الوحي الإلهي ( قرآن وسنة )

وقاية المجتمع من الجرائم الأخلاقية

وقايه المجتمع من الجرائم الاخلاقيه سورة النور1:10

سبب تسمية السورة

نزلت سورة النّورِ في المدينة المنوّرة، وترتيبها في القرآن الكريم بعد  سورة المؤمنون بعد أن ذكر الله عز وجل في سورة المؤمنون صفات المؤمن ومنها أنه حافظ لفرجه جاء هنا في سورة النور ووضح عز وجل عقوبة من لم يحفظ فرجه من الزناة، ثم بعد ذلك جاء التأكيد على حفظ الفروج وبين عز وجل لهم ما يعينهم على حفظ الفرج وهو غض البصر عن المحرمات.

سميت سورة النّورِ بهذا الاسم لتضمّنها الآية المشرقة “آية النور” “اللهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ”  ولاشتمالها على أحكام وآداب تدعو إلى السّترِ والعفاف والفضيلةِ الّتـي تنير للمؤمن قلبه وحياته.

يقول تعالى:

سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (1) الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِاْئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2) الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (3) وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (7) وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (8) وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (9) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ (10)

معاني المفردات الواردة في الآيات 1:10 من سورة النور

سورة:             مجموعة وعدد من الآيات القرآنية لها بداية ونهاية وأقلها ثلاث آيات.

تَذَكَّرُونَ:          تتعظون.

بيِّناتِ:              واضحات.

رأفة:              شفقة أو عطف أو رحمة.

طائفة:              جماعة.

ينكح:                 يتزوج.

يرمون:                يتهمون (بالزنى).

الْمُحْصَنَاتِ:           العفيفات.

الْفَاسِقُونَ:             الخارجون عن طاعة الله.

بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء:        أربعة شهود.

ويدرؤا:                يدفع.

دلالات الآيات 1:10 من سورة النور

أولاً: أسوار العفاف والظهر.                  ثانياً: مجتمع الفضيلة.                     ثالثاً: تشريعُ اللّعانِ حكمة إلهيّة.

اقرأ أيضاً  الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم

الشرح والتفصيل

أولاً: أسوار العفاف والظهر

معنى السورة لغة، اسم للمنزلةِ العلية الشّريفة، وسُمّيت السورة من القرآن سورةً لشرفها ولوعها وارتفاعها.

 سورة النّورِ بدأت  بكلمة “سُورَةُ ” ليفهم المتدبر وتوحي إليه  لها أنّ الآيات الكريمة جاءَتْ لتبني قيما وأخلاقا تحمي الطُّهُرَ فهي تبني أسوارًا كثيرة تحوّطُ العفّة.

وضحت السورة العقوبة، فردعَتْ أصحاب النفوس الضعيفة، وركزَتْ على إقناع العقولِ بفضل العفّة ودناءة الفاحشة، ودعت إلى أن تسمو النّفوس بمراقبة الله الدائمة.

 لقد امتنَّ الله تعالى على عباده بما أنزل عليهم في هذه السّورة من الفرائض والأحكام المعلّلة، وبما فصّله لهم من أدلّة، ليتعظوا ويعملوا بما جاءَ فيها، مما فيه سعادتهم في الدارين، وحتى لا تقع الأعراضُ ضحيّة الصواب والخطأ، فنظم العلاقات بين الأفراد فانتشر الاستقرار في حيــاة المجتمع  بتطبيق هذه الفرائض والأحكام قال القرطبي رحمة الله: (مقصود هذه السورة ذكرُ أحكام العفاف والسّترِ).

وإسناد السّورةِ إلى اللهِ تَعَالى في قوله “أَنزَلْناَهَا” فيه تأكيد على فرضيَّتِها “وَفَرَضْنَاهَا” وتكرار فعل الإنزال “وَأَنزَلْنَا” فيه إظهار لأهميّة أحكام هذه السورة لما لها من أثر ونتائج عظيمة في تطهير المجتمع وصيانة الأُسر والأعراض، وأنّ لها صفة الإلزام فلا مجال للتهاون فيها سواء من الفرد أو المجتمع.

ختم الآيةِ بقوله تعالى: (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ). لأن الله تعالى ذكر حدوداً وأحكاماً في هذه السورة فختمها “لعلكم تذكرون” وعبرة وعظة وتذكرة.

الفرق بين التذكرِ والتفكر

التذكر معناه تصرف القلب التأمل في الدليل والنظر فيه لفهم المطلوب وصولا للحقيقة.

والتفكر معناه طلب القلب معارف وعلوماً جديدة لم يكن يعملها القلب بالتأمل في معارف وعلوم سابقة.

ثانيا: مجتمع الفضيلة

أولاً:

 عقوبة جريمة الزنا

تكلمت الآية عن عقوبة الزّنا، وهو وطءُ رجل لامرأة أجنبية عنه من غير عقد زواج شرعي، وقد ذكرت الآية الزانية والزاني لبيان توافقهما وانسجامهما على فعل الفاحشة، فاستحقا العقوبة “الجلد” تطهيرًا لهما من الإثم وصيانةً للمجتمع من هذه الجريمة، قال تعالى: “فَاجْلِدُوا كُلَّ وَبِحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَة” والخطاب في قوله تعالى : (فَاجْلِدُوا موجة الأمر (الحاكم) حفظًا للأمن والنّظامِ، قال الإمامُ النَسَفيُّ رحمه الله تعالى: [ والخطاب للأئمة “لأنَّ إقامة الحد من الدين” “فعقوبةُ الزّاني والزانيةِ البكْرَيْنِ” الجلد مئة جلدة” وعُبّر عنها بالجلدِ إشارة إلى عدم المبالغة في الضرب، وهذا بعد إقامة البيّنة عليهما، وثبوتِ الزّنا في حقهما. كما أنَّ تنفيذ العقوبة تنفذه وتتولاه الجهةُ التي يقرّرُها الحاكم. والآيات الكريمة نهت عنِ التّهاونِ والتساهل معَ الزَّاني، لأنَّ نتيجة عمله هذا وأخطاره يتحمله المجتمعُ، من انتشار الأمراض الفتاكة واختلاط الأنساب.

والحكمة من تقديم التخويف بالعقوبة “الزنا” الدنيوية على التخويف بعذاب الآخرة في آياتِ حد الزنا” “لأن النفس ترتدع وتنزجر بالعقوبة العاجلة وتتهاون في العقوبة الآجلة” ولأن من تطغى شهوته على قلبه فيفكر بارتكاب الزنا قلما يردعه تذكر الآخرة بينما يخوفه الجلد والفضيحة ونبذ المجتمع.

اقرأ أيضاً  التقرب إلى الله تعالى

فغير المحصن هو الذي لم يتزوج، فإن زنى يجلد، فإذا جُلد ثم زنى مرة أخرى يجلد، وهذا الزنا لا يجعله محصنا، فمن تزوج وجامع أمراته يصبح محصنا، فإن طلقها ثم زنى يرجم لأنه محصن، ولا فرق بين كون هذا المحصن قد زنى ومعه زوجته، أو ماتت، أو كان طلقها.

وأما غير المحصن فحده الجلد.

والمعنى في ذلك: أنه أَمْرُ اللهِ تعالى وشرعُه، لا معقب لحكمه سبحانه وتعالى، وهو أعلم بما يصلح عباده.

قال الله سبحانه: ( وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (المائدة50)، وقال: ( أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ) (التين8)، فالله سبحانه أعلم بما يصلح عباده، وهو أعلم بهم من أنفسهم (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ )الملك(14)

وقد التمس بعض أهل العلم الحكمة، والحكمة قد تُعلم، وقد لا تعلم- فذكروا أن المحصن أكمل من غير المحصن، فكانت عقوبته أشد وأعظم. وأن الإحصان ينبغي أن يصرف الإنسان عن الزنا، فإنه قد ذاق الحلال وعرف كيف يصل إليه، فكفرانه للنعمة ناسب تغليظ العقوبة عليه، ولئلا يكون قدوة سيئة لغيره، فأرادت الشريعة إغلاق هذا الباب على من أحصن، فلا سبيل له إليه إلا أن يلقى عقوبة هي الموت.

والزاني غير المحصن، فإن ذاق الجماع في الزنا، لكن متعته ناقصة، منغّصة عليه بالإثم والمعصية، فليس كمن وطيء في الحلال، ولم ينل من النعمة ما نال المحصن.

وإذا اعترف أحد الطرفين على نفسِهِ بالزنا، ولم يعترفُ الطَّرفُ الآخرُ، أقيم الحد على من اعترف.

مقترحات لتقوية دور المجتمع في الوقاية من فاحشة الزنا

1-عدم المغالاة في المهور.

2-التوعية والإرشاد بأهمية الحشمة والتزام التستر والتحذير من مخاطر الخلوات المحرمة.

3-حظر مواقع الانترنت الإباحية.

4- تزويج ذو التقوى والصلاح.

فجريمة الزّنا  لها أضرار وآثار على الفرد والمجتمع: الفقر وضياعُ المالِ – سخط الله والعذاب يومَ القيامةِ – أمراضُ الإيدز والسّيلانِ والزّهري – انتشار العداواتِ بينَ النّاسِ. النّبذُ من قبل المجتمع – تكاليف علاج الأمراض الناتجة عنِ الزّنا – الأولاد غيرُ الشّرعيين ومجهولو النسب.

آثار جريمة الزنا في الفرد والمجتمع

الآثارُ الصّحيّةُ: أمراض الإيدز والسيلان.

الآثار الاقتصادية: الفقر وضياع المال وتكاليف علاج الأمراض الناتجة عن الزنا.

الآثار الاجتماعية: الأولاد غير الشرعيين ومجهولو النسب وانتشار العداوات بين الناس.

الآثارُ النّفسيّة النبذ من قبل المجتمع.

الآثارُ الدِّينيّةُ سخط الله والعذاب يوم القيامة.

ثانيا:

 عقوبة الاتهام بالزّنا

 توعد الله تعالى بالعقوبة أولئك الذين يقذفونَ النِّساء العفيفات الغافلات فيتهمونهنَّ بالزنا دون وجود أربعة شهود وتعامل بصرامة شديدة مع الذين يخوضون في الأعراض بألسنتهم ؛ حيثُ وضعَ اللهُ لهُم ثلاثَ عقوبات:

اقرأ أيضاً  جزاء الإحسان

الأولى بدنيّة: وهي الجلد ثمانين جلدة.

والثانية معنوية: عدم قبول شهادتهم وردها، فلا تُقبل في بيع أو شراء أو قضاء.

والثالثة دينيّةُ: وصفهم الله بأنهم فاسقونَ فهم خارجونَ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ تعالَى.

واستثنى الله على من ذلك من تاب توبةً صادقـةً ونـدم عـلـى فعلته.

وقد شدّدَ الإسلام في عقوبة هذهِ الجريمة لما لها من آثار خطيرة على المجتمع صيانةً للأعراض وتطهيرًا للمجتمع من هذه الظاهرة تُشتتُ الأسر وتنشر العداوة والبغضاء بينَ النَّاسِ، وتنعدمُ النّقةُ بين أفراد المجتمع، وقد تتسبب في جريمة قتل.

استخدام كلمة ( يرمون) بدلًا من (يتهمون) في قوله تعالى ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ) لأن أصل الرمي هو قذف شيء باليد واستخدام لفظ يرمون للدلالة على أن القذف يكون عن عجلة ودون دليل وبينة، وللدلالة على أن الأذى باللسان كالأذى باليد.

*وتخصيص النّساءِ بالذكر في قوله تعالى: “وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ” مع العلم أنَّ حكم القذف واحد للمرأة والرجل، وذلك لأن الأغلب في المجتمعات في قذف النساء يسبب العار لهنَّ ولذويهم فهو أخطر عند الناس، فاتهام النساء بالزنى أبشع وأشد خطورة من اتهام الرجل.

تشريعُ اللّعانِ حكمة إلهيّة

شرع الله اللعانَ بين الزوجين منعًا للظلم والقهر داخل حدود الأسرة إكراما للعلاقة المقدسة بينهما، ومنعا للتعسف في الاتهام، فكان هذا التشريع الإلهـي أسمى ما يتصوّره المرءُ من العدالة والحماية وصيانة الأعراض.

 مظاهر الحكمةِ والرّحمةِ الّتي تجلّتْ  وظهرت في تشريع اللعان

 1- لولا اللعان لوجب على الزوج حد القذف لاشتراكهما في العار والخزي مع ظاهر صدقه، وأنَّهُ لا يفتري على زوجته.

2-اللعانُ مخرج للزوج من صعوبة إحضار أربعة شهود، ومشقة السكوت عمّا رأى، وإلحاق غير ولده به فيحمل اسمه ويرثُه.

3-اللعانُ فيه مخرج للزوجة من العار والعقاب، إذا اتهمها زوجها بالزنا تعسّفا وظلمًا.

صفة اللعان

أن يحلف الزوج أولاً، فيقسم أربع مرّاتٍ  بالله أنّهُ ( رأى زوجته تزني) صادق فيما رَمى به زوجته من الزنا، ثم يذكره القاضي الآخرة وعذابها، ويطلب منه القاضي أن يقول: “إن لعنة الله عليَّ إن كنت من الكاذبين”.

 ثم تفع المرأة التهمة عن نفسها بالحلف، فتقسم أربع مرات بالله أنّه كاذب فيما ( اتهامه لها بالزنا) رماها به من الزنا. ثمَّ يذكرها القاضي بالآخرة وعذابها، ويطلبُ منها القاضي أن تقول: “إن غضب الله علي إن كان زوجي من الصادقين”.

الفرق بين القذف العام والخاص

 فكلاهما يقوم على اتهام الآخرين بالزنا.

الخاص: اتهام الأزواج بعضهم بعضا، ويقوم الزوجين مقام الشهود في الاثبات والنفي.

ويفرق بينهما تفريقا أبديا لاستحالة العشرة بين الزوجين بعد اتهام أحدهما للأخر بالزنا.

أما العام: اتهام الآخرين من غير الأزواج بالزنا.

لابد فيه من أربعة شهود عدول وإلا يقام الحد عليه.

زر الذهاب إلى الأعلى