ بأنْ كَفَرَ بالحقِّ الذي نَزَلَ، فقد أَعَدَّ اللهُ تَعَالَى
لهم نارًا أحاطت بهم، فلا خلاص لهم ولا راحة ولا نهاية، وكُلَّما استغاثُوا مِنَ العذابِ
أُغيثوا بماء كثيف كالزَّيْتِ، يَشوي وجوهَهُم من شدة حره، فكيف إذا شربوه؟
بعضَ دِلالاتِ قوله تعالى: ( فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ):
1 – لا إكراه في الدين، فيها دلالة على حرية الاعتقاد، ولا يُجْبَرُ أَحدٌ على الإيمانِ وليس معنى
هذا أنه لن يعاقب إذا اختار الكفر فكل إنسان مسؤول عن اختياره.
2 – أنها تحذير وليس تخييرًا.
3 – كلُّ إنسان محاسب على عمله، أو مسؤولٌ عَنِ اختيارِهِ.
ثانياً: جزاء المؤمنين
إنَّ فعل الصالحات وابتعاد الإنسان عن ظَلَمَ نفسَهُ بعدم فعل المعاصي فيه فوزًا عظيما، فالله كريم لِمَنْ آمَنَ به وَعَمِلَ صالحًا، وأَتْقَنَ العمل الصالح وأخلص نيَّتَهُ لله تعالى، فالله لا يَنْقُصُ من أجره شيء لأنه ترك ما حَرَّمَ رَبُّهُ، بل لَهُ المزيد من ربِّهِ، فَلَهُمْ جنات عدن بأنهارها وحُلِيّها ونعيمها، فمَلابِسُهُم مِنَ الحرير، وحُلِيُّهم مِنَ الذهب، ومجالِسُهُم راحة، فلا كَدَرَ فيها ولا تَعَـبَ، فإنَّ لهم في الجنة ما لا عين رأتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، ولا خَطَرَ على قلب بَشَرٍ. ولما ذَمَّ سبحانه وتعالى عاقبة الكُفْرِ، فَقَدْ مَدَحَ عاقبة الإيمانِ، وَقَدْ قَدَّمَ سبحانَهُ ذِكْرَ جزاءِ مَنْ ظلم نفسَهُ؛ لأنهُ يُحِبُّ لعبادِهِ الإيمانَ، فحذَّرَهم خَطَرَ الهلاكِ أَوَّلاً، لأنَّ مُجَرَّدَ النجاة منه فوز، قال تعالى: (فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ).
الحوار الذي دار بين صاحب الجنتين
ذكَّرَهُ أخوه الفقير بعظمة رَبِّهِ وخَلَقَهُ من تُراب ثُمَّ من بويضة مُلقحة، لا تُرى بالعين المجرَّدَةِ،
فَكَيْفَ يَنْسَى هذا ويستسلم للكبرِ والغُرورِ، بعد أن جَعَلَهُ اللهُ تعالى
رجلًا، ومتَّعَهُ بالعافية في بدنِهِ وعقله وإرادته، ولو سلبَهُ تعالى إحداها لما استطاع أن يفعل شيئًا،
وذكرَهُ بفضلِ الله عليه, فقد جعلهُ أكثرَ مالًا وولدا وعزوةً، كان لزاماً عليه ذكرُهُ وشُكرُهُ تعالى. .
وذكرَهُ بقدرةِ اللهِ: بأنْ يَرزُقَ الضعيف الفقير، ويفني جنةَ القوي بعذابٍ مِنَ السماء، فيجعلها أرضًا ملساءَ زَلِقَةً، أو يجعل ماءَها يَغُورُ يذهب داخل الأرض (وهو ضِدُّ النبع)، فَلَنْ يَقدِرَ على رَدِّهِ.
وهَلَكَتِ الجنتانِ، ولم يُخْبِرِ الله – تعالى – بِمَ هَلَكَتا؛ لأنَّه سبحانَهُ قادر على إفنائها بأي سبب وبدون سبب،
قال تعالى: ( وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ ﴾ [المدثر: 131، وكأنَّكَ تنظُرُ إلى الرجل وقَدْ كساه العجز هُوَ وعزوتَهُ،
يَنْظُرُ إليها وقد تهاوَتْ عن عرائشها، فهلك الأصلُ والفَرْعُ، فيلطِمُ كَفَّا بكفّ حسرةً وندما:
﴿ وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا )، لقد ضاعَ كُلُّ شيءٍ وأصبحَ مثلَ أَخِيهِ، وتجلت الحقيقة:
أن النصرة لله وحده، وأنَّهُ سبحانَهُ خيرٌ ثوابًا ممَّنْ سواه، وخيرٌ عاقبة، وقد جَعَلَها للمؤمنين.
فإذا أردنا أن نرْبِطُ بين قصة صاحب الجنتين وبين قوله تعالَى: فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) نجد:
*أن كلاً من الرجلين( الغني والفقير) اختار الطريق لنفسه، فصاحب الجنتين الغني اختار الجحود والشرك بالله، وصاحبه الفقير اختار الايمان.
*ونجد أن كُل إنسان مسؤول عن اختياره، أبيدت الجنتان ويجازى الآخر بالجنة.
والعلاقة بينهما: أن القصةُ أظهرت نتيجة الإيمان ونتيجة الكفر، والآية ذكرت أن الإيمان فوز وربح والكفر خسران.
ثالثاً:
قصه صاحب الجنتين
قال تعالى: “وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ ..” (كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا …) فإنها تحكي مظهرين مختلفين من مظاهر الحياة، وما فيها من تفاوت بين الناس في الأرزاق، بين الفقير والغني لحكمة ربانيّة عظيمة, تتكلّم القصة بواقعيّة عن وجهة نظر إنسان مؤمن فقير متوكّلٌ على الله، موحد ومؤمنٌ بالله حقّ الإيمان, فهو يعلمُ يقيناً أنّ الحياةَ الدنيا ليس لها قيمة ولا تساوي شيئاً لو قُورنت بالآخرة، وما ادَّخره الله للمؤمنين في الجنة، والآخر صاحب الجنتين ( الحديقتين) الذي اغترّ بما أعطاه الله من مالٍ فظنّ أنَّ نعيم الدنيا نعيمٌ دائمٌ, فكفر بأنْعُم الله، لقد رزقهُ اللهُ بستانين عظيمينِ بارك الله له فيهما، تلك الجنتينِ كانتا مزروعتين بالأعناب وتحيطهما أشجار من النخيل.
ولكنَه بجهله وكفره فُتن بهذه النعم العظيمة، وفُتِن بالجنتين وما فيهما من شتّى أنواع الثمار والفواكه، حيث أمرَ اللهُ الجنتين بأن تثمرا, فاستجابت الجنتانُ لأمرِ الله، فأنتجتا ثماراً ناضجة ويانعةً, تسرُّ امن ينظر إليها، وكان واجبه شكر الله على هذه النَعم العظيمة، ولكنّه تجاوز وكفر بالنعمة، وأخذ يتكبّرُ على الرجل الفقير “وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا ….” لم يتصدّق، بل كفر تكبّر ومنع، ولم يشكر الله على نعمه، ونسب الخيرَ والنعم لنفسهِ، بدل أن ينسبها لله المتَفَضِّل سبحانه وتعالى، واعتقد أن هذهِ النعم لن تَزول بل كذب وادّعى أنّه إن رجع إلى الله فسيجد أفضل من هاتين الجنتين ,ليس إيماناً بالله بل كفرا وتكبّراً، فهو يعتقد نفسه صاحب المكانة العالية، وله الأفضليةُ على ذلكَ الرجل الفقير , ومن في مثل غناه ووضعه، (وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا*وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً…..).
ويأتي ردُّ الرجل المؤمن الفقير المتمسك بالإيمان الصحيح ولم تخدعهُ الدنيا وزُخرُفها، فَيردُ على كُفر وتكبّر وتعنّت صاحب الجنتين، بحوارٍ وأسلوب هادئ له قيمته، يُذكّر صاحب الجنتين بأصلِ خلقته من ضعفٍ فيقول له: “قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ .“
ويواصل حديثه بأنّه ثابتٌ على الإيمان بالمُنعِم المتفضّل سبحانه وتعالى، والأصلَ أن يرتبطَ قلبُ العبدِ بالله في الفقر والغنى وفي جميع الأحوال، وأن الإنسان إذا دخل مُلكاً لهُ يقول: ما شاء الله، وأن ينسب الملك والنعمة لله سبحانهُ فيقول: لا قوة إلا بالله “لَكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا*وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَك “، ويواصل الرجلُ المؤمنُ كلامه بكل إيمان وثقة عظيمينِ ثابتينِ فيقول لصاحب الجنتين إن كنتَ ترى أنك أغنى مني مالاً وأكثر عدداً، فإن الله تعالى قادرٌ أن يعطيني أفضل من جنتك، وأخذ يحذّره من غضب الله تعالى فإن عاقبة الكفر والظلم والاغترار بالنعمةِ عاقبةٌ سيئة، فالله تعالى قادرٌ على أن يدمر جنتيك ويهلكهما, بسبب كفرك واغترارك “فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِك وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا” ثم يأتي عقابُ الله تعالى لذلك الكافر المتكبر الذي اغترّ بالدنيا، واغترّ بماله، فساقه غروره وكفره إلى غضب الله، فوجب عليه العقاب من الله، فهو جبّار السموات والأرض، فأرسل الله تعالى على الحديقتين ذلك الرجل صاعقةً دمّرت فأهلكتهما، وأحرقت كل ما فيهما من ثمار، فندم على ما قدّم، وتبين له أنه استحقَ زوال هذه النعم العظيمة بسبب كفرهِ وغروره (وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا).
العبر والعظات من القصة قصة صاحب الجنتين
طريقة التصرُّف بالمالِ الصحيحة يؤدي إلى النماء والزيادة وعدم الإنفاق يكون سببا في زوال النعم,
والجحود والكفر خسارة في الدنيا والآخرة, والإيمان بالله تعالى نجاح وفلاح في الدنيا والآخرة ،
الندم على فعل المعصي حيث لا ينفع الندم ولكن باب التوبة مفتوح أمام الجميع،
تقديم النصيحة بشروطها لمن تراه على خطأ،
قبول النصح من الآخرين وشكرهم، استثمار نعم الله عليك في طاعته سبحانه لأن ما عند الله هو خير وأبقى.
You have mentioned very interesting details! ps decent website.Raise blog range
Excellent insights! Your breakdown of the topic is clear and concise. For further exploration, I recommend visiting: READ MORE. Keen to hear everyone’s opinions!