قيم الإسلام وآدابه

التطوع عبادة وانتماء

التطوع عبادة وانتماء

اقْتَرَنَ عَمَلُ الخَيْرَاتِ بِالإيمانِ في كثيرٍ مِنَ الآياتِ القُرْآنِيَّةِ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَأَفْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [سورَةُ الحَج: 77].

* إن جَزاءُ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ الْإِيمَانِ وَالعَمَلِ التطوعي، النجاح في الدنيا والفلاح في الآخرة بالفوز بالجنة.

مفهوم العمل التَطوعي

يُعَدُّ العَمَلُ التَّطَوُّعِيُّ في الإِسْلامِ أَحَدَ أَبْوابِ الخَيْرِ الَّتي تُجَسَّدُ التَّراحُمَ المُجْتَمَعِي، وَتُحَقِّقُ السَّعادَةَ وَالرّخاءَ في المُجْتَمَعاتِ.

 فَهُوَ عِبادَةٌ بِالمَفهوم العام وَيَعْني: كُلُّ جُهْدِ مَشْروع يَبْذُلُهُ الإِنْسانُ لِتَحْقِيقِ مَنْفَعَةٍ لِلنَّاسِ، وَخِدْمَةٍ لِوَطَنِهِ، قاصِدًا بِهِ وَجْهَ الله تعالى دونَ مُقابل مادي، قالَ تَعالى: “وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعدوَانِ) [المائِدَةِ: 2] . يَتَحَقَّقُ التَّطَوُّعُ بِمَدِّ يَدِ العَوْنِ لِلنَّاسِ كَافَّةً عَلَى اخْتِلافِ دِياناتِهِمْ وَبُلْدَانِهِمْ، وَإِزالَةِ الضَّرَرِ عَنْهُمْ، وَالتَّخْفِيفِ مِنْ مُصابِهِمْ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « كُلُّ مَعْرُوفِ صَدَقَةٌ». (رواه البخاري ومسلم)

خصائص العمل التطوعي

1- الإخلاص لله تعالى، قالَ تَعالى: “إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا” [سورَةُ الإِنْسانِ: 9].

2- ابتغاء الأجر من اللَّه تعالى وحده.

3- عدم انتظار مقابل ذلك العمل.

العمل التطوعي قربة للَّه تعالى

جث الإِسْلامُ على العَمَلِ التَّطَوعيِ، وَدعا إليه، وجعل على فعله ثَوابًا عَظِيمًا، فَكل عَمَلٍ يَقومُ بِهِ الْإِنْسَانُ لِخِدْمَة الناس ونفعهم كُتِبَ لَهُ بِهِ أَجْرُ صَدَقَةٍ، قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: « عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ»

اقرأ أيضاً  المسؤولية في الإسلام

فَقَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ فَمَنْ لَمْ يَجِدُ؟ قَالَ: «يَعْمَلُ بِيَدِهِ فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ». قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ: «يُعِينُ ذَا الْحَاجَةِ الْمَلْهُوفَ». قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ. قَالَ: «فَلْيَعْمَلْ بِالْمَعْرُوفِ وَلْيُمْسِكْ عَنِ الشَّرِّ فَإِنَّهَا لَهُ صَدَقَةٌ». (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

قالَ تَعالى: ” وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوَلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِبكمْ عِندَنَا زُلْفَا إِلَّا مَنْ ءَامَنَ وَعَمِلَ صَلِحًا فَأُوْلَيْكَ هُمْ جَزَاءُ الضَّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ ءامِنُونَ ﴾ [سورَةُ سَبَأَ: 37].

فالمُتَطَوِّع يضاعفُ الله له الجزاء يوم القيامة وينال الدرجة العالية في الجنة.

قدوتنا في التطوع

خَيْرُ النَّاسِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وَقُدْوَتُنا في ذَلِكَ رَسولُنَا مُحَمَّدٌ، فَقَدْ كانَ يَرْعَى الضَّعِيفَ وَاليَتِيمَ، وَيُساهِمُ فِي مُسَاعَدَةِ المُحْتَاجِينَ، فَقَدْ قَالَتْ لَهُ السَّيِّدَةُ خَديجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: (كَلَّا وَاللَّهِ لَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ).

نماذج من تطوع السابقين

أَدْرَكَ صَحَابَةُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قيمَةَ التَّطَوُّع في الخَيْراتِ، فَهَذَا سَيِّدُنا أَبو بَكْرِ الصِّدِّيقُ تَطَوَّعَ بِوَقْتِهِ وَجُهْدِهِ لِمَعُونَةِ الْآخَرِينَ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ صَائِمًا؟». قَالَ أَبُو بَكْرٍ : أَنَا. قَالَ: «فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ جَنَازَةً؟». قَالَ أَبُو بَكْرٍ : أَنَا. قَالَ: «فَمَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مِسْكِينًا ؟». قَالَ أَبُو بَكْرٍ : أَنَا. قَالَ: «فَمَنْ عَادَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مَرِيضًا؟». قَالَ أَبُو بَكْرٍ : أَنَا فَقَالَ : «مَا اجْتَمَعْنَ فِي امْرِئٍ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ» (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

قال تعالى: ” وَالَّذِينَ تَبوءو الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ) (سورة الحشر).

ثمار العمل التَطَوعي

تُؤَثِّرُ الأَعْمَالُ التَّطَوُّعِيَّةُ بِشَكل إيجابِيُّ فِي حَيَاةِ الفَرْدِ وَالمُجْتَمَعِ، وَمِنْهَا:

اقرأ أيضاً  آداب الإسلام في الرؤى والأحلام

الآثار الإيجابيَّةُ عَلى المُتَطَوع:

1- الشُّعورُ بِالرّاحَةِ النَّفْسِيَّةِ وَالثَّقَةِ بِالنَّفْسِ.

2- إِشْعَالُ وَقْتِ فَرَاغِهِ بِعَمَلٍ نَافِعِ.

3- كَسْبُ مَحَبَّةِ النَّاسِ وَاحْتِرَامِهِمْ.

4- كسب المتطوع ِمَهَارَاتِ اجتماعية تُمَكِّنُه مِنَ العيشِ بأمان مَعَ الْآخَرِين.

5- فإن المتطوع يكتسب مهارات، منها التواضع واللين، وتحمل المسؤولية، والتعاون.

الآثار الإيجابيَّةُ عَلى المُجْتَمَع:

1- تَحْقِيقُ روح التَّكَافُلِ الِاجْتِمَاعِيُّ فِي المُجْتَمَعِ.

2- استثمار طاقاتِ الشَّبابِ فِي العَمَلِ وَالإِنْتاجِ.

3- تَحْسينُ الْمُسْتَوَى الِاقْتِصَادِيِّ لِلْمُجْتَمَع.

4- تَوْفِيرُ الْأَمْنِ الشَّامِلِ لِلْمُجْتَمَعِ فهو سبب لتقليل البطالة.

التطوع أساس البناء الحضاري للدول

العَمَلُ التَّطَوُّعِيُّ رَكيزَةُ أَساسِيَّةُ لِتَحْقِيقِ التَّنْمِيَةِ المُسْتَدامَةِ فِي الْمُجْتَمَعَاتِ، وَلَقَدْ أَدْرَكَتِ القِيادَةُ الرَّشيدَةُ فِي دَوْلَةِ الإماراتِ العَرَبِيَّةِ المُتَّحِدَةِ أَهَمِّيَّتَهُ الكَبِيرَةَ فِي بِناءِ الْمُجْتَمَعِ، فَسَارَعَتْ لِدَعْمِ المُبَادَرَاتِ التَّطَوُّعِيَّةِ الَّتي تُشْرِفُ عَلَيْهَا المُؤَسَّسَاتُ الرَّسْمِيَّةُ وَالجِهاتُ الحكومِيَّةُ كَالهِلالِ الْأَحْمَرِ الإِماراتي، وَمُؤَسَّسَةِ خَلِيفَةَ بْنِ زايد آل نَهْيانَ لِلْأَعْمالِ الإِنْسانِيَّةِ ، وَمُؤَسَّسَةِ مُحَمَّدِ بْنِ راشِدِ لِلْأَعْمَالِ الخَيْرِيَّةِ وَالإِنْسانِيَّةِ وَغَيْرِها؛ لِتَمُدَّ بِذَلِكَ يَدَ العَوْنِ مِنْ شَعْبِها وَحُكومَتِها إِلى النَّاسِ في جَميع بِقاعِ العَالَمِ، حَتَّى أَصْبَحَتْ رَمزًا لِلْخَيْرِ، فَنالَتْ بِذَلِكَ دَوْلَةُ الإماراتِ العَرَبِيَّةِ المُتَّحِدَةِ المَرْكَزَ الأَوَّلَ عالَمِيَّا في الإغاثاتِ الإِنْسانِيَّةِ.

حث القادة الشعب للعمل التطوعي

يقول رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: « الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةٍ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ( صحيح مُسْلِمٌ).

فقول الرسول السابق عدة دِلالاتِ عَلَى العَمَلِ التَّطَوُّعِيِ، أنَّ المسلم لا يظلم أخيه، وأن يمشي  المسلم في حاجة أخيه المسلم، وأن يستر المسلم ما يرى من عيوب أخيه المسلم.

وعَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «إِدْخَالُكَ السُّرُورَ عَلَى مُؤْمِنِ أَشْبَعْتَ جَوْعَتَهُ، أَوْ كَسَوْتَ عُرْيَهُ، أَوْ قَضَيْتَ لَهُ حَاجَةٌ» (رَواهُ الطَّبَرَانِيُّ)

اقرأ أيضاً  السنن الاجتماعية في القرآن الكريم

فمن النَماذِجَ التَطْبيقِيَّةً لِلْأَعْمالِ التَّطَوُّعِيَّةِ الوارِدَةِ فِي الحَدِيثِ الشَّرِيفِ السابق في واقع حياتنا، التبرع بالطعام، والتبرع بالملابس، وقضاء الدين عن الغارمين.

زر الذهاب إلى الأعلى