الوحي الإلهي ( قرآن وسنة )

الثبات على الحق

الثبات على الحق

سبب نزول الآيات الأولى من سورة الأحزاب

قدم أبو سفيان وعكرمة، قبل إسلامهم ومعهم آخرون المدينة، فنزلوا على عبد الله بن أبي، وقــد أعطاهم النبي الأمان على أن يكلموه، فقاموا فقالوا للنبي وعنده عمر بن الخطاب: [ قل إنّ آلهتنا اللات والعزى ومَنَاة لها شفاعة ومنفعة لمن عبدها، ونتركك وربك، فصعب على النبي صلى الله عليه وسلم قولُهم، فأنزل الله: [ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا].

فلو وافق النبي على طلب أبي سفيانَ ومَنْ معه لكن اعترافا بعبادة الأصنام و الشرك بالله.

يقول تعالى:

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (1) وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (2) وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (3) مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (4) ادْعُوهُمْ لِآَبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آَبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (5) النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُواْ الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا (6) وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (7) لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا (8)

معاني المفردات الواردة في الآيات 1:8

تُظاهِرُونَ:                       قول الرجل لزوجته: “أنتِ عليّ كظهرِ أمي”.

أَدْعِيَاءَكُمْ:                    وهو الولد الذي ينسب لغير أبيه، ومفردها دعي.

أَوْلَى:                             أرأف وأحق.

جناح:                          إثم أو ذنب

وَأُولُوا الْأَرْحَامِ:            أهل القراباتِ.

ميثاقًا غَلِيظًا:            عهدا عظيمًا على الوفاء.

دلالات الآيات 1: 8 من سورة الأحزاب

أولاً: توقير رسول الله.       ثانياً: سلامة المجتمع.  ثالثاً: العلم والحكمة. رابعاً: ميثاق الأنبياء

اقرأ أيضاً  سورة الرحمن ( دلالاتها وعظمة الخالق)

الشرح والتفصيل

 أولا: توقير رسول الله:

افتتحت السورة بالنداء على الرسول عليه السلام، بصفة النبوة “يَا أَيُّها النَّبِيُّ” تشريفاً وتكريما له عليه السلام، ولفت الانتباه لعلو قدره، وتعليما وتوجيها للمؤمنين أن يكرموه في خطابه ومناداته، وذلك بذكره بصفة النبوة.

والخطاب بالنداء في بداية السورة يدل على أهمية الكلام، وأهمية الأمر بالثّباتُ على طاعة الله تعالى وامتثال أمره، وأن لا يطع النبي ولا يسمع كلام من رفض الإيمان سواءً رفضه باطناً وظاهراً، ويشمل هذا الأمر جميع المسلمين، وإنْ كانَ موجها للنبي، فقد أُمِرنا بطاعة الله ورسوله، فقال تعالى: “يا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنكُمْ”.

فطاعة من أمرنا الله بطاعتهم، هي من تمام طاعته ومن تمام أمره ونهيه سبحانه.

والدليل على تكريم الله على النبي قوله: (يا أيها النبي ) تشريفاً له عليه السلام وتكريماً لمكانته، فجعل نداءه من بين الأنبياء عليهم السلام.

ثانياً: سلامة المجتمع:

  إنَّ الله عليم بعواقب الأمور، قال تعالى: “فإن اللهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ” فالله حكيم في أقواله وأفعاله، فهو حكيم فيما أمركم به، عليم بكم، فناسبت ما قبلها بأن الله عليم بمن صرفكم عنه، وناسبت ما بعدها، وهو اتباع ما أوحى الله به إلى رسوله، من تشريع، والله خبير بما يفعله المؤمنُ وغير المؤمن.

أمر الله تعالى نبيه بالأخذ بالأسباب والتوكل عليه، فسبحانه كافٍ مـن فـوّضَ الأمر إليه ويحفظــه من كل افتراءات ومن أي أذى النَّاسِ.

 وقد كانت تنتشر في ذلك الوقت عادات وتصوّرات جاهلية، لا تقوم على عقل أو منطق.

العادات التي كانت منتشرة في الجاهلية

1- قالوا عن النبي أنَّ له قلبان، وقالوا أنَّ للرجل قلبان، قال ابن عباس: { أَنَّ جماعة قالوا عن النبي: ألا ترون له قلبين، قلب معكم وقلب معهم}.

2- وأَنَّ من قال لزوجته :أنتِ عليّ كظهر أمي” فتصبحُ الزوجة أَمَّا له.

3-أن الابن بالتبني كالابن من الصلب.

 فأوحى الله لنبيه ما يُبطل هذه الأمور والتي هي من كلام الناس بلا دليل ولا علم، فلا حكم لها، ولكن الله تعالى لا يقول إلا الحق ولا يهدي إلّا إلى الحقِّ، فلم يجعل الخالق تعامل لرجل قلبين في جوفه وإنما هو قلب واحد، لا يجتمع فيه الإيمان والكفر معا.

كفارة الظهار

وهي على الترتيب:

1- عتق رقبة مؤمنة.

2- فإن لم يجد، صام شهرين متابعين.

3- فإن لم يقدر على الصيام أطعم ستين مسكينا من غالب قوتِ بلده.

اقرأ أيضاً  مراحل جمع القرآن الكريم

كذلك لم يجعل الزوجة محرمة تحريمـا أبديًا بمجرد أن يقول لها زوجها: “أنتِ عليّ كظهر أمي” ورغم قبح الظهار فإنّه يمكن أن يرجع إليها زوجها بكفارة.

كما أنه لم يجعل للأبن بالتبني حقوق أو أحكام الابـن مـن الصلب، فـلا يـرت مـن المتبني ولا

يحرم النكاح، وهذا كله لحفظ الحقوق ومنع الظلم وحرصا على تماسك الأسرة ونقاء الأنساب. ثم بين له أن من كان معلوم النسب يسمى على اسم أهله، فينسب إلى أبيه، أما غير معلوم النسب فلا يُنسب لأحد ولا يسمى على اسم أحد، وإنما يكونون أخوة وموالين فقط، ( علاقة أخوة ) قوامها الوفاء والتكافل وحفظ الكرامة، لذلك نجد أن الإسلام قـد حـضّ على كفالة اليتيم.

 والله تعالى قد وضع الحرج في الخطأ، ورفع إثمه، وذلك لاحتمال الخطأ في حق البشر، فختم الآية الكريمة بقوله: “وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا”، سمع عمر من رجلًا يقولُ: “اللهم اغفر لي خطاياي” فقال: “استغفر الله في العمد، فأما الخطأ فقد تجوَّز عنك”.

ثم بينت الآيات الكريمة أن علاقة النبي بالمؤمنين مقدمــة علــى أي علاقــة أخــرى، فطاعته مقدمة على طاعةِ النفس، لأنه أرحم بالمؤمنين من أنفسهم، وهو حريص على دفع ضرر عنهم ، وجلب المنافع لهم، قال تعالى: “لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُول مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزُ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ “ (التوبة)، ووضح للناس المعنى فقال عليه السلام: [أنا أولى بكلّ مؤمن مــن نفسه, فأيما رجل مات وترك دينا فإليَّ, ومن تــرك مـالا فلورثته]. (أبو داود)

ولقرب زوجاته منـه كرمهن الله تعالى فجعلهن أمهات للمؤمنين، وهي منزلة خاصة بهن، وقــد طهرهنَّ الله تعالى: “إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا “(الأحزاب (33)، وحرم نكاحهنَّ من بعد رسول الله تكريما وتشريفا لقدره.

ثم قررت الآيات الكريمة أن التوارثَ بين المؤمنين يكون بسبب القرابة والنكاح والولاء، أما التواصل بين الناس وبذل الصّلة بين المتآخين والأصدقاء والمعارفِ بالوصية والهبة وغيرها فلا بأس في ذلك. ومن رحمته و بعباده أنّه راعى ظروفهم وأحوالهم، فتدرج معهم في التشريع، ليسهل على النفوس تقبل الشرع والرّضا به وليبقى فضله تعالى فوق كلّ فضل، فتدرّج معهم في أحكام الميراث، وفي تحريم الخمر، وفي حكم التبنّي؛ فقد كان أول من طبق أمر الله تعالى، فألغى تبنيه زيد، وصار يناديه باسم أبيه زيد بن حارثة.

مظاهر اهتمام الإسلام بالأسرة

حماية الأسرة من العادات السيئة التي كانت منتشرة في الجاهلية كالتبني والظهار.

اقرأ أيضاً  التقرب إلى الله تعالى

قال تعالى: (وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا ):

الفرق بين التوكل والتواكل

التوكل: الأخذ بالأسباب عن طريق السعي والاجتهاد، مع الاعتماد على الله تعالى في جميع الأمور.

التواكل: عدم الأخذ بالأسباب وعدم السعي والكسل بحجة أن الله بيده كل شيء.

مظاهر تكريم الله تعالى لزوجات النبي

1- جعلهن الله تعالى أمهات للمؤمنين.

2- حرم الله الزواج بِهنَّ بعد فاته صلى الله عليه وسلم.

ثالثاً: العلم والحكمة

قرن الله عز وجل صفتا الحكمة والعلم في قرآنه مرّاتٍ عديدة، قال تعالى: “إن اللهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا “، وفي هذا دلالة على أهمية اجتماعهما، فالعلم أن تفهم وتبصر حقيقة الأمور وما يتعلق بها، أما الحكمة فهي أن تضع الأمور في موضعها، فالعلم وحده لا يكفي، إذ لا بد من الحكمة لتوظيفه فيما فيه خيرُ النَّاسِ وسعادتهم، وهذا يدل على أنه لا قيمة للعلم من دونِ العمل، فعلم المريض باسم دواء ما وتركيبه وفوائده لا يكفي لعلاج المرض، إذ لا بُد له من تناول الدواء حسب التعليماتِ.

معاني الحكمة في معاجم اللغة

1- معرفة أفضل الأشياء بأفضل العلوم.

2- الفقه أو الصواب قولا و عملا.

3- هدي النبوة أو أحكام القرآن.

 4- كمال العلم واتقان العمل.

رابعاً: ميثاق الأنبياء

عهد الله عز وجل على أنبيائه

1- أن يبلغوا رسالاته ووحيه عز وجل بلا زيادة أو نقص.

2- أن يؤمنوا ببعضُهم البعض، فيصدق كل نبي بما جاءَ به غيره.

3- أن يؤمنُ كل نبي بالنبي الخاتم محمد رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.

فقَالَ تعالى: [ وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيْينَ مِيثاَقهُمْ وَمنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم وَأَخَذْنَا مِنْهُم ميَثاقا غليظا ].

وبينت الآياتُ أنّ الله تعالى أخَذَ من النبيين جميعا هذا العهد الذي عظمَهُ اللهُ تعاَلى، ثمّ خصّتْ خَمسةٌ من الأنبياء بالذكر، هم أولو العزم من الرّسل: محمد، ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى، وبدأ بالنبي تشريفا وتكريما له، ولأنه هو وسيلتنا لمعرفة بقيّة الأنبياء والإيمان بهم .

جاء في قول الله تعَالَى: [ وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيْنَ مِيثاَقهُمْ ]. ذكر الأنبياء بصيغة الجمع، والميثاق والعهد بصيغة المفرد، فيه دلالة على تعدد الأنبياء عليهم السلام ووحدة الميثاق والعهد الذي اخذه الله تعالى عليهم.

فلقد أخذ الله العهد الميثاق على كل نبي أن يؤمن بمحمد عليه السلام، وكذلك أخذ الميثاق على أمم الأنبياء، وفي هذا إقامة للحجة عليهم وإظهاراً لفضل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم على سائر الأنبياء وجميع الأمم.

زر الذهاب إلى الأعلى