أحكام الإسلام

الجهاد في الله ( مفهومه وأنواعه)

الجهاد في الله ( مفهومه وأنواعه)

مرَّ على النبي صلى الله عليه وسلم رجل فرأى الصحابة من جلده ونشاطه فقالوا: يا رسول الله، لو كانَ جَلَده ونشاطه في سبيل الله (يقصدون الجهاد)، فقال رسول الله : ( إن كان خرج يسعى على ولده صغارًا فهو في سبيل الله، وإنْ كانَ خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على نفسه يعفُّها فهو في سبيل الله، وإنْ كانَ خرجَ يسعى رياءً ومُفاخَرَةٌ فَهُوَ في سبيلِ الشَّيْطانِ).

إضاءة:

قالَ جاهمةُ السُّلَمِيُّ : أتيتُ النبي فقلت: يا رسولَ اللَّهِ؛ إِنِّي كنتُ أردتُ الجهاد معك أبتغي

وجْهَ الله والدار الآخرة، قال صلى الله عليه وسلم: ويحك، ( أحيَّة أمك؟ قُلتُ: نعم يا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ : ( ويحَكَ الزَمْ رِجلَها فتمَّ الجَنَّةَ) (ابن ماجه).

مفهوم الجهاد في الله

الجهادُ لغةً: هو بذل الجهد, ومعنى الجهد إفراغ ما في وسع الإنسان وطاقته لإنجاز شيء ما.

 وفي الاصطلاح للجهادِ معنى عام وآخرُ خاص:

 فالمعنى العام: بذل الجهد بإفراغ  الإنسان كل ما في وسعه وطاقته في جميع وجوه الخير, والميادين المشروعة.

والجهاد بالمعنى الخاص:  هو القتال في سبيل الله تعالى تحت راية الحاكم ( ولي الأمر).

أنواع الجهاد بالمعنى العام

أوَّلًا: جهادُ النَّفسِ والشَّيطان

مدخلُ الشَّيطانِ على الإنسان عن طريق الشَّهوات والهوى، وكل ذلك في النَّفْسُ البشرية؛ حيثُ يَزِيَّنُ  الشَّيطانُ للنفس الشَّهوات، فتستجيب النفس للشيطان، وتجعل في الجسمِ رغبةً كبيرة وضاغطةً على صاحبها ليقع في الشَّهَوَاتِ، لذلك نجد أنه لا يكاد جهادُ النَّفسِ والشَّيطان ينفصلان،( قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْنَنِي لَأَزَيْنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ) ( الحجر: 39)، وماذا يزينُ لهُمُ الشَّيطانُ ؟ قال تعالى: ( زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ (14) ( آل عمران) أي: زُيِّنَتْ في نفوسِ الناس، والنَّفْسُ إذا تعلَّقتْ بشهوة ألحَّتْ  وزينت في طلبها كلما سمحت فرصة لذلك، ولا تنتقل إلى شهوة أخري حتّى تحصل عليها، كالإدمان، ولو تنبَّهَ الإنسان لوسوسة الشَّيطانِ فذكر الله تعالى، تركها الشيطان ووسوسَ للإنسان معصيةً غيرَها، وقد تُهَوِّنُ  وتستصغر النَّفْسُ على صاحبها فِعْلَ المعصية، وهذه هي النَّفس الأمارةُ، فتُمنّي صاحبها مرَّة بالتّوبة وبمغفرة الله تعالى، ومرَّة بطول العمر بما يكفي للعمل الصالح وللاستغفار، ومرة أخرى بأنَّهُ يفعل أقل ممّا يفعل الآخرونَ، أمام كل هذهِ التَّسهيلات يحتاجُ الإنسانُ إلى إرادة قوية وجهد دائم للنّجاة منَ الوقوع في المعاصي، وكلّ شخص مسؤول عن نفسِهِ وعَمَنْ وَلَاهُ اللهُ تعالى مسؤوليَّتَهُمْ يقول تعالى: ( وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ(78) ( الحج) قالَ ابنُ المبارك رحمه الله: مجاهدة النّفس والهوي وهو حقُ الجهاد.

اقرأ أيضاً  التيمم والمسح على الخفين

– فلا كبيرة مع الاستغفار( تمحى ), ولا صغيرة مع الإصرار ( تكون كبيرة ):

معنى (كبيرة) ذنب ثبت فيه حدا أو وعيدا شديدا، ودلالة (الاستغفار): اعتراف بالذنب، والندم  واللجوء الي الله تعالى وتوحيده

أثر عبارة  ( لا كبيرة مع الاستغفار، ولا صغيرة مع الإصرار ) في جهادِ النَّفس والشَّيطان:

1- تبعد اليأس عن الإنسان.

2- تبقي الرجاء في القلب

3- تشجع على التوبة.

4- تحبط مكائد الشيطان.

حبائل الشيطان

للشَّيطانِ حبائل وطرق كثيرة، يستخدمها  الشيطان للإيقاع ببني آدم، وإضلالهم عن الحقِّ، حسدًا وحقدا منه ورغبةً في الانتقام منْ آدم وذريَّتِهِ منها:

1- إغواء الشيطان للإنسان عن طريق الوسوسةُ: قال تعالى: ( فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا ءادَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكِ لَا يَبْلَى(120) (طه).

2- نشر البغضاء والكراهية والعداوة: قال تعالى: ( إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ في الخمر والميسر(91). (المائدة).

3- الصَّدُّ عن دينِ اللهِ: قال تعالى: ( وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاَة ( المائدة: 91).

4- هلالُ النَّفْسِ: قال تعالى: ( وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَدِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ ) [الأنعام: 137].

5- تدمير الأخلاق: قال تعالى: ( الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بالفحشاء…). [البقرة: 268].

حقيقةً جهادِ النَّفْسِ والشَّيطانِ

جهاد النفس يكونُ لهدايتها وثباتها على الحقِّ، فهو لا يعني صراع الذات وتحطيمها، والبلوغ بها إلى درجةِ الاكتئاب، واعتزال الناس والحياة كلها، ولا هو شحنُ النَّفْسِ الدائم بالكراهية والحقد؛ فكل هذا يجعلُ النَّفس فارغة من الخير، لا تستطيع إيصاله للآخرين، ففاقدُ الشَّيء لا يعطيه، بل هدف هذا الجهادِ تحقيق السعادة للنفس في الدنيا والآخرة، وجعلها نفسا مطمئنة إيجابيةً قادرة على القيام بما خُلِقَتْ له على خير وجه، من خلالِ حَمْلها على حب الخير وعمل الخير وكَفَّ الأذى، والبعد عن العداوة والبغضاء التي يبثها الشَّيطانُ بِينَ النَّاسِ، والسَّبِيلُ إلى ذلك تقوى الله تعالى وطاعة رسوله الذي لم يكره ولم يحقد يوما على أحد، فها هو يقول لملك الجبال:

اقرأ أيضاً  فقه ترتيب الأعمال

( أرجو أن يُخْرِجَ اللَّهُ مِن أصلابهم مَن يعبد الله، لا يشرِكُ بِهِ شيئًا) (البخاري)، يقصدُ مَنْ آذَوْهِ وعادَوْهُ مِنَ المشركينَ، يريد لهم الحياة وأنْ يُنجبوا ويتكاثروا، لا أنْ يموتوا، وكان ملك الجبال – عليهِ السَّلامُ – قَدْ قَالَ لَهُ: ( إِنْ شئتَ أَنْ أُطْبِقَ عليهِمُ الأَخشَبَينِ فعلتُ) (البخاري) (أي الجبلين)، فينتهي أمْرُهُمْ بلحظة، فرفض  عليه السلام لأنه الرحمة المهداة  الذي أرسله ربه رحمة للعالمين: ( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُوكَ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمُ (128) (التوبة)

طرق جهادِ النَّفس والشيطان

1- حمْلُ النَّفْسِ وتحفيزها على الطاعات والعبادات: يقول تعالى: ( اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةُ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45) ( العنكبوت)

2- الاستعاذة بالله من الشيطان، يقول تعالى:( وَإِمَا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200) (الأعراف).

3- الصَّبرُ على طاعة الله تعالى والدُّعاءُ بتثبيت القلوب، يقول تعالى: ( رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ (8) (آل عمران).

4- تلاوة القرآن الكريم.

5- الصحبة الصالحة.

 الصوم ودوره في جهاد النفس والشيطان

الصوم رياضه وتدريب على التحكم في شهوة الطعام والشراب، لتمكن  الإنسان من التحكم في شهواته، فكلما مرَّن الإنسان عضلاته زادت قوتها وكلما مرَّن نفسه زادت قوتها.

ثانيًا: جهادُ المنافقين والكفّار

والمقصود هنا المعنى العام للجهاد، إنَّهُ جهاد الكلمةِ؛ حيثُ يقوم على الحوار بالأدلة والإقناع، وإبلاع الدعوة، والرد على أسئلةِ النَّاسِ، قال تعالى: وَجاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا (52) ( الفرقان)، أي بالقرآن، وهذه مهمة عظيمة يقوم بها أهل العلم والاقتدار، من خلال حوار علمي حضاري، وبعيدًا عنْ أيَّ إكراه أو تشنج، فلا يُفضي إلى صراع أو عداء بينَ النَّاسِ، وهذا هو الأصل من جهة المؤمنينَ، وهذا شأنُهُمْ دائما، فنهايةُ حوارِ نبي الله إبراهيم أبِيهِ: ( قَالَ سَلَامُ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيَّا (47) (مريم)، وهذا رسول الله نوح ظل يدعو ولده  حتى اللحظة الأخيرة- إلى النّجاة ويناديه:( يا بنَى أَرْكَب مَعَنَا (42 )(هود)، وخاتم النبيين صلى الله عليه وسلم ظل يدعو عمه أبا طالب حتى آخر لحظة، وظل على تواصل معه، في حين أنَّ فرعون حاولَ النَّيْل من موسى، في نهاية حوارهما، وهذه نهاية غير طبيعية للحوار.

اقرأ أيضاً  الزكاة في الإسلام
حقيقة جهاد المنافقين والكفّارِ (بالمعنى العام)

يقول الله تعالى: ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَلَمِينَ ) [الأنبياء: 107]، قالَ ابنُ عبّاس: مَنْ تَبِعَهُ كَانَ لَهُ رحمةً في الدنيا والآخرة، ومنْ لمْ يَتَّبِعُهُ عوفِيَ ممّا كانَ يُبتلى به سائرُ الأمم منَ الخسف والمسخ والقذف، فقد جاءَ لينقل النّاسَ من سخط الله سبحانَهُ إلى رضاه، ومنَ النّارِ إلى الجنَّةِ، إذن فقد جاءَ للحياة ولم يأتِ للموتِ والهلاكِ فدعا النَّاسَ وحاورهم، وأرسَلَ الرُّسلَ، وكتب الكتب، سعيًا في نجاة البشرية وسعادتها في الحياة الدنيا وفي الحياة الآخرة، وكم عفا وسامَحَ وأحسنَ لمن آذاه، فلم ينتقم ولم يعامل بالمثل، واليوم نجد أكثر بلادِ المسلمينَ سكّانًا، قد أسلمَ أجدادهم بالدعوة والمعاملة الحسنة والأخلاق الكريمة، وقد أقسم صلى الله عليه وسلم فقالَ: ( واللهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللهُ بَكَ رجلًا واحدًا, خيرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حمرُ النَّعَم ) (البخاري)، فتأمل عظمة هذا الدين وعظمة رسوله .

وكان المنافقون يعيشون في المدينة، وكانَ النَّبي الله لا يَعْرِفُهُمْ، ولم يقتل أحدًا منهُمْ، حَتَّى إِنَّهُ لَمْ ينشر أسماءَهُمْ على الملأ، بل أودعها عند كاتم سره حذيفة بن اليمان الذي لم يخبر عنها أحدًا، حتَّى بعد وفاة سيِّدِنا محمد صلى الله عليه وسلم حفظا للسلم الاجتماعي والمصالح العامة، فكانتْ أولويته إنقاذ النَّاسِ وفلاحَهُمْ، وهذا هو الخيرُ الحقيقي، وهوَ أحبُّ إلى اللهِ تعالى وأعظم أجرًا.

طرق جهاد الكفّار والمنافقين (الجهاد بالمعنى العام)

1- الحوار بالأدلة العلمية والمنطقيّة.

2-  الرد على الشبهات وبيان زيفها بالحجج القاطعة.

3- توضيح حقيقة الإسلام، وإزالة الغموض عنه، تجنبا لسوء الفهم من قبل الباحثين والدارسين وغيرهم.

4- كشف زيف المدعين الذين يشوهون صورة الإسلام، وبيان خطرهم على المسلمين.

5-عمل موقع على الإنترنت.

النفس بين الاستهانة والتكبر

بعضُ النَّاسِ يبدأُ حديثه بوصف نفسِهِ بالتقصير، وأنَّهُ أقلُّ ممَّنْ يتحدَّثُ إِليهِمْ (علما ومعرفةً)، وأَنَّهُ كثير الخطأ؛ ظنا منه أنَّه يتواضع بذلك، ويشد انتباه الآخرينَ إليه، والحقيقة أنه يُدين نفسَهُ، وكَأَنَّهُ يقولُ للنَّاسِ: لا تصدقوني، ولا تثقوا بكلامي؛ لأنَّهُ كلام بلا أفعال، وكانَ الأجدر بهِ أَنْ يُحْسِنَ تقديم نفسِهِ، وأَنْ يَعكِس صورةً تُكْسِبُهُ احترام السامع وثقته، فكانَ سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يقول: ( أيُّها النَّاسُ إِنَّما أنا رحمة مهداة) (البيهقي)، وقال : ( أنا النبيُّ لا كذب، أنا ابنُ عبدِ المطّلب) (البخاري).

زر الذهاب إلى الأعلى