أصحاب الكهف
اصحاب الكهف
رجع وفد قريش من المدينة، وسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال لهم الأحبارُ، فَقالَ غدًا أُجِيبُكُمْ أصبحت مكة كلها تترقب رد محمد، ماذا سيجيب محمد؟ ماذا إذا لم يُجِبْ؟ وماذا سيحصل إذا أجابَ؟ مشاعر متضاربة تملأ بيوت مكة، إنها أمور لم تسمع بها مكة من قبل! ماذا سيقول محمد عن فتية ذهبوا في الدهر الأول؟
ما كانَ منْ أمرِهِمْ؟
في هذا الجو الشديد نزلت سورة الكهف، وجاء الرد على أول سؤال: إنهم أصحاب الكهف، وتلا عليهم رسولُ الله ما نزل من الوحي، فصمتت قريش عن بكرة أبيها.
تُرَى لِمَ صمتت قريش؟ ولم لَمْ تجادل محمدا؟ وذلك لأنه أخبر بالحقيقة.
تفسير المفردات القرآنية الواردة في الآيات 9:27 من سورة الكهف
والرَّقِيمِ: اسم واد
أمَدًا: عددًا
وَرَبَطْنَا: قوينا قلوبهم
وَءالِهَةً: معبود
شَطَطًا: تخمينا
تَزَاوَرُ: تميل
تقْرِضُهُمْ: تحاذيهم
بوَرِقِكُمْ: دراهم فضية
يَظْهَرُوا: يعرفوا مكان وجودكم
مِلَّتِهِمْ: دينهم
بِالْوَصِيدِ: الباب
رجما: تخمينا
تُمَارِ: تجادل
ولي: يتولى أمرَهُم
كِتَابِ رَبِّكَ: القرآن الكريم
ملتحدا: ملجاً.
دلالات الآيات 9:27 من سورة الكهف
أولاً: رحمة الله قريبة. ثانياً: الثقة باللهِ تَعالَى.
ثالثاً: ثلاثة قرون. رابعاً: ما شاءَ الله كَان.
الشرح والتفصيل
أولا:
رحمة الله قريبة
يخاطب الله نبيه عليه السلام، لا تظن أو تعتقد يا محمد أنَّ ما حدث لأصحاب الكهف عجيـب فـي قـدرة الله عزّ وجلّ، فقدرتُهُ تعالى ليست لها حدود لها، بل إنَّ ما تراه حولك من آيات الله ودلالات قدرته، كخلق السماوات والأرض، وخلق الناس أنفسهم، وتسخيرِ الشَّمس والقمر، أعجب وأعظم مما سُئلت عنه يا محمد، فكل آيات الله عز وجل عجيبة.
لقد كان الفتية يعيشون في مدينة ملكها ظالم، يعبد أهلها الأصنام، ويقدمون لها القرابين، فرأوا الفتية أنَّ ما يفعله قومُهم لا منطق فيه ولا عقل يستوعبه، وقد انشرحت قلوبهم للإيمانِ فَقالوا: ربنا هوَ اللَّهُ خالق السموات والأرض، وربُّ كلّ شيء ومليكـه، فلـن نـعبـد ســواه، ولن نستعين بغيره، وأمـا مـا يعبــد أهل المدينة من تماثيل صنعوها بأيديهم، ثم جعلوها آلهة، وعبدوهـا بـلا حجة أو دليل، فإنمـا هـو غـلـو وكذب على الله عز وجل، وتعطيل للعقل، وظلم للنفس ليــس بـعـده ظلـم.
لقد ازداد الفتيةُ إيمانا لله تعالى ويقينا به سبحانه بإخلاصهم له سبحانه، فقوى الله قلوبَهُم وثبتهم بالصبر، فلما انكشف أمرُهم، خافوا على حياتهم، وخرجوا مسرعين، فهربوا من المدينة على عجل دون أن يتزوّدوا بالطَّعام والشراب، وهم يستغيثون ويدعونَ ربَّهُمْ أنْ يلطف بهم ، وأن يهديهم سبيل الرشاد، حتى إذا أدركَهُم الليل وجدوا أنفسهم بجانب كهف، فقالوا: ادخلوا هذا الكهف، لعل الله تعالى يجعلُ لَكُمْ معاشـــا وسعةً، ونامـوا فـي الكهف على أن ينظروا فـي الغــد مـاذا سيفعلونَ؟
فمنْ صِدْقِ التوكَّلِ على الله الأخذُ بالأسباب، وأَخَذَ الفتيةُ بالأسباب لكي ينجوا، فعندما انتشر أمرهم خافوا على حياتهم فهربوا من المدينة ودخلوا الكهف للخلود للراحة وأسلموا أمرهم.
سبب دخول الفتية إلى الكهف
1- استنكارهم ورفضهم ما يفعله قومهم من عبادة لأصنام صنعوها لا تنفع ولا تضر.
2- لأنهم خافوا على أنفسهم فلجأوا للكهف بسبب عبادتهم لله وحده.
ثانياً:
الثقة باللهِ تَعالَى
كان آخر كلام الفتية قبل نومهم “يَنشرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَيُهَيئ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا” تركوا كل شيء لله بعد ما فعلوا ما عليهم، ولم يعلموا أنَّ اللهَ عزّ وجلَّ قد قدَّر نَومهم ثلاث مائة وتسع سنين، أصمهم فيها سبحانَهُ فلم يسمعوا شيئا، حتى لا تزعجهم الأصواتُ فتقطعُ نومهم، بل ورعاهم بقدرته وعنايته فسخَّرَ لهم الشَّمسَ في اليومٍ مرتين، إذا أشرقَتْ ( الصباح) تَميلُ عن الكهفِ يَمِينًا قبلَ أَنْ يشتد حرها، كي لا تحرقهم أشعتها، وإذا غربتْ( قبل المغرب) تُحاذيهم فيصلهم قدر ما يحتاجونه من شعاعها، بينما هم نائمونَ في فسحة الكهْفِ، وكلبُهم رابضُ أمام الباب مَن يراهُمْ يَعْتَقِدُ أَنَّهُمْ مُستيقظونَ، لأن أعيُنُهم مفتوحةً، ويتقلبون يمينا ويسارا بقدرته تعالى، حماية لثيابهم وأجسادهم حتى لا تأكلها الأرضُ، وألقى الله عليهم الهيبة، فكل من سيراهُمْ أصابه الرعب، فلا يجْرؤُ أنْ يرجع إليهم مرةً أخرى، ولا أنْ يحدث أحدا ولا حتى نفسه بما رأى، وهم في مكان مخيف لا يذهب إليه بشر، ولا يأتيهم وحش فالله أبعدَ عنهم كلَّ خطر يهددهم أو يكشفُ أمرَهُم، وهُوَ على كلّ شيءٍ قدير.
فلو نامَ إنسان عاما كاملا، لظهرت عليه تغيرات، منها أن يبلى الجسد لأن الأرض تأكل من الجسد والثياب وتتغير الملامح ويتغير الشكل.
عظمة الله وقدرته في قصة أصحاب الكهف
1- ظهرت قدرة الله ودليل ذلك حفظهم خلافا للمألوف.
2- ظهرت عظمة الله ودليل ذلك تسخير مخلوق هائل لمخلوق صغير كالشمس
3- ظهرت رحمة الله ودليل ذلك تجنبهم لكل الأخطار في أضعف حالاتهم ( النوم ).
4- الحفظ والحماية ودليل ذلك حفظ الله أجسادهم من البلى ولم تتغير وحفظهم ولم يكشف أمرهم
وحفظهم من الوحوش والبشر.
ثالثا: ثلاثة قرون
أيقظهم الله تعالى لم ينقص منهم شيء كما أنامَهُم، فالأجسام كما هي، والملامح لم تتغير، وفي هذا دليل على قدرة الله على البعث وقيام الساعة.
عندما استيقظوا سأل أحدُهُمْ: كم رقَدْنَا؟ قال بعضُهُمْ: يوما. وقال آخرون: بعض يوم. ثم ظهر لهم أنَّ الأمر ليس كما يعتقدونَ، فَقالَ أَحدُهُم رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ ، فَاتركوا هذا الأمر لله وانشغلوا بأمركم واهتموا بما يصلح حياتكم، قالوا: أرسلوا واحدا منكم إلى المدينة، ليحضر لكُم طعامًا، وليبحــث عـن أطيــب طـعـــام حــلال، وليتلطَّف في التَّعامُلِ معَ النَّاسِ، فذلك أدعى أن لا يلفت انتباة النّاسِ إليه، وإلّا اكتشف قومنا أمْرَنا ووقتها سيقتلوننا أو يُعيدونا إلى عبادة الأصنام، فيضيع عملِكُم ويذهب أَدراج الرياح. فأمر الله لا مرد له، فعندما دخل من أرسلوه إلى السوق، استغْربه النَّاسُ بسبب درَاهِمِ الفضّيةِ التي كانت معه، فهي قديمة كانت موجودة قبل ما يزيد عن ثلاثة قرون، فأخَذوه إلى حاكم المدينة وكان صالِحًا مؤمنًا، فسأل الرجُلَ عن خبره ، فعلم أنَّهُ منَ الفتْية الذين هربوا بدينهم في عهد ملك سابق، وهكذا كشَفَ اللهُ أمرَهُم للنَّاسِ حتّى يعلموا أن قيام الساعة حقٌّ، ثم دلّهمُ الرجُلُ على مكان الكهف، وسار الملك وأهل المدينة إليهم، فلما دخلوا عليهم أماتَهُم الله ميتة الحقِّ، فأرادَ أهل البلد أن يبنوا عليْهِم مُجرَّدَ بنيان، لكن غالب أهلها قالوا: بل نبني عليهم مسجدًا نصلّي فيه، ويتناسب مع هذه الآية العظيمة.
وسبب إيقاظ أصحاب الكهفِ مِنْ نَومِهِمْ، لإظهار قدرته تعالى على البعث.
وكشف الله أمرهم لأهلِ زَمانهِمْ لإقامة الحجة عليهم.
ورود قصَّتِهِمْ فِي القُرْآنِ الكَريمِ: للعظة واعتبار الأمم اللاحقة على مر الزمن.
ولم تتغير ملامح الفتية بعد ثلاث مئة سنة دليل على قدرة الله تعالى.
قال رسول الله: “احرص على ما ينفعك ولا تعجز”. [رواه ابن ماجه] ففي قصة أهْلِ الكَهْفِ استفادات كثيرة منها أن نتمسك بالأخلاق وتعاليم الدين الإسلامي في زمن سادت فيه الفتن.
رابعا: ما شاءَ الله كَان
تخبرنا الآيات الكريمـة عـن اختلاف الناس حول عدد أولئك الفتية، فمـنَ النّاسِ مَن يقولُ: إِنَّهم ثلاثة ورابعهم كلبهم وآخَرون يقولون: خمسة وسادسُهُمْ كلبهم. وكلّ ذلك تخمينا لا يستند إلـى علـم أو دليل، ويقولون سبعة وثامنهم كلبُهُم. ثُمَّ يَأْمُرُ الله تعالى نبيه أن يرجع الأمر لله – تعالى، فهو سبحانه الأعلمُ بعددهم، والقليل ممن آتاهم الله العلم، ثم أمره ألا يُجادل فيهم أحدا، ولا يسأل عنهم أحدًا، إلا أن يحدث الناسَ بِمَا بَيْنَ اللهُ له من أمرهم، يقول ابن عباس : أنا من القليل الذين يعلمونهم، إنَّهُم سبعة وثامنهم كلبهم. وكان النبي لما سألته قريش، قال: غدًا أخبركم، فتأخَّرَ عَنْهُ الوحي، وتكلَّمَ النَّاسُ في ذلك. ثم جاءَه جبريل عليه السلام بالجواب، يقول عز وجل معــــاتبـا نبيه، ومعلما للنَّاس” ولا تقولنَّ لشيء إني فاعل ذلك غدا” أي لا تقُلْ إنِّي سأفعل شيئًا في المستقبل دون أن تقول: “إِنْ شَاءَ اللهُ” فكل نفس لا تـدري مــاذا تكسب غـدا، واذكُرِ الله وسله الهداية والرشد.
وقد أخبر عزّ وجلّ أن أصحاب الكهف لبثوا في الكهف ثلاثَ مائة وتسع سنين ويخاطب نبيه: قل لا يعلم مدة رقودهم إلا الله – تعالى- ومَن أطلعه عليْهِ من خلقه، فهو يعلمُ الغيـب فـي السـماء وفــي الأرْضِ، ثم يقول سبحانه: ﴿ أَبْصِرَ بِهِ وَأَسْمِعْ ) وهي صيغة تعجب للمبالغـة فـي المـدح والثنـاء عـلـى نفسه عزّ وجل؛ أي ما أسمعه وأبصره – سبحانه – لـكل موجـود، وما لخلقـه سـواهُ يَلِي أَمْرِهِمْ وَيَدبَّرُ شأنهم، وليس له شريك في ذاته أو صفاته أو أفعاله، فاتلُ القُرآن الكريم وما بيّنَ للناس من أمر أهل الكهف، فـلا تـغيـيـر لـكلام الله – تعالى؛ لأنَّهُ الحق، ولن تحتاج إلـى مـلجـأ تـلـجـا إلـيـهِ، لأنَّ الله تعالى هو مولاك، وهو حسبُكَ أنتَ وكل المؤمنين.
ففي الآية الكريمة السابقة تظهر أثر الصحبة على الفرد:
فالصحبة الطيبة تنعكس على الفرد، فكلب أهل الكهف ذكر في القرآن، لأنه كان في صحبة طيبة.
–الاحتمالات التي قد يواجهها من قال: سأذهب إلى الحج العام القادم من غير قول إن شاء الله.
1- التيسير وسهولة الحج.
2- الرفقة الصالحة الحملة الناجحة.
4- التدافع والزحام.
5- بعض التعب والمشقة.
بناء على تلك الاحتمالات، نحدّدُ أهميّة قولنا: “إن شاءَ اللهُ”، قول ( إن شاء الله ) هو طلب التوفيق والتيسير من الله دون أي تعارض مع التخطيط للمستقبل.