الوحي الإلهي ( قرآن وسنة )

صلة الرحم

صلة الرحم

يقول تعالى: ( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَا لَا فَخُورًا(36).

فالله تعالى أمرنا بعبادته والإحسان للوالدين ولذي القربى واليتامى والمساكين.

وجمعِ الله تعالى بين الأمرِ بعبادتِهِ والإحسان للوالدين وذي القربى، فيه دلالة على مكانة الوالدين وذي القربى عند الله تعالى في حياة المسلم المخلص .

معنى الإحسان إلى ذي القربى

صلتهم وزيارتهم والسؤال عنهم ومساعدتهم عند المحن.

والإحسان إلى الأهل والأقارب له أثر على المجتمع ففيه زيادة المحبة والألفة والمودة.

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: [ مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطُ له في رِزْقِهِ, ويَنْسَأَ له في أَثَرِهِ, فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ](رواه البخاري ومسلم واللفظ لمسلم)

معنى المفردات الواردة في حديث من أحب أن يبسط له في رزقه

يَبسُط:                    يُكْثِرَ ويُوسُعَ.

يَنْسَأَ له فِي أَثَرِه:       يبارك لهُ فِي عُمُرِهِ.

 دلالات الحديث من أحب أن يبسط له في رزقه

أولاً: صلة الرحم.             ثانياً: السعة في الرزق.

الشرح والتفصيل:

يحثنا الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الشريف للتحلّي بخُلُقٍ عظيم كريم؛ لما له من دورٍ كبير في ترابط وتلاحم  الأسر وترابط المجتمع، واستقراره، وهو:

أولاً:

صلة الأرحام 

يُحثنا الإسلام على الترابط والتماسك، وتآلف القلوب، بصلة الأرحام، فجعلَ المودة بالأرحام وزيارتهم من علامات الإيمان، قالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: “وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ” (رواه البخاري).

اقرأ أيضاً  أحكام الميم الساكنة

المقْصود بالأرحام:

 الأقاربُ من ناحية الأب والأم، وهم: الوالدان ووالديهمْ وإنْ عَلَوْ، والأولاد وأولادُهُمْ وَإِنْ نزلوا، والإخوةُ وَأَولادُهُمْ، والأخوات وأولادُهُنَّ، والأعمام والعمات، والأخوال والخالات، وقد حَتَّنا الإِسلامُ على تَعَلُّمِ ومعرفة أَسماءِ الأَقارِبِ مِنْ ذوي الأرحام، لأجل صلتهم والتقرب إليهم، فعن النبي صلى الله عليه وسلم قال صلى الله عليه وسلم : “تَعَلَّمُوا مِنْ أَنْسَابِكُمْ مَا تَصِلُونَ بِهِ أَرْحَامَكُمْ، فَإِنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ مَحَبَّةُ فِي الْأَهْلِ، مَثْرَاةٌ فِي الْمَالِ، مَنْسَأَةٌ فِي الْأَثَرِ” (رواه الترمذي).

إِنَّ صِلَةَ الأرحامِ يُحققها الإنسان المسلمُ بأعمال البر والإحسان والخير والمودة ومنها: دوام زيارتهم، وتلبية دعوتهم، وبذل المعروفِ لهم، ورَدُّ الأذى عنهم، وعيادة مريضهم، وتفقد محتاجيهم، وتوقير كبيرهم، ورحمةُ صغيرهم، والعفو عن مسيئهِمْ، وبذل المال لفقيرِهمْ، قالَ اللهُ تعالى: ﴿ وَءَاتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ﴾ [سورة الإسراء:26].

فضل صلة الرحم

من يصل أرحامه يقرّبه الله من الجنة ويُبعده عن النار:

فعن أبي أيوب الأنصاري صلى الله عليه وسلم قال: جاء رجل إلى الرسو ل صلى الله عليه وسلم فقالَ: دلني على عمل أعملُهُ يُدنيني منَ الجنة, ويُباعِدُني منَ النَّارِ. قَالَ: “تَعْبُدُ اللهَ لا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ, وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصِلُ ذَا رحمك”. فلما أدبر قالَ رسولُ اللهِ: [ إِنْ تَمَسَّكَ بِمَا أُمِرَ بِهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ] (صحيح مسلم).

ـ فمن يكتفي بالسؤال عن حال أقاربه بالتليفون، بالرغمِ مِنْ قُرْبِهِمْ مِنْه فقد أخطأ وعليه تعزيز الزيارة لهم لما في الزيادة من الألفة والمودة.

قالَ الصادق المصدوق: «الصَّدَقَةُ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ، وَهِيَ عَلَى ذِي الرَّحِمِ ثِنْتَانِ: صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ» (رواه الترمذي) فالصدة على الأرحام تكون سببا في استحقاق المتصدق على ذي الرحم أجرين فالأجر مضاعف.

وبعض الناس يحرصون على تبادل الزيارات والهدايا مع أقاربهم الذين يبادرون لذلك دون غيرهم وهذا ليس من الإسلام، لأن ود وزيارة من قطعك برهان على امتثالك لأمر الله تعالى

اقرأ أيضاً  دروس وعبر سورة الملك 25-30

قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ( لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِيء وَلَكِنَّ الْوَاصِلَ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا) (رواه البخارِيُّ).

ثواب صلة الأرحام

إِنَّ ثوابَ صلة الأرحامِ يُعَجِّلُهُ اللهُ تعالى للمسلم في الدنيا، فضلا عمّا يَدَّخِرُهُ لَهُ فِي الآخرةِ، لأَنَّهَا مِنْ خِيرِ الطاعات، وأفضَلِ القُرُباتِ، فَصِلَةُ الرحم سبب في السَّعَةِ في الرزق، والبركة في العمرِ, قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: “لَيْسَ شَيْءٌ أُطِيعُ اللَّهَ فِيهِ أَعْجَلَ ثَوَابًا مِنْ صِلَةِ الرَّحِمِ” (رواهُ البيهقي).

إنَّ قطيعة الرحم تكون بعدم الإحسان إلى الأقربين وهي  حرام على كل مسلم

يغضب الله ويَحْرم قاطع الرحم من البركة وتؤدي إلى تفكك المجتمع وضعفه:

قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ تَعَالَى لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِثْلُ البَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ» (رواه أبو داودَ).

فصلة الرحم تكون بالإحسان إلى الأقربين وهي واجبة على كل مسلم  وتكون سببا في رضا الله والبركة في الرزق، وتكون سبباً في قوة المجتمع وتماسكه.

آثار صلة الرحم

1- البركة في العمر.

2- والزيادة في الرزق.

3- حصول البركة في الرزق والعمر من خلال البركة في الوقت لأداء الطاعات وإتقان العمل.

4- صلة الله تعالى للموصل، قال تعالى في الحديث القدسي: «أَلَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟» (رواه البخاري).  

وأثر صلة الرحم على الواصل رحمه: له الأجر والثواب   -الراحة النفسية   –  الشعور بالعزة والقوة

وأثر صلة الرحم على الأرحام: عموم الخير بين الأهل   –  زيادة الألفة والمحبة  – التلاحم الأسري

وأثر صلة الرحم على المجتمع :  علو المجتمع ورقيه   –   قوة المجتمع وتماسكه  – تلاحم المجتمع.

اقرأ أيضاً  جزاء الإحسان

ثانياً:

السَّعَةُ في الرزق

بَيِّنَ الرسول صلى الله عليه وسلم أن صلة الرحم سبب في السِّعَةِ في رزق المسلم، ويُراد بالرزق في الحديث رزقان: رزق أُخروي من الثواب والمغفرة والمكانة، ورزق دنيوي من مال وصحة وولد وراحة نفس، وهداية لله تعالى، وسُمْعَةٍ طيبة، وعلم نافع.

أسبابِ السَّعَةِ في الرزق

1- تقوى الله تعالى:

قال رب العزة : “وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ” [سورة الطلاق:2 – 3]. 

2- لزوم الاستغفار:

عن ابن عباس قال صلى الله عليه وسلم قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: [ مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضيقٍ مَخْرَجًا, وَمِنْ كُلِّ هَمْ فَرَجًا, وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ] (رواه أبو داود وابن ماجة).

3- الدعاء:

عن سلمان صلى الله عليه وسلم قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم «إِنَّ اللَّهَ حَبِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي إِذَا رَفَعَ الرّجُلُ إِلَيْهِ يَدَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا خَائِبَتَيْنِ» (رواه الترمذي).

4- دوام الشكر لله تعالى:

قال تعالى: (مَا يَفْعَلُ اللهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَءَامَنتُمْ(147) (سورة النساء)

سبب الحرمان من الرزق، يكون بارتكاب المعاصي وكثرة الذنوب:

يقول صلى الله عليه وسلم: ( لَا يَزِيدُ فِي الْعُمْرِ إِلَّا الْبِر, وَلَا يَرُدُّ الْقَدَرَ إِلَّا الدُّعَاءُ, وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِخَطِيئَةٍ يَعْمَلُهَا)(رواه ابن ماجه).

الأعمال التي يبادر بها الإنسانُ في حياته، ويستمر أجرُها بعد موته

1- الصدقة الجارية، والعلم النافع، والولد الصالح:

قال الصادق المصدوق  صلى الله عليه وسلم : «إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلاثةِ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» (صحيح  مُسْلِمٌ).

2- الدلالة على فعل الخير:

قال الصادق المصدوق  صلى الله عليه وسلم: «مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْل أَجْرٍ فاعله» (رواه مسلم).

زر الذهاب إلى الأعلى