بيوت طاهرة مجتمع نقي
بيوت طاهرة مجتمع نقي سورة النور 58-61ِ
تستمر سورة النور بالحديث عن الأخلاق والفضائل في المجتمع المسلم، فتنشر فيه القيم الفاضلة لحفظ الأسر والمجتمع من الزَّلل؛ فبعد أن تحدثت السورة عن ضرورة الاستئذان للدخول إلى بيوت الآخرين ليستأنس أهل البيت بالزائر، حفاظاً على ستر العورات، ويطمئنوا ويستعدوا لاستقباله، تستكمل السورة، صوراً مشرقة للذوق الإسلامي الرفيع في بيان أحكام الاستئذان لمَنْ هُمْ داخل البيت على بعضهم البعض.
الآثار الإيجابية في التزام المسلم بآداب الزيارة
آثار تتعلق بالزائر: الابتعاد عن المحرمات والأجر والثواب.
آثار تتعلق بالمزور: يُحفظ عرضه الراحة النفسية .
آثار تتعلق بالمجتمع : مجتمع قوي متماسك تقل فيه الجرائم.
معاني المفردات الواردة في الآيات 58:61ِ من سورة النور
لَمْ يَبْلُغُوا الحلم: لم يبلغوا سن الاحتلام.
عورات: أوقات يختل فيها ستركم.
جناح: إثم
طوافون عليكم : يكثر دخولهم وخروجهم عليكم.
والقواعد من النساء: مَنْ لا يرغبنَ بالزوج والولد لكبر هنَّ.
مَلَكْتُم مفاتحة: ما كانَ تحت تصرفكم في الأصل أو بالوكالة.
أشتاتا : متفرقين.
دلالات الآيات 58:61ِ من سورة النور
أولاً: بيوت طاهرة. ثانياً: العفة. ثالثاً: رعاية وحماية للحقوق الإنسانيّة.
الشرح والتفصيل:
أولاً:
بيوت طاهرة
تعرض الآيات صورة لتنظيم سلوك أفراد الأسرة التي تعد الأساس الرئيسي في بناء المجتمع، فتنظم هذا السلوك وتوجهه لتقوم الأسـرة بواجبها لتربي جيلاً طاهــراً نـقـي طـيـب الخـلـق، يتمسك بالقيم الراقيـة والذوق الرفيع.
ومن أرفع تلك القيم احترام خصوصيات من يعيش معهم، فلَا يُقلـقُ راحتهم، ولا يُؤذيهم، ولا يطلع على عوراتهم؛ فكما أنَّ الإسلام حرم دخــول الكبـار عـلـى غيرهم إلا بإذن، وهذا الحكم عام للكل ويشمل كل الأوقات، إلا أنـه فـي هـذه الآيات بيـن حكما يغفل عنه كثيرون، ويتساهلون فيه، ألا وهو دخول الصغـار وعـمـال المنازل على أهل البيت، فنظَّم تلك العملية تنظيما دقيقا وقاية للأسرة وحفظا لأخلاقيات أبنائها.
فقد سأل رجلٌ النبي صلى الله عليه وسلم, فقال: أأستأذنُ على أمي ؟! فقال: نعم، فقال الرجلُ: إِنِّي معها في البيت؟ فقال: فاستأذن عليها.
فقال الرجلُ: إِنِّي خادمها؟ فقال: فاستأذن عليها؛ أتحب أن تراها عريانة؟!؟ قال: لا،
قال: فاستأذن عليها.
أوقات الاستئذان الثلاثة
1. قبل صلاة الفجر.
2. الظهيرة.
3. بعد صلاة العشاء.
– الفئات التي يجب أن تستأذنَ في الأوقاتٍ الثلاث المخصوصة:
1.ملك اليمين.
2. الذين لم يبلغوا الحلم.
العلاقة بين الآيتين الكريمين من سورة النور: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَدۡخُلُواْ بُيُوتًا غَيۡرَ بُيُوتِكُمۡ حَتَّىٰ تَسۡتَأۡنِسُواْ وَتُسَلِّمُواْ عَلَىٰٓ أَهۡلِهَاۚ)
و يَٰٓا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِيَسۡتَـٔۡئذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتۡ أَيۡمانُكُمۡ وَالَّذِينَ لَمۡ يَبۡلُغُواْ الۡحُلُمَ مِنكُمۡ ثَلَٰاثَ مَرَّٰاتٖۚ مِّن قَبۡلِ صَلَاةِ الۡفَجۡرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ ٱلظَّهِيرَةِ )
الآية الأولى تتحدث عن آداب الزيارة والثانية عن آداب الدخول لمن هم داخل البيت.
* دلالة توجيه الخطاب للآباء بقوله تعالى: ( ٰٓيَٰٓا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لِيَسۡتَـٔۡئذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتۡ أَيۡمَانُكُمۡ ) مع أن المقصود بالخطاب الأطفال.
ليقوم الأب بدوره في توجيه الأطفال لهذه الأحكام وأهمية الالتـزام بها.
الحكمة من دخول الأطفال والخدم على أهل البيت في كل الأوقات ما عدا الأوقات الثلاثة:
لأنَّ الأطفال والخدم موجودين بين أهل البيت ولكثرة اختلاطهم بهم سُمِحَ لهم بالدخول كل الأوقات، وفي الأوقات الثلاثة قد يحدث خلالاً في التستر في هذه الأوقات في العادة فهذا تشريع واقعي يوازن بين الحاجات.
ثانياً:
العفة
تبين لنا الآيات مبدأ من مبادئ الإسلام، فهو دين الرحمة والتيسير، فالحجـاب فرائض حث عليها ديننا، وأوجبه على المرأة المسلمة، إلا أنه أجاز للنساء الكبيرات في السن غيرِ الرّاغبات في الزواج، بأنْ يخفّفنَ لباسهنَّ تيسيرًا عليهنَّ ورفعا للمشقة عنهنَّ، شريطة ألا يظهرْنَ متزينات بزينة، وإنْ كانَ الخير لهنَّ أن يلتزمن التستر بكامل الحجاب.
من خلال قوله تعالى: ( وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ الَّتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جناح أن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِجَات بِزِينَةٌ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ وَاللَّهُ سميع عليم).
المقصود بـ: يضعن ثيابهنَّ يتخففن من بعض الملابس الخارجية،
كالجلباب والعباءة والخمار بشرط عدم انكشاف العورة.
يستعففن، يحافظن على التستر والاحتشام.
الحجاب هو ستر المرأة لكامل جسمها، مـا عـدا الـوج والكفين، بلباس ساتر فضفاض لا يصفُ ولا يشف.
مظاهر ( علامات ) استعفافِ القواعدِ منَ النساء
بأن يطلبن التستر والاحتشام بإبقاء ثيابهن الظاهرة عليهن بدون خلعها.
إنَّ الإسلام يُوازن بين التشريع وبينَ الحثّ على الستر مع الحرص على رفع الحرج والمشقة:
تذكر لنا الآية الكريمة ألوانا من الأدب النبيل، الذي يجعل الكبار والصغار يعيشون عيشة كريمة وفاضلة، عامرة بالحياء والعفاف والطهر، والنقاء بعيدة عن كل ما يجرح الشعور، ومن كل تصور يعارض مع الأخلاق الكريمة.
وختم الله رؤوس الآيتين الكريمتين 58 و 59 بقوله تعالى : (وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ):
دليل على أن الله يأمر بما فيه الصواب والحكمة، ويعلم موجبات الأمور ويبنها للناس متسقة دون تعارض.
ثالثاً:
رعاية وحماية للحقوق الإنسانيّة
بعد أن نظمَـتِ الآيات الكريمة السلوكيات داخل البيت المسلم، شرعت فـي بـت إضاءاتهـا فـي ترتيب علاقات الأقارب والأصدقاء، لتبقى العلاقات الاجتماعية مترابطة ومنسجمة، ويكون تصرف المسلم داخل الأسرة وخارجهـا قـائـمـا علـى الاحترام والتقدير، فلا يكيل بمكيالين، عندهـا يُصبح المجتمع أسرة كبيرة، يرتفع عنهم الحرجُ والمشقة.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: ( كانَ المسلمونَ يَرْغَبونَ في النفير مع رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَيَدْفَعونَ مفاتيحهم إلـى ضُمَنائِهم، ويقولون لهم قد أحلَلْنا لكم أن تَأْكُلوا مما أَحْبَبْتُمْ, فكانوا يقولونَ: إِنَّهُ لا يَحِلُّ لنا, إنَّهم أذِنُوا عن غير طيب نفسٍ, فأنزلَ اللهُ عَزوجل أو ما مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ) (مجمع الزوائد).
كما أن بعض القبائل – قبل الإســلام – كانوا يقاطعون ذوي الاحتياجات الخاصة، ويعزلونهم ويمنعونهم من ممارسة حياتهم الطبيعية، فكان لا يخالطهم في طعامهم أعرج ولا أعمى ولا مريض، احتراما لخصوصياتهم، فنزلت الآيات الكريمة لرفع الحرج عن الضعاف كمـا رفـع عنهـمُ الـخــروج مع النبي، وحفظَتْ لهُم حقهم بالأكل من بيوت الآخرين كغيرهم من الناس، وأن لا يكون عجزهم سببًا في انزوائهم عن مجتمعهم، حرصا على وحدة المجتمع وقوته بجميع فئاته ومكوناته، فبذلك البعد الإنساني في المعاملة تكونُ تشريعات ديننا الحنيف قد سبقتِ المجتمعات الحديثة في الدعوة لتقدير ذوي الاحتياجات الخاصة ودمجهم في مجتمعهم ورعايتهم، وقد حرصت دولة الإمارات على رعاية حقوقهم ودمجهم في المجتمع، انطلاقا من ثوابتها.
وبعد ذكر الأصناف التي يجوز لنا الأكل من بيوتها دون إذن شرّعتِ الآيات بيان الهيئة التي يُؤكل بها، فلا بأس أن يأكل الإنسانُ وحيدًا؛ إذْ كانَ بعض الناس يشعر بالحرج من أن يأكل وحيدًا، فنزلَتِ الآيات للتخفيف عنهم والتيسير عليهم بأن أباحت لهم الأكل أفراداً وجماعات قالَ تعالى: ( لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَانًا ).
وتستمر الآيات الكريمـة فـي إنارة سلوكيات المسلم، فتبين آداب التواصل مع المزور؛ إذ ينبغي أنْ يُسلّمَ الزائر على المزور وكأنه يُسلم على نفسه، هذا السّلامُ الذي هو من عندِ اللهِ، وهذه التحيةُ تطيب بها نفس المزور، وتبارك حسناتِ الزائر، وكذلك إذا دخلتُم بيوتا ليس فيها أحدٌ، كأن يدخل المرء بيته، فسلموا على أنفسكم وهو أن يقول: السّلامُ علينا وعلى عباد الله الصالحين.
– قال تعالى: ( فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةٌ مِنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً) ، فإنَّ الذي كلّفكــم بهـذهِ الأحكام رَبُّ يحب الخير لكُم، إنما يأمركم بأشياء يرجعُ نَفْعُها عليكم، فإن أطعتموه فيما أمركم بـهِ انتفعتم بتلك الأوامر في الدنيا، ثم الجزاء والثواب فـي الآخرة
قال تعالى: ( كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ).
اهتمام الإسلام ورعايته لذوي الاحتياجات الخاصة
( رواه مسلم).
جهود الإمارات العربية المتحدة في رعاية أصحاب الاحتياجات الخاصة
1- عمل قوانين لمنحهم العديد من الامتيازات.
2- تأسيس مراكز الرعاية والأندية الخاصة بهم.
– لِمَ لَمْ تذكر الآيات بيت الابن صراحةً من ضمن البيوت التي يُسمح الأكل منها دون استئذان:
لأن بيت الابن يعتبر بيت للأب لشدة قرب العلاقة به فالولد وكل ما يملك ملكٌ لأبيه.
وقولِ اللَّهِ تعالى: (فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ ):
لأن النفس المسلمة واحدة فالمسلم أخو المسلم، فإن المؤمنين كالجسد الواحد لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد)
وصفت الآيات التحية بالسلام عليكم تَحَيَّةٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ لأنَّ الله يحب أن تقوموا بها و تنشروها.
وورد التعبير بلفظ (صَدِيقِكُمْ) وليس أصدقائكم في الآية الكريمة: ( مَا مَلَكْتُم مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ) لأن الأصدقاء ينبغي أن يكونوا على قلب رجل واحد، فهم مجموعة لكنهم كشخص واحد في توجهاتهم.