قيم الإسلام وآدابه

الإخلاص

الإخلاص

قال تعالي: ( فَمَن كَانَ يَرْجوا لقاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِك بِعِبَادَةِ ربه أحدا)

 (الكهف :110). يشترط لقبول العمل شرطان هما: حسن العمل، وحسنُ النِّيَّةِ، وورد ذلك في حديثِ النبي صلى الله عليه وسلم:” إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا  لِكُلِّ امْرِيَّ مَا نَوَى”  

النتائج المترتبة عنِ اجتهادِ العاملِ في عملِهِ قاصدًا بهِ وجْهَ الله تعالى، هي قبول العمل والأجر والثواب ورضا الله.

مكانة الإخلاص في الإسلام

يُعَدُّ الإخلاص منْ أعظم أعمال القلوب، فهو روح الطاعات، ولبُّ العبادات، والأساس الذي تقوم عليه الأعمالُ كلُّها، فلا تقبل للمسلم طاعة بدونه؛ ولعظم شأنِهِ أمرَ اللَّهُ – تعالى – بِهِ أنبياءَهُ ورسلَهُ ـ عليهم السلام ـ قال تعالى: ( إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَبَ بِالْحَقِّ فَأَعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ)[الزمر : 2 – 3]، ووعد الله تعالى المخلصين بالأجر العظيم قائلا: ﴿ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُوْلَئكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [النساءُ: 146].

ويقصدُ بِهِ: صدقُ النِّيَّةِ ويكون بالتوجه إلى الله تعالى وحدَهُ في جميع الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، وتنقية النفس الإنسانية منَ الآفاتِ التي تضرُّ بالأعمال: كالعُجْبِ، والغرور، والرياء، والسمعة، وحب الشهرة، قال تعالى: ( وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الَّذِينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ) [البينة: 5].

مقارنة بين الإخلاص والرياء والسمعة

الإخلاص هو أن يقصد العبد بعمله وجه الله كمن يخلص النية في الصلاة.

الرياء هو أن يفعل العبادة من أجل أن يراه الناس ويمدحوه كمن يتصدق ليقال إنه كريم.

اقرأ أيضاً  آداب السفر في الإسلام

السمعة هي أن يقرأ القرآن أو يقول الذكر وغير ذلك من أجل أن يسمع النّاس كلامه فيثنوا عليه، كمن يذكر الله ليقال أنه تقي.

قال تعالى: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدُ *اللهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ* وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص).

سبب تسمية سورة الإخلاص بهذا الاسم

سميت بهذا الاسم لأمرين:

1- أن الله عز وجل أخلصها لذاته، فتتحدث عن ذاته تعالى وصفاته.

2- أنها تُنَقِّي قائلها من الشرك إذا قرأها معتقداً ما دلت عليه. 

علامات الاخلاص

 لا يعلم حقيقة الإخلاص إلا الله تعالى، فهو من أعمال القلوب، وتوجد بعض علامات الإخلاص والتي يعرف بها الإنسانُ نفسه:

1- استواء المدح والذم عندَهُ فَلَا يهمه ثناءُ الناس عليه، ولا يعْنِيهِ ذمُهُمْ لَهُ. قَالَ تَعَالَى:

 ﴿ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نريد منكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا إِنَّا نَخَافُ مِن رَّيْنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا ﴾ [الإنسانُ].

2- حبه المسارعة في عمل الخيرات، لشعوره بالتقصير نحو خالقِهِ، قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا ءَاتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلهُ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ أُولَيْكَ يُسَرِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ﴾ [المؤمنونَ].

3- يبتغي ثواب الآخرة ولا يقصد مصلحة دنيوية أو شهرة قال تعالى: ” ومن كان يُرِيدُ ثواب الدنيا فعند الله ثواب  الدُّنيا والأخرة وكان الله سميعاً بصيراً ” .

4- يبتغي بالعمل وجه الله تعالى بعيداً عن السمعة والرياء، قَالَ صلى الله عليه وسلم: « إِنَّ اللهَ لَا يَقْبَلُ مِنَ الْعَمَلِ إِلَّا مَا كَانَ لَهُ خَالِصَا وَابتغي  بِهِ وَجْهه» [رواه النسائي وصححه الألباني).

فكل عمل له علامات يستدل بها على إخلاصِ أصحابها للَّهُ تَعَالى في حَياتِهِمُ الْعَمَلِيَّةِ:

فالطالب: إخلاصه بالاجتهاد في دراسته واحترامه للوائح المدرسة وللآخرين.

اقرأ أيضاً  الحضارة العربية الإسلامية

والمعلم: إخلاصه بإتقانه لعمله بحرصه على استخدام الوسائل الحديثة في تدريسه.

والأب: يكون إخلاصه بحسن تربيته ومعاملته لأبنائه وأسرته.

والأم: يكون إخلاصها بحسن تربيتها لأبنائها واهتمامها بشؤون الآسرة.

والموظف: يكون إخلاصه بالتزامه بمواعيد العمل الرسمي وإتقانه للعمل .

والتاجر: يكون إخلاصه بتجنب الغش والاحتكار.

نماذج من قصص المخلصين

الإخلاص سمة الأنبياء والمرسلين، وقد شَهِدَ الله – تعالى – لهم بذلك في كتابه الكريم فقال تعالَى: ﴿ وَاذْكُرْ عِبَدَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ أَوْلِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصاَرِ إِنَّا أَخْلَصْناهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدارِ وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الأَخيَارِ﴾

ورسولنا عليه السلام قدوتنا في الإخلاص، فقد أخلص في دعوته لله تعالى، حتّى في أصعب الظروف واستمر في الدعوة من غير تردد أو تعب، وسار على نهجه الصحابة رضوان الله عليهم، فقد كانوا يحرصون على إخفاء أعمالِهِمْ، فأبو بكر الصِّدِّيقُ رضي الله عنه كانَ يتعاهَدُ امرأةً عجوزًا يخدمُهَا، ويقضي لَهَا حوائِجَهَا، وَلَمْ يَعلَمُ بِهِ أَحَدٌ لَولَا أَنْ تَتَبَّعَهُ عمر بن الخطاب رضي الله عنه حرصا منه على الاقتداء بأبي بكر رضي الله عنهما حَتَّى رَآهُ وَعَلِمَ أَمْرَهُ مِنَ المرأة العجوز.

ثمرات الإخلاص

1- يجازي الله عباده المخلصين بالخير في الدنيا، ويوفّي لهُمْ أَجورَهُمْ في الآخرة، وقال تعالى:

( مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَوةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَلَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ ) (هود: 15).

2- الإخلاص سببُ فلاح العبد في الدنيا والآخرة، قالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: « أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ قَالَ: “لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ” [رواه البخاري].

3- تتحقق له الطمأنينة في الدنيا ويشعر بالسعادة قالَ صلى الله عليه وسلم: « مَنْ كَانَتِ الْآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَنْ جَعَلَ الدُّنْيَا هَمُهُ جَعَلَ اللَّهِ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مَا قَدَّرَ اللَّهُ لَهُ» [رواه الترمذي].لأنه يبتغي وجه الله عز وجل.

اقرأ أيضاً  مفهوم وأقسام التقليد والاتباع

4- يعد الإخلاص أحد الأسباب التي تحقق الأمن في المجتمع، لأن الإخلاص يدفع الإنسان لإتقان عمله وللمسارعة للخيرات، فلو كل أفراد المجتمع يتقنون أعمالهم ويسارعون لفعل الخيرات، سيؤدي ذلك لتوفر سبل الحياة للمجتمع ويعمه الأمن والرخاء .

طرق اكتساب الإخلاص

1- محاسبةُ النَّفْسِ قالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ» (رواه مسلم)، هذا الحديث يدلُّ على أنَّ الإنسان محاسب ومسؤولٌ عَنْ نَيَّتِهِ وعَمَلِهِ فينبغي أن يكون المسلم حريصًا على نيته.

2- ملازمه تقوى الله عزّ وجلَّ – قال تعالى: ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يحتَسِبُ ﴾ [الطلاق).

3- الحرص على نيل الأجر من الله – سبحانه وتعالى- والإكثار من الحسنات؛ لأنَّ اللهَ تعالى يقولُ: وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى الضُّحى: 4].

4- كثرة الدعاء والإلحاح بطلب الثباتِ والإخلاص الدائم في القول والعمل ، فقد كانَ منْ دعاء النبي «يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ» [رواه الترمذي].

5- التأمل في آيات الإخلاص، وثواب المخلصين كقوله تعالى: (مَن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن تُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئكَ كَانَ سَعْيُهُم مَشْكُورًا ﴾ [الإسراء).

6- المداومة على ذكر الله تعالى.

 7- استحضار الجزاء الأخروي.

8- استشعار مراقبة الله تعالى لنا.

زر الذهاب إلى الأعلى