مع اللَّه ورسوله وولي الأمر
مع اللَّه ورسوله وولى الامر
سبب نزول الآيات الأولى من سورة الحجرات
قالَ الحَسنُ البصري رحمه الله: أنَّ أُناسًا ذبحوا يوْمَ الأضحى قبلَ الصَّلاةِ، فنزل قولُ اللَّهِ تَعَالَى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ)، وأمرهم رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُعيدوا ذبحًا آخرَ.
ـ وسبب النهي عن تقديم الأضحية على صلاة العيد، لأن التوجيه النبوي أن تكون( ذبح الأضحية ) بعد صلاة العيد الى أخر أيام التشريق.
سورة الحجرات
معاني المفردات الواردة في الآيات 1: 10 من سورة الحجرات
لَا تقَدِّمُوا: لا تسبقوا النّبيَّ بقول أو فعل.
وَلَا تَجْهَرُوا: لا تنادوا النبي باسمه.
تَحْبَطَ: تُبطل وتُفسد .
يَغُضُّونَ: يخفضونَ.
امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ: أخلصها (جعلها خالصة).
فَاسِقُ: خارج عن الطاعة.
لَعَنِتُّمْ: أصابكم الشقاء والشدة.
الرَّاشِدُونَ: الثَّابتون على الحقِّ.
بغت: تعدّت.
تفيء: ترجع
وَأَقْسِطُوا: واعدلوا.
دلالات الآيات1: 10 من سورة الحجرات
أولا: قدوتنا رسول الله. ثانيا: توقير رسول الله.
ثالثا: اليقين طريق الرَّشادِ. رابعا: المسلمون وواجبُ منْعِ الفِتْنَةِ
الشرح والتفصيل
أولاً: قدوتنا رسول الله
بدأت السورةُ الكريمةُ بالنَّداءِ، تنبيهًا على أهميّة الأمر، والمنادى هم المؤمنون، تحذيرًا لهم؛ ليتجنبوا خطرًا عظيمًا، ألا وهو أداء العبادات قبل وقتِها، كالّذينَ ضحوا قبلَ صلاة عيد الأضحى فلمْ تُقْبل عبادتهم؛ لأنّهم قدموا رأْيَهُم على أمرِ اللَّهِ تَعَالى وأمرِ رسول صلى الله عليه وسلم، كما لو قصد أحدٌ أنْ يصلّي صلاةَ الظُّهرِ قبل دخولِ وقتِ الظُّهرِ، فلا تُقْبلُ منه، ولا تسقط عنه الصلاة، فيجب على المسلم أن يتبعَ أمرَ اللَّهِ تَعَالى وأمرَ رسوله؛ لأنَّه يحكم بحكم الله تعالى وهو قدوتنا الحسنة صلى الله عليه وسلم.
والنبيُّ هو ولي الأمر، وقائد المسلمين وهو الحاكم ، ولذلك لا يجوز لأحد أن يتقدم برأيه على رأي ولي الأمر .
مخاطر عدم تنفيذ أوامر ولي الامر
1 ـ إثارة الفرقة والفوضى في المجتمع.
2- الإساءة لهيبةِ الدّولة واحترامها بين الدول.
3- ضياع مصالح النّاس.
ولذلك شدّدَ اللَّهُ عَزَّوَجَل في التحذير من هذهِ الأخطار، فقال سبحانه: ( وَانَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)، أَي اتَّبعوا ما أمركمْ ربُّكُمْ بهِ واجتنبوا ما نهاكم عنه فهو سبحانه يسمع قولكم، ويعلمُ نواياكم وأفعالكم، وسيجازيكم بها.
ثانيا: توقير رسول الله:
تعظيمًا لقدرِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وحفظًا لهيبته ووقارهِ، حذَّرَ اللهُ الصّحابة رضي عنهم:
من أن ترتفع أصواتهم في حضرته، أو أنْ يُخاطبوه كما يُخاطِبُ بعضُهُم بعضاً، بلْ يُخاطبوه بهدوءٍ وسكينةٍ وبما يليقُ بهِ، فاللهُ عَزَّ وَجَل خاطبه في بـ”أيها النبيُّ”، و “يا أيها الرسول”.
وقَدْرُه صلى الله عليه وسلم ميتاً كقَدْرِهِ حيًّا، فمن زار مسجدَهُ صلى الله عليه وسلم: عليهِ أنْ يلتزمَ السَّكينة والوقار، فلا يرفع صوته، وهذا التحذيرُ لكي لا يبطل عمل المؤمن وهو لا يدري، فلما نزلت هذه الآية الكريمة، كانَ الصّحابة إذا كلّموا النبي، خفضوا أصواتهُمْ، فقالَ اللهُ تعالى عنهم ولمن يقتدي بهم: “أوَلَيْكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمُ” أَي جعلَ اللهُ تعالى قلوبهم خالصةً للتَّقوى، فأنعم سبحانه عليهم بالغُفرانِ والأَجْرِ العظيم.
عندما جاء وفد من بني تميم إلى الرسول عليه السلام، وكان الرسول في بيته، فنادوه: يا محمد اخرج إلينا، وهذا لا يليقُ برسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فلم يدرك هؤلاء القومُ ما ينبغي لهمْ منَ الصّبرِ حتّى يخرجَ النّبيُّ صلى الله عليه وسلم من بيته، فيعرضوا عليه حاجتهم، خوفًا منْ أنْ يغضبَ النّبيُّ صلى الله عليه وسلم من فعلهم، فيغضبَ اللهُ تَعَالى لغضبه، ومن يقدِرُ على غضب اللهِ عَزَ وّجَل! ولتشرقَ نفوس المؤمنينَ بالأمل والأمانِ؛ ختمَ اللهُ تَعَالى الآية الكريمة بأنّهُ غفورٌ لمنْ أخطأ وتابَ، ورحيم بعبادِه سُبحانَهُ وَتَعَالى.
فتوقير النبي صلى الله عليه في حياتنا اليومية يكون، بالتزام تعاليمه والاستماع وتطبيق أحاديثه، والتسليم عليه بوقار عند زيارة مسجده.
ـ وتقدير ولي الأمر ( الحاكم ) يكون بالتزام تعاليمه وأوامره وقراراته.
ثالثا: اليقين طريق الرَّشادِ:
أرسل النبي عليه السلام، الوليد بنَ عُقبةَ، إِلى قبيلة بَنِي المُصْطَلِقِ ليجمعَ الصدقات، وكان بينه وبين بني المصطلق عداوة في الجاهلية، فخرج القومُ لاستقبال الوليد بن عقبة، تعظيمًا للَّه ولرسوله فخاف منهم وهابهُمْ فرجعَ منَ الطَّرِيقِ إلى رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وقالَ: إنَّ بني المُصْطَلِق قد منعوا صدقاتهم، وأرادوا قتلي، فغضب رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فعلِمَ بنو المُصْطَلِقِ برجوع الوليد، فذهبوا للنبي عليه السلام، وقالوا سمعنا بقدوم برسولِكَ، فخرَجْنا لمقابلته، ونُكْرمُه، ونعطيه مَا قِبَلَنَا مِنْ حق الله تعالى، فبدا له في الرّجوع، فخفنا أنْ يكونَ رجوعه بتوجيه منك، بسبب غضب علينا, وإنا نعوذ بالله من غضبه، وغضبِ رسولِه، فأنزلَ اللهُ تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا)، وهذا أمر موجه للمؤمنينَ، بأنْ يتأكدوا من صحة ما يرد إليهم منْ أخبار قبلَ أنْ يتصرّفوا أَيَّ تصرُّف عنْ عدم علم بالحقيقة، فيجرُّ عليهم أو على غيرهم الكوارثَ فيندموا بعد فوات الأوان، قال صلى الله عليه وسلم : «التَّأْنِّي من اللهِ والعَجَلَةُ من الشَّيطانِ» (الهيثمي). ولو سمع النبي عليه السلام النَّاسَ في كُلِّ ما يقولون كما قال الوليدِ بن عُقْبَةَ، لوقعَ النَّاسُ في وشقاء وشدة ومصائب، وتسبب ذلك في حربٍ بدون وجه حق، واللهُ تعالى لا يريدُ الحرج والمشقةَ للعبادِ، فقد حبَّبَ إليهم الإيمان فملأ قلوبهم، وتزيَّنَتْ بهِ، وكرَّهَ إليهمُ الكُفْرَ وتعدّي حدودِ اللهِ وعصيان أوامره، ليملؤوا الدُّنيا خيرًا وسعادةً وأمنا وأمانًا، وهذا هو سبيل المؤمنينَ الثَّابتين على الحقِّ والملتزمين به، وهذا الخطاب للمؤمنينَ يحرك هممهم للثبات على الإيمان، وعدم الانجرار خلفَ دُعاةِ الفتْنةِ والضَّلالِ الّذين تُحرِّكُهم مصالح فرديَّةٌ ضيقةٌ، وتنبه الآياتُ النَّاسَ، إلى أنَّ اللهَ عليم بما يقولون ويفعلون، حكيم فيما شرع لهم منَ الدِّينِ، تكرُّمًا وإنعامًا منهُ عَزَّ وَجَلَ، لأنَّ فيه سعادتهُمْ وطمأنينتهُمْ.
أخطار التسرع في إصدار الحكم
1- وقوع الناس في الشدة والحرج.
2- الانجرار الى حرب لا مبرر لها.
3- التعرض لعذاب الله يوم القيامة.
رابعا: المسلمون وواجبُ مِنْعِ الفِتْنَةِ
إنَّ الأخبار الكاذبة والإشاعات سبب من أسبابٍ حصولِ الفِتْنةِ بينَ النَّاسِ، وكذلك النَّميمةُ والطَّمَعُ والحسد، وقد حرَّمَ الإسلام كل هذا وغيره مما يقود إلى الخصام بينَ النَّاسِ إلّا أنّهُ أحيانًا – تتطوَّرُ الخُصومةُ بينَ فئتين من المؤمنين وتنزلقُ الأمورُ إلى الحرب بينهما عندها يجب على أهلِ الحلَّ والعَقْدِ منَ المؤمنينَ أنْ يُصْلحوا بينَ المُتقاتلين، ويمنعوا سفك الدماء، ويُعيدوا الحقوق إلى أصحابها، ليُزيلوا الحقد والكراهية من قلوب الطرفين ولدولة الإمارات العربيَّة المتّحدة مواقف مشرّفةٌ في رأبِ الصَّدْعِ بين المسلمين، ومسح آثار الخصومة عنهم، فإن التزمَ الطَّرفان بالصُّلْحِ، تحقَّقَ الخيرُ لهما، أما إذا عاد أحدهما واعتدى على الآخر فهذا ظلم كبيرٌ وعدوان على الأرواح والأعراض والأموال، وعلى أهلِ الحلَّ والعَقْدِ أنْ يُقاتلوا البغاةَ، ويمنعوهم بالقوَّةِ، طاعةً للَّهِ تَعَالى، وجهادًا في سبيلهِ، لأنَّ المُعتدي بتسلطه، إنّما يجلب الويلات والمصائب على الأمة، ويُهدِّد وجودها فلا بدَّ منْ ردعِه ومنعه وكسر غرورِهِ، حتّى يستجيب للحقِّ، ويستسلم له عندها يبدأ أهل الحكمة والفضلِ للإصلاح بينهُمْ بالعدلِ وفق العُرْفِ والمصلحة، لأنَّ المولى عَزَّ وَجَل يحبُّ العدل والعادلين، ولأنَّ المؤمنين أخوة، فمن تنازل عن شيء، أو أعطى شيئًا، فإنّما يتنازل لأخيه، وهذا يعيد المودَّةَ بين المسلمين، ويعيد لهم وحدتهُمْ وأمنهُمْ واستقرارهُمْ، وهذه رحمةُ رَبِّهِمْ بهم.
قال تعالى: (أُوْلَئكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ)، من خلالِ معنى (الرَّاشِدُونَ )، يتضح المقصود بترشيد الاستهلاك وترشيد النفقات:
ترشيد الاستهلاك: هو توجيه الفرد لكيفية عدم الإسراف في الموارد من خلال خطط واعية.
أما ترشيد النفقات الشَّخصيَّة: فهو الابتعاد عن النفقات والمصروفات البذخيِّة.
قال صلى الله عليه وسلم: «انصُرْ أخاك ظالمًا أو مظلومًا» ( البخاري)، فنصرة الأخ إذا أخذَ حقٌّ غيره، تكون بمنعه عن الظلم .