أحكام الإسلام

منهج التفكير في الإسلام

منهج التفكير في الإسلام

لقد كرم الله مجلات على الإنسان على سائر المخلوقات، ومنحه عزوجل القدرة على التمييز بــه بـيـن الخـيـر والشر، والحق والباطل، والصواب والخطأ، ومنهجية التفكير في الإسلام تقــوم عـلـى النقد والتمحيص في خطوات أبعد من مجرد الفهم، والدعوة إلى تجاوز حدود الفهم السطحي للأفكار والأخبار و إعمال الفكر في تحليلها للوصول إلى الحقائق، واختيار الأفضل، وقـد مـدح الله على الذين استخدموا عقولهـم فـي التمييز بين الحسن والقبيح في قوله تعالى: ( الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أَوَلَئكَ الَّذِينَ هَدَتْهُمُ اللَّهُ وَأُولَئكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبَابِ ) (الزمر 17-18).

نتائج التفكير السطحي في الأمور

1- عدم  حل أي مشكلة ولا الوصول إلى النتائج السليمة.

2- عدم القدرة للوصول إلى الحقائق.

3- ضعف بالتمييز واختيار الأفضل.

مفهوم التفكير الناقد

هو تفكير تأملي هادف، يستعين بقواعد الاستدلال والمنطق والاحتمالات، للوصول إلى حل مشكلة ما أو لتقييم أمر معين.

أثر غياب التفكير الناقد

1- التغرير بالشباب وتغيير أفكارهم.

2- التقليد وتكرار الوقوع في الخطأ.

3– العجلة و اخذ العلم من غير مصادره.

.4– سوء الظن بالآخرين واتهامهم والشك بهم.

مهارات التفكير الناقد في الإسلام

1- دعا الإسلام إلى التفكر والتأمل، قال تعالى: (وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَطِلا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) (آل عمران 191)

2- دعا الإسلام إلى جمع المعلومات والاستقصاء، قال تعالى: ( قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ ) (العنكبوت)

3- دعا إلى إقامة الحجة والدليل، قال تعالى: (قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) (النمل (64)

4- دعا إلى الحوار وتقييم الآراء بموضوعية، بعيدًا عن التحيز والذاتية، قالَ تعالى: ﴿ وَإِنَّا أَوْ إيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ﴾ (سبأ 24). وقال تعالى: ( وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ) (النحل 125)

اقرأ أيضاً  صلاة التطوع ( الضحى والليل )
مهارات التفكير الناقد في تفكير سيدنا إبراهيم

أدرك سيدنا إبراهيم عليه السلام  أن الذي يتغير لا يصلح أن يكون إلها مدبرا للعالم، كما كان يعتقد قومه أن الكواكب والشمس والقمر هي التي تدبر العالم، فمهارات التفكير الناقد التي استخدمها إبراهيم عليه السلام هي التفكر والتأمل والاستقصاء وجمع المعلومات.

والنتيجة التي توصل إليها سيدنا إبراهيم عليه السلام من خلال التفكير والتأمل هي أن الإله الذي يستحق أن يُعبد لا يمكن أن يأفل ( يتغير ).

قال صلى الله عليه وسلم: ( كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع ) فالحديث الشريف يحذر من  خطر الإشاعة، فيجب التأني والتثبت في الأخبار.

أهمية التفكير الناقد

المسلم  في حاجة إلى التفكير الناقد في حياته ومواجهة مواقفها المختلفة، وحفظ النفس من الوقوع في الأخطاء:

 1- تدريب الإنسان على البحث والاستقصاء والتعلم الذاتي.

2- الابتعاد عن التعصب والتشدّدِ والتطرف.

3- اكتساب الإنسان القدرة على الحوار والتواصل مع الآخر.

4- فهم المحتوى المعرفي للمواضيع.

5 – إثارة التساؤلات الذكية لدى المتعلمين .

دلالة القول الآتي: ( كل يؤخذ قوله ويُرَدُّ إِلَّا صاحب هذا القبر), يعني الرسول صلى الله عليه وسلم، إن ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فهو من العلم الصحيح المُسَلَّمِ به، لكنَّ الآراء قابلة للنقاش والحوار بعيدًا عن التزمتِ والتَّشَدّدِ، وكل إنسان يخطئ ويصيب ولا أحد معصوم من الخطأ إلا النبي صلى الله عليه وسلم، والاختلاف بين العلماء أمر طبيعي ووارد ولكنه ليس خلافاً وتنازعاً.

أهداف التفكير الناقد

للتفكير الناقد أهداف كثيرة، منها:

1-اتخاذ القراراتِ الصّحيحة.

2- حل المشكلات ومواجهة المستجدات على أساس العلم والمعرفة.

3- تجنُّبُ الفرد والمجتمع الوقوع في الخطأ والتقليل من احتمالاته.

4- تحقيق التقدم على أسس ثابتة وسليمة.

اقرأ أيضاً   المدارس الفقهية

5- تحسين قدرات الأفراد في الوصول إلى حل المشكلات بسهولة.

6- تطبيق الحوار والتعاون بين الأصدقاء والزملاء للوصول إلى حلول صحيحة.

مهارة التفكير الناقد في السنة النبوية

في حديث سهل بن سعد الساعدي أنه قالَ: ( مَرَّ رَجُلٌ عَلى رَسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: مَا تَقُولُونَ فِي هَذَا؟ قالوا: حَريٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ يُنْكَحَ, وَإِنْ شَفَعَ أَنْ يُشَفِّعَ, وَإِنْ قَالَ أَنْ يُسْتَمَعَ, قَالَ: ثُمَّ سَكَتَ, فَمَرَّ رَجُلٌ مِنْ فُقَراءِ الْمُسْلِمِينَ, فَقالَ: ما تقولونَ في هَذا؟ قالوا: حَريٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ لا يُنْكَحَ, وَإِنْ شَفَعَ أَنْ لا يُشَفْعَ, وَإِنْ قالَ أَنْ لا يُسْتَمَعَ, فَقَالَ رَسولُ اللَّهِ: هَذا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الْأَرْضِ مِثْلَ هَذا). (صحيح البخاري)

فيه تعليم للصحابة عدم الحكم على الناس بمظهرهم وإنما بأعمالهم وقلوبهم وعليهم التروي وعدم التسرع في الحكم على الآخرين.

لقد طبق النبي صلى الله عليه وسلم التفكير الناقد في الحديث:

فعنْ أَبي هُرَيْرَةَ: ( أَنَّ رَجُلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فَقالَ: يا رسولَ اللهِ، وُلِدَ لي غُلَامٌ أَسْوَدُ, فَقَالَ: هَلْ لَكَ مِنْ إِبل؟ قالَ: نَعَمْ, قال: ما أَلْوانُها, قالَ: حُمْرُ, قَالَ: هَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَأَنّى ذَلِكَ ؟ قَالَ: لَعَلَّهُ نَزَعَهُ عِرْقُ, قَالَ: فَلَعَلَّ ابْنَكَ هَذَا نَزَعَهُ). (رواه البخاري)

الموضوع فيه شبهة في النسب والشرف وعلامتها اختلاف لون الطفل عن أبويه،

لكنَّ النبي وجه تفكير الرجل بربطه بالواقع الذي يعايشه ويعرفه عن قرب وذلك بالقياس وضرب المثل بالإبل نحوَ التَّفكير الناقدِ.

فكان أثر التفكير الناقد على حياة هذا الرجل أنْ أزال عنه الشك الذي كان في داخله تجاه ولده وزوجته.

بناءً على ما سبق حاول فهم سمات الشخصية الناقدة: كان ربيعة بن كعب مرة يخدم النبي صلى الله عليه وسلم, ويقوم على حوائجه، قال ربيعة، فقال لي يَوْمًا لِما يَرَى مِنْ خِفَّتِي لَهُ وَخِدْمَتِي إِيَّاهُ: سَلْني يا رَبيعَةُ أُعْطِكَ، فَقُلْتُ: أَنْظُرُ في أَمْرِي يَا رَسُولَ اللَّـهِ ثُمَّ أُعْلِمُكَ ذَلِكَ، فَفَكَّرْتُ في نَفْسي فَعَرَفْتُ أَنَّ الدُّنْيا مُنْقَطِعَةٌ زائِلَةٌ، وَأَنَّ لي فيها رِزْقًا سَيَكفيني وَيَأْتيني، فَقُلْتُ أَسْأَلُ رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِآخِرَتي فَإِنَّهُ مِنَ اللهِ عَرْو جل بِالْمَنْزِلِ الَّذِي هَـوَ بِهِ، فَجِئْتُ، فقال: ما فَعَلْتَ يا رَبيعَةُ؟ فَقُلْتُ نَعَمْ يا رَسولَ اللهِ أَسْأَلُكَ أَنْ تَشْفَعَ لي إِلى رَبِّكَ فَيُعْتِقَنِي مِنْ النار, فقال: مَنْ أَمَرَكَ بِهَذا يا رَبيعَةُ؟ فَقُلْتُ: لا والله الذي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أَمَرَنِي بِهِ أَحَدٌ، وَلَكِنَّكَ لَمَا قُلْتَ سَلْنِي أُعْطِكَ، وَكُنْتَ مِنْ اللَّهِ بِالْمَنْزِلِ الَّذِي أَنْتَ بِهِ، نَظَرْتُ فِي أَمْرِي وَعَرَفْتُ أَنَّ الدُّنْيا مُنْقَطِعَةٌ وَرَائِلَةٌ، وَأَنَّ لي فيها رِزْقًا سَيَأْتيني، فَقُلْتُ أَسْأَلُ رَسولَ صلى الله عليه وسلم لِآخِرَتي. فَصَمَتَ رَسولُ صلى الله عليه وسلم طويلا، ثُمَّ قال لي: إِنّي فَاعِلٌ فَأَعِنِّى عَلى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجود )  ( رواه أحمد)

اقرأ أيضاً  فرائض الصلاة وسننها ومكروهاتها

إذا تأملنا الحوار السابق بين الرسول صلى الله عليه وسلم وربيعة  نستطيع أن نستنتج منه الآتي:

1- عدم التسرع في الطلب مباشرة دليله قول ربيعة: ( أَنْظُرُ فِي أَمْرِي يَا رَسُولَ اللَّهِ ).

2- على عقليّة مفكرة غير متسرعة.

3- التأمل بعيدًا عمّا يشتّتُ التفكير قول ربيعة  ففكرت في نفسي.

4- التفكير العلمي القائم على الفروض العلمية واختبارها ودليله قول ربيعة فَعَرَفْتُ أَنَّ الدُّنْيا مُنقَطِعَةٌ زائِلَةٌ، وَأَنَّ لي فيها رِزْقًا سَيَكفيني وَيَأْتيني. فَقُلْتُ أَسْأَلُ رَسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِآخِرَتي؛ فَإِنَّهُ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَل بِالْمَنْزِلِ الَّذي هُوَ بِهِ).

5- ترتيب الأولويات ودليله فقلتُ: أسال رسول الله لآخرتي، فصمت رسول الله صلى الله عليه وسلم طويلا ثم قال: إني فاعل فأعني على نفسك بكثرة السجود.

6- القدرة على نقدِ الشّيء بحجة ودليله معرفة ربيعة سبب اختياره في قوله: وعرفت أن الدنيا منقطعة وزائلة وأن لي فيها رزقا سيأتيني فقلت أسال رسول الله لآخرتي.

والدليل على عناية النبي بتعليم الصّحابةِ التّأمّلِ والتّدبّر “التفكير الناقد”:

قوله صلى الله عليه وسلم : ( مَثَلُ القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة …).

( البخاري )

زر الذهاب إلى الأعلى