المؤمن بين الشكر والصبر
المؤمن بين الشكر والصبر
قال تعالى: ( مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نبرأها إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرُ (22) لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتاكم وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ) (الحديد: 22 – 23)
فمَنْ فَقَدَ أَحَدَ أَقَارِبِهِ فِي حَادِثِ فإنه يشعر بالحزن والأسى
فعلى كل من أصابه بلاء علبه بالصبر على المصيبة والرضا بقضاء الله وقدره.
عَنْ صُهَيْبِ بْنِ سِنانِ اللهِ قَالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:
(عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنْ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاء صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ). [رواه البخاري)
معانى الْمُفْرَداتِ:
عَجَبًا: الِاسْتِغْرَابُ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ وَالتَّرْعَيبِ.
لأمر: لشأن .
سَرَّاءُ : رخاء وسعة عيش يُسعد الإنسان.
ضَرَّاءُ : عكس الشرَاءِ مِنْ مَرَض أو فقر أو محنة
الْمُؤْمِنُ بَيْنَ السَّرَاءِ وَالضّرّاءِ:
الناس بين الضَّرَاءِ السَّرَاءِ قِسْمَانِ:
مُؤْمِنٌ وَغَيْرُ مُؤْمِن:
* فَالمُؤْمِنُ يَعْلَمُ يقينا أَنَّ كُل ما قدره الله تعالى عَلَيْهِ هُوَ خَيْرٌ لَهُ، فَإِنْ أَصَابَتْهُ سَرَاءُ مِنْ نِعَمَ اللَّهِ تَعَالَى قَدَّرَهُ اللَّهُ كَالعِلْم أَوِ العَمَلِ الصّالح أو المالِ أَوِ البَنينَ شَكَرَ اللَّهَ تَعَالَى عَلَيْهَا، طَاعَةً وَقُرْبِي لِلَّهِ تَعَالَى فَيَكُونُ خَيْرًا لَهُ حَيْثُ جَمَعَ نِعْمَتَيْنِ: نِعْمَةَ الدِّينِ بِالشُّكْرِ وَنِعْمَةَ الدُّنْا بِالرَّحَاءِ.
وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَاءُ كَفَقْرٍ أَوْ ضِيقٍ أَوْ فَقَدِ عَزِيزِ صَبَرَ عَلَى قَدَرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَانتَظَرَ الْفَرَجَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، حَيْثُ جَمَعَ نِعْمَتَيْنِ أَيْضًا:
نِعْمَةَ الدِّينِ مِنَ الثواب والْأَجْرِ وَنِعْمَةَ الدُّنْيَا حتى كُتِبَ مِنَ الصَّابِرِينَ.
قال تعالى ( وإذ تأذن رَبِّكُمْ لَئن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدنَكُمْ وَلَئن كَفرتم إِنَّ عذابي لشديد)
فَائِدَةَ الشَّكْرِ كَمَا وَرَدَ فِي الآية الكَرِيمَةِ السابقة هي الزيادة نتيجة الشكر.
فَوَائِدَ أُخْرى لِشْكُرِ اللَّهِ تَعالى عَلى نِعَمِهِ:
دوام النعم وكثرة الخير والثواب الجزيل
جزاء الصابرين:
يُبَيِّنُ لَنَا اللَّهُ تَعالى في كِتَابِهِ العَزِيزِ قيمَةَ الصَّبْرِ فِي حَيَاةِ المُؤْمِنِ فَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلِ:
(وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ (الشورى: 43)
وَقَالَ: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ ) ( الزمر: 10)
معنى الصَّبْرُ:
هُوَ حَبْسُ النَّفْسِ عَنِ الْجَزَعِ، وَتَرْكُ الشَّكوى مِنْ أَلَمِ البَلْوِى لِغَيْرِ اللَّهِ، فَيَجِبُ عَلَى المُسْلِمِ عَدَمُ الشَّكُوى أوَ الِاعْتِراضِ عِنْدَ ابْتِلائِهِ بِمَكْرُوهِ، وَالِاحْتِسَابُ لِلَّهِ تَعَالَى وَالرّضَى بِمَا كَتَبَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ فَلَا عُسْرَ إِلَّا وَبَعْدَهُ يُسْرُ وَلَا شِدَّةٌ إِلَّا وَأَعْقَبَهَا فَرَجٌ. وَلَا يَقْدِرُ عَلَى الصَّبْرِ إِلَّا الْمُؤْمِنُ القَوِيُّ لِذَلِكَ وَصَفَ تَعَالَى الصَّبْرَ أَنَّهُ مِنْ أَعْظَمَ الْأُمورِ، وَإِذا كانَ الأَنبياءُ أَشَدَّ النَّاسِ ابْتِلَاء وَالصَّبْرُ يَكونُ بِالقَلْبِ فَلا نَتَضَجِّرُ، وَيَكُونُ بِاللسانِ فَنَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى وَلَا نَشْتَكي، وَيَكُونُ بِالجَوارِحِ فَلَا نَعْمَلُ مَا يُغْضِبُ رَبَّنَا.
وَكَما يَكونُ الصَّبْرُ عِنْدَ الِابْتِلاءِ يَكونُ في الطاعاتِ، فَالمُحافَظَةُ عَلَى الصَّلَواتِ تَحْتاجُ لِلصَّبْرِ، وَصَوْمُ رَمَضَانَ يَحْتاجُ لِلصَّبْرِ، واجْتِنابُ المَعاصِي يَحْتاجُ لِلصَّبْرِ، وَبِر الوالِدَيْنِ يَحْتاجُ لِلصَّبْرِ، وَتَحْصِيلُ العِلْمِ يَحْتاجُ لِلصَّبْرِ، وَعَدَمُ رَدَّ إِساءَةِ المُسِيءِ يَحْتاجُ لِلصَّبْرِ، لِذا كَانَ ثَوابُ الصَّبْرِ عَظِيمًا جِدًا وَغَيْرَ مُحَدِّدٍ.
المؤمن بين الشكر والصبر:
* فإِنْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ بِنِعْمَةٍ أَقولُ: ربنا لك الحمد والشكر
وإِنْ أَصَابَنِي اللَّهُ بِشِدَّةٍ وَضِيقٍ أَقولُ: لا حول ولا قوة إلا بالله.
–عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ إِذا إِبْتَلَيْتُ عَبْدِي بِحَبيبتيه (يُريدُ عَيْنَيْهِ) فَصَبَرَ عَوَّضْتُهُ مِنْهُمَا الْجَنَّةَ» (رَواهُ البَخَارِيُّ).
فهذا جزاء مَنْ فَقَدْ عَيْنَيْهِ فِي الدُّنْيا فَصبرَ عوضه الله الجنة.
– وشُكْر اللَّهِ تَعَالَى عَلَى نِعْمَةِ البَصَرِ يكون بغض البصر عن الحرام ولا أتتبع عورات الناس.