المغيث الحليم جل جلاله
المغيث الحليم جل جلاله
الإنسان بفطرته السليمة يميل إلى مساعدةِ النّاسِ وتقديم العون لهم، وقد جاءَ الإسلام ليرسخ هذا السلوك الأصيل؛ فأمر بإغاثة الملهوف، وقد كانَ النّبيُّ صلى الله عليه وسلم خير من تمثل بهذهِ الصّفةِ قبل الإسلام وبعده، قال صلى الله عليه وسلم : «إنّما بُعِثْتُ لأُتمم مكارم الأخلاق»؛ لذلك قالت له السيدة خديجة رضا لما نزل عليه الوحي وكان خائفًا: «كلا واللهِ! ما يُخْزِيكَ اللهُ أبدًا، إنّكَ لتَصلُّ الرّحم، وتحمل الكلَّ، وتكسب المعدوم، وتُقري الضّيفَ، وتُعينُ على نوائب الحقِّ». ومن أسماء الله الحسنى “المغيثُ”، فقد قالَ اللهُ عَزَّوَجل وَهُوَ الَّذِى يُنَزِلُ الْغَيْتَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ . [الشورى] والله تعالى له أسماء سمّى بها نفسَهُ وله صفات اتصف بها، ومن أسمائِه عَزَ ّوَجل “الحليم”، فقد كانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يدعو عند الكرْبِ : «لا إلهَ إِلَّا اللهُ العظيم الحليم، لا إلهَ إِلَّا اللهُ ربُّ السّماواتِ والأرض، وربُّ العرش العظيم» [رواه البخاري ومسلم].
ـ من أسماءِ اللَّهِ تَعَالى وصفاته، الرحيم الغفور التواب الجبار المتكبر المغيث الجليل الرزاق الكريم.
المغيث جل جلاله
المقصود بصفة اللَّه تعالى المغيث
المُغِيثُ: الّذي يزيل الشّدّة، ويفرّجُ الكُرَبَ، فاللهُ عَزَ وَجَل يغيثُ عبادَهُ عندَ الشّدائد، ويجيب مضطرهم، فهوَ وحده القادر، وبيده ملكوتُ السَّماواتِ والأرضِ قال تعالى: ﴿ قُلْ مَن يُنَجِيكُم مِّن ظُلُمَتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَين أَنحَنَا مِنْ هَذِهِ لَتَكُونَنَّ مِنَ الشَّكِرِينَ ) [الأنعام) فالله هو المغيث لكل المخلوقات، وهو الذي يجيب إغاثة اللهفان.
وصفة (الغوثِ) من صفاتِ اللهِ تَعَالَى الثَّابتة لهُ بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية المتواترة، قال الله تعالى : إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ ﴾ [الأنفال: 9]، وقال تعالى: وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ ءامِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ “
ومن السّنّةِ عنْ أنس بن مالك رضي الله عنه أنَّ رجلًا دخل المسجد يومَ جُمُعةٍ ورسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قائم يخطب، فاستقبل رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قائمًا ثمّ قال يا رسولَ اللهِ هلكَتِ الأموال وانقطعت السبل فادعُ اللَّهَ
يُغيثنا، فرفع رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يديه ثمّ قال: «اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا». [رواه البخاري]
الفرق بين الاستغاثة والاستعانة
– الاستغاثة تكون بالله تعالى.
– أما الاستعانة تكون بالله وبالناس.
إغاثة الله تعالى لعباده
قالَ اللهُ تعالى: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ (البقرة)، اللهُ تعالى يبتلي عباده بالمصائبِ والمِحَنِ، ليختبر إيمانهم، فإذا دعوه أعانَهُمْ، وفك كُرْبتَهُمْ، قالَ تَعالى: ﴿ أَمَن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ﴾ [النمل: 62]
الحكمة من الابتلاء
1- ليختبر إيمانهم.
2- وليمحو سيئاتهم ويزيد حسناتهم ويرفع درجاتهم.
3- ليميز الخبيث من الطيب.
نماذج من غوث الله لعباده
استغاثَ يونس عليه السَّلامُ اللهَ تَعَالى فنجاه من بطن الحوت.
استغاث النبي بربه في غزوة الأحزاب، فأغاثَ اللهُ المسلمين فأرسل على المشركين ريحًا شديدةً، فشردتهم وألقى اللهُ تَعَالَى التّخاذلَ بين المشركين حتى انسحبوا خائبين.
أصابَ النّاس قحط في عام الرّمادة في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهلكَتِ الزروع والبهائم، فاستغاثوا الله تعالى فاستجاب لهم، وكشف عنهم البلاء.
الاستغاثةُ بالله تعالى جزء من العبادة
اللهُ تَعَالى هو المغيثُ، وهو الذي يجيب دعوة المضطَرِّ، ويكشفُ السّوءَ، وحينما ذكر الله تعالى المستغيثينَ به سبحانه وتعالى جاءَ ذكرهم في معرض المدح والرّضا عنهم، قالَ اللهُ تعالى: ﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نجى الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنبياء]
العلاقة بين الاستغاثة بالله تعالى وعبادته
ـ الاستغاثة بالله دعاء، والدعاء عبادة، ولا تكون العبادة إلا لله.
الحليم جل جلاله
الحليم: الّذي يدرُّ ويُنزِل على خلقِه النّعم الباطنة والظَّاهرة رغم معاصيهم وكثرة زلاتهم، فيمهلهم لكي يتوبوا، قال تعالى: “وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ ”
واسم اللهِ تَعَالى “الحليم” وردَ ضمنَ الأسماء الحسنى الواردة في حديث أبي هريرةَ رَضِيَ عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلا وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ» [رواه البخاري ومسلم]،
وقد ورد في القرآن إحدى عشرةً مرّةً َقالَ تَعَالى: ” وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (۳) [البقرة).
وكانَ النّبي صلى الله عليه وسلم أكثرَ النَّاسِ حلمًا، روى أنس بن مالك رضي الله عنه أنّه قالَ: كُنْتُ أَمْشي مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَعَلَيْهِ بُرْدٌ نَجْرانِيٌّ غَلِيظُ الْحاشِيَةِ، فَأَدْرَكَهُ أَعْرابِيٌّ فَجَبَذَهُ بردائِهِ جَبْذَةً شَدِيدَةً، حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عَاتِقِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَدْ أَثَّرَتْ بِهِ حاشِيَةُ الرِّداءِ مِنْ شِدَّةِ حدَتِهِ، ثُمَّ قَالَ : يا مُحمّد مُرْ لِي مِنْ مالِ اللَّهِ الَّذِي عِنْدَكَ، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ رسول الله صلى الله عليه وسلم فَضَحِكَ, ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاء. [رواه البخاري ومسلم]
طرق لكظم الغيظ عند الغضب
1- التعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
2- تغيير حالة الغاضب إن كان واقفا فيجلس.
3- الوضوء.
4- التعود على العفو والمسامحة.
لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم حليما بقومه، لم يدعو عليهم بالهلاك رغم إيذائهم له، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : قال: “كأني أنظرُ إلى النبي الله يحكي نبيًّا مِنَ الأنبياءِ، ضربَهُ قومُهُ فَأَدْمَوهُ، فهو يمسحُ الدَّمَ عن وجهه، ويقولُ: ربِّ اغفر لقومي، فإنَّهم لا يعلمون”. [رواه البخاري ومسلم]
والله عز وجل رحيم بعباده حليم عليهم رغم ذنوبهم ومعاصيهم، قالَ صلى الله عليه وسلم: “أَتَرَوْنَ هَذِهِ الْمَرْأَةَ طَارِحَةً وَلَدَها فِي النَّارِ؟” قُلْنَا: لَا وَاللَّهِ, وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لَا تَطْرَحَه, فَقالَ: « اللَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِها». [رواه البخاري ومسلم]