الهوية والانتماء

طاعة ولي الأمر

طاعة ولي الأمر

شرع الله تعالى للعبادِ منَ الأحكام ما تقوم به مصالحهم، وتتحقَّقُ بهِ سعادتُهُمْ في الدُّنيا والآخرة، ومن حسنِ تدبيره ورحمته بهم أمره باختيار الحاكم؛ ليسوسَ النَّاسَ وينظم شؤونَهُمْ، ويسهر على تحقيق مصالِحِهِمُ الدنيوية والدِّينِيَّةِ.

– فمن الواجب على عامَّةِ الشَّعب تجاه الحاكم ليتمكن من أداء دوره،

احترامه و تقديره و محبته و طاعته

حكم طاعه ولى الامر

اهتم التشريع الإسلامي بتنظيم العلاقات بينَ الناسِ، ومِنْ ذلك: طاعةُ ولي الأمر، فهيَ منْ أهم حقوقِ الحاكم على رعيته، وبه يتحقق الأمن والاستقرار في الأوطانِ، قَالَ تَعَالَى: ( يَا أيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمر منكم (59) ( النساء).

والحاكم هو: قائد المسلمين ولهُ الولايةُ العامَّةُ، وتقعُ عليه مسؤوليّةُ حفظ الحقوقِ وأداء الواجبات تجاه رعيَّتِهِ أو شعبِهِ ومَنْ يخضعونَ لِحُكْمِهِ وسلطانِهِ، ويُنْظَرُ إليه على أنَّهُ وكيل عنِ الرَّعيَّةِ في تحقيق العدل والقيام بالقسط  وإقامةِ الشَّرائعِ والشَّعائرِ،.

 ويُعَدُّ رأس الهرم في السلطة، وهو بمثابةِ الرَّأْسِ مِنَ الجسد، وقد أجمع الفقهاء على أن وجودَ الحاكم واجب ديني وضرورة اجتماعيَّةُ لتحقيق أمورِ الدِّينِ والدُّنيا، فأما كونُ وجوده واجبًا دينيًّا؛ فذلك لأنَّ اللهَ جلَّ وعلا أمر بطاعتِهِ، وبهذِهِ الطَّاعة تتحقَّقُ وحدةُ الصَّفَ والكلمة، وأما كون وجوده ضرورة اجتماعيّةُ، لأنَّ أي مجتمع لا يستغني عن الحاكم، فهوَ يقوم بسياسة أمور الناس ويحمي مصالحَهُمْ، وينظم حياتَهُمْ، وبدونِهِ تضيعُ الحقوق، وتُعطَّلُ المصالح، وتشيعُ الفوضى. قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ( إِنَّما الإمامُ جُنَّةٌ يقاتَلُ مِنْ ورائِهِ ويُتَّقَى بهِ) (البخاري).

اقرأ أيضاً  التقليد الأعمى (مفهومه ومخاطره)

 فأوجب الله تعالى طاعة ولي الأمرِ، وإِنْ أَمَرَهُمْ بِأَمرٍ لَا يَظْهَرُ لَهُمْ وجه المنفعة فيه، فخبرة ولي الأمر وقدرته على استشراف المستقبلِ تؤهّلُهُ لاتخاذ القرارات الصحيحة التي يعم خيرها على العباد والبلاد، وفي تنفيذ أوامرِهِمْ طاعة لله تعالى ورسوله، يثاب عليها الإنسانُ في الآخرة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( منْ أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد الله، ومنْ يُطِعِ الأمير فقد أطاعني، ومَنْ يَعْصِ الأمير فقد عصاني) (رواه البخاري).

العلاقة المثالية بين الحاكم والمحكوم

العلاقة بين الحاكم والمحكوم قائمة على التكامل والتعاون والمحبة، فالحاكم والمحكوم في المنظور الإسلامي ليسا طرفين متناقضين، ولا متنازعين، بل هما متآلفان ومتكاملان. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( خيَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ، وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ) (مسلم)، فلا يُتَصَوَّرُ وجود حاکم بدونِ شعب يحكمه، كما لا يتأتى أن يكون شعب ليس له حاكم يقوده ويرعى مصالحه وعلى هذا، لا بد أن تكون العلاقة بين الحاكم والمحكوم من جملة العلاقاتِ الشَّرعيّة والإنسانيَّةِ، الَّتِي تُبنى على المحبة، والرَّحمةِ والصَّبرِ، والتَّعاونِ والتَّراحَمِ المتبادل، بلْ تُبنى على جميع مكارم الأخلاقِ الإسلاميَّةِ الَّتي أمرنا الإسلامُ بها، وفي عنقِ كلّ منهما واجبات يؤديها تجاه الآخر.

واجبات الحاكم

 فالحاكم المسلم عليه واجبات تجاه رعيَّتِهِ، تتمثل في:

1- حفظ الدِّينِ.

2- إقامة العدل، وتنفيذ الأحكام.

3- سياسة أمور النَّاسِ.

4- حفظ الحقوق.

حقوق الحاكم تجاه الرعية

 وللحاكم في عنق رعيّتِهِ حقوق منها:

1- حقُ السمع والطاعة بالمعروف.

2- والإكرام والإجلال.

 3-النّصيحةُ.

 4- الرفق واللين.

5- المعونة في كل ما يحتاجُهُ.

 6- الدُّعاءُ لَهُ بالصَّلاحِ والتَّوفيق.

 ويدلُّ على ذلك قول رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ( اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا، فَإِنَّمَا عَلَيْهِمْ مَا حُمِّلُوا، وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ) (مسلم) وقال صلى الله عليه وسلم: ( عَلَيْكَ السَّمْعَ وَالطَّاعَةَ فِي عُسْرِكَ وَيُسْرِكَ، وَمَنْشَطِكَ وَمَكْرَهِكَ، وَأَثَرَةِ عَلَيْكَ) (مسلم).

اقرأ أيضاً  بيئتي أمانةٌ ( مفهومها والعناية بها )

– لقد جاءَ الأمر بطاعة ولي الأمر مقرونا بالأمر بالسمع في عدة مواضعَ مِنَ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ للتأكيد على أهمية سماع كلام الحاكم.

 أهمية لزوم طاعة ولي الأمر

إنَّ من مقاصدِ الإسلام حفظ الدين والعقلِ والنَّفسِ والعِرضِ والمال، وكلُّ هذه الأمور لا تتحقَّقُ إلا بوجودِ حاكم يسهر على تحقيقها، ولا يتسنّى له ذلك إلا ببناء علاقة طيبة ومستقرة بين الحاكم والمحكوم، مبنية على الحب والطَّاعةِ، فأوجب الإسلام طاعة ولي الأمر، وحرَّمَ الخروج على طاعتِهِ؛ ضمانًا لوحدة المجتمع ودرءا للفتن والمفاسد، فلقد أوردَ الإمام مسلم في صحيحِهِ ( بَاب وُجُوبِ مُلَازَمَةِ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَ ظُهُورِ الْفِتَنِ…):

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: ( مَنْ خَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ فَمَاتَ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً, وَمَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ, أَوْ يَدْعُو إِلَى عَصَبَةٍ, أَوْ يَنْصُرُ عَصَبَةً فَقُتِلَ فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ, وَمَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا, وَلَا يَتَحاشَى مِنْ مُؤْمِنِهَا, وَلَا يَفِي لِذِي عَهْدِ عَهْدَهُ, فَلَيْسَ مِنّي وَلَسْتُ مِنْهُ) (مسلم).

فالاتحاد وتعزيز مكانته واجب عملا بقولِ اللهِ تعالى: ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا )(آل عمران:103) وضرورةُ نبذ الَّذينَ يريدون تكريسَ التَّحزُّبِ بغية تفريق الكلمة وشقّ الصَّفٌ، امتثالا لوصيَّةِ الشَّيخ زايد – طيِّبَ الله ثراه- الَّذي حذَّر من هؤلاء المنبوذينَ الَّذينَ يريدون إغراق سفينة الاتحادِ، بقوله: ( إذا كنا في هذه الدولة نستقل سفينةً واحدةً هي سفينةُ الاتحادِ.

فهذه المقولة صحيحة: (لا دينَ إلَّا بجماعة، ولا جماعة إلا بوليّ أمرٍ)، لأن  تطبيق الشريعة لا يتحقق إلا بطاعة ولي الأمر فكل من خرج على الحاكم لم يحصد إلا المزيد من الفوضى

 أثر طاعة ولي الأمر في تحقيق مقاصد شريعة

طاعة ولي الأمر له أثر في تحقيق المقاصدِ الضّروريّةِ للشَّريعة الإسلامية:

اقرأ أيضاً  الاستدامة في المنهج الإسلامي

1- حفظ الدِّينِ يؤدي إلى حرية إقامة الشعائر.

2- حفظ العقل، يحرر العقل من التيارات المتطرفة.

3- حفظُ النَّسلِ، الزواج و التناسل.

4- حفظ النَّفْسِ، الأمن والأمان.

5- حفظ المال، حماية الأموال من السرقة.

 طاعة ولي الأمر أساس للرقي الحضاري

تُعَدُّ طاعةُ ولاة الأمرِ عاملا أساسيًا لتلاحم القائدِ معَ شعبه، وكلما ازدادت القيادة حكمةً وعدلًا وحرصًا على توفير سبل العيش الكريم لشعبها قويت العلاقة بينهما، وسادَ في المجتمع الأمن والطمأنينةُ، وتحققتْ لأفرادِهِ وسائلُ التَّقدم والازدهار، وقد تحققت إنجازات كثيرة في دولة الإمارات العربيَّة المتّحدة في ظل القيادة العادلة والطموحة، التي تستشرف المستقبل وتخطّط لنهضة المجتمع، فترسخت مكانة الاتحادِ، واستُثْمِرَ المالُ في بناء الإنسان وتكريمه، ووُضِعت شؤون المواطنينَ في سُلَّم الأولويات، وأُكْرِمَ كلُّ مقيم على أرضها، فصار في ظلها أبناء الإمارات من أكثر النَّاسِ سعادةً، فقد تصدرت الإمارات قائمة الدول العربيَّةِ للسَّعادة والرضا بينَ الشُّعوب .

 ثمرات طاعة ولي الأمر

طاعة ولي الأمر لها ثمرات عدَّةُ تعود على الفرد والمجتمع ومنها:

1- امتثال أمرِ اللهِ – عزّ وجلَّ – فإنَّ منْ أطاعَ ولي الأمر بالمعروفِ فقد أطاعَ الله تعالى ورسوله.

2- تحقيقُ الرّاحةِ والسَّعادةِ النَّفسيّة والعقليّة والفكرية؛ ففي طاعة ولي الأمرِ وقاية للفرد والمجتمع من الفتنِ والتيارات الفكرية المتطرفة.

3- تلاحم المجتمع وتماسكه، وتقويةُ الصّلة بين الراعي ورعيَّتِهِ وبين أفراد انتظام أمور الدولة وأحوالها.

4- إشاعةُ الأمن والاستقرار في الأوطان.

5- تقدم الدولة وازدهارها.

6- صلاح الدين والدنيا.

7- إشاعة جو الألفة.

زر الذهاب إلى الأعلى