يسر الإسلام
يسر الإسلام
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفرٍ, فصام بعض وأفطر بعض, فتحزم المفطرون وعملوا, وضعف الصائمون عن بعض العمل, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ذهب المفطرون اليوم بالأجر”.
معاني المفردات الواردة في الحديث:
فتحــزَّم: من الحزم، وهو الجد في العمل والأخذ بقوة.
ضعـف : قلت إنتاجيته.
دِلالاتِ الحديث:
اشتَمَلَ الحَديثُ السَّابِقُ عَلَى بَعْضِ التعاليم الإِسْلامِيَّةِ الَّتِي عَلَّمَها لَنا رَسُولُ اللَّهِ، وَمِنْهَا:
من دلالات الحديث (حرية الاختيار لِلْمُسْلِمِ):
كانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَعَ الصَّحابَةِ – رِضْوانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ – بِسَفَرٍ، فَصامَ بَعْضُ الصَّحابَةِ – رِضْوانُ اللهِ عَلَيْهِمْ، وَفَرِيقٌ مِنْهُمْ أَفْطَرَ أَخَذَا بِرُخْصَةِ الفِطْرِ لِلْمُسافِرِ، وَها هُوَ يَتْرُكُ الصَّحابَةَ كُلًّا وَاخْتِيارُهُ، فَلَمْ يَعِبُ عَلَى مَنْ أَفْطَرَ، وَلَمْ يُثْنِ صلى الله عليه وسلم عَلَى مَنْ صَامَ.
أَسْبَاب اخْتِيارِ بَعْض الصَّحابَةِ – رِضْوانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ – لِلصَّيامِ، وَإِفْطَارِ بَعْضِهِمُ الْآخَرِ:
يرجع ذلك لاختلاف قدراتهم الشخصية على تحمل مشاق السفر وقوة أجسامهم
النتائج المترتبة على اختيار كُلِّ فَرِيق مِنْهُما: قبول عمل كليهما ولو أصاب الصائمين الجهد والتعب والمشقة.
مَوْقِفَ الرَّسولِ مِنْ كِلا الطَّرَفَيْنِ:
لم ينكر الرسول عليه السلام عمل أي فريق مع أنه شجع على الإفطار.
دلالة عدم إنكارِ الرَّسُولِ لِفِعْلِ كِلا الطَّرَفَيْنِ:
للمسلم حرية الاختيار بما لا يخالف الشريعة الإسلامية.
من دلالات الآيات ( مراعاة الإسلام الأحوالِ النَّاسِ):
مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَيْسِيرِهِ لَمْ يُكَلِّفِ النَّاسَ بما لا يُطِيقُونَ لِتَفاوُتِ قُدْراتِهِمْ، وَاخْتِلافِ قُواهُمْ، قَالَ تعالى: يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْمُسْرَ [البقرة: 185]، وهذا ما فَعَلَهُ بَعْضُ الصَّحابة – رضوان الله تعالى عَلَيْهِمْ – في الحَديثِ الَّذي بَيْنَ أَيْدينا: (فَصَامَ بَعْضُ وَأَفْطَرَ بَعْضُ، فَمِنْهُمْ قَوِيُّ البِنْيَةِ، شَديدُ الإرادة صابِرُ صَبور يتحملُ عَناءَ السَّفَرِ وَلا يرى فيهِ مَشَقَّةً فَتابَعَ صِيامَهُ، وَهَذا جائز وَلَا خَرَجَ فِيهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى تَحمُّلِ مَتاعِبِ الصّيام في السَّفَرِ، فَأَخَذَ بِرُخْصَةِ الإِفْطَارِ.
مظاهِر مُراعاة الإسلام لأحوالِ النَّاسِ:
1- التيمم بالتراب الطاهر عند فقد الماء أو عدم وجوده للوضوء الصحيح:
يقول تعالى: ” فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيْبًا فامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ” (المائدة: 6).
2- جواز الصلاة قاعدا للمريض العاجز عن القيام:
قالَ صلى الله عليه وسلم : “صَل قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنبِ”. (رواه البخاري).
3- جواز الإفطار للصائم عند السفر خشية المشقة والتعب:
قالَ تَعَالَى: “أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ..” (البقرة: 184).
4- جواز دفع فدية للعاجز مطلقا عن الصيام كالطاعن في السن:
قالَ تَعالى: “وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ….”( البقرة: 184).
5- جواز دفع فدية للعاجز مطلقا عن الصيام كالطاعن في السن:
قال تعالى: “وَإِذَا ضَرَبتمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تقْصُرُوا مِنَ الصَّلاة” (النساء: 101)
من دلالات الحديث ( فَضْلُ الْأَخْذِ بِالرُّخصَةِ):
صحيح أنَّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تَرَكَ الصَّحابَةَ – رِضْوانُ اللهِ عَلَيْهِمْ – يَتَصَرَّفونَ عَلى راحتِهِمْ فِي السَّفَرِ، لَكِنَّهُ رَغَبَ إِلَيْهِمُ الفِطْرَ وَالأَخَذَ بِالرُّخصَةِ عِندما خَتَمَ قَوْلَهُ : ذَهَبَ الْمُفْطِرُونَ الْيَوْمَ بِالْأَجْرِ»، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الحَدِيثِ عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ ، قَالَ: «قُلْتُ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ : فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاة إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ [النِّسَاءُ: 101]، فَقَدْ أمِنَ النَّاسُ ؟ فَقَالَ: عَجِبْتُ مِمَّا عَجِبْتَ مِنْهُ، فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللهُ بِهَا عَلَيْكُمْ ؛ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ». ( رواهُ مُسْلِمٌ ).
من دلالات الحديث (الإسلامُ يَنبُذُ التَّشَدُّد):
نهى ديننا الإِسْلامُ عَنِ التَّشَدُّدِ في كُلِّ أَنْشِطَةِ الحَياةِ الإِنْسانِيَّةِ، كما نَهى أَنْ يُثْقِلَ الإِنْسانُ عَلَى نَفْسِهِ بِالعِبَادَةِ والطاعة ، وَهَذَا مِنْ أَجْلِ إِسعادِ الإِنْسانِ في الحَياةِ الدُّنْيا وَأَمَرَ بِالْيُسْرِ وَالرِّفْقِ في التعاملِ مَعَ النَّاسِ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: « إِنَّ الدِّينَ يُسْرُ، وَلَنْ يُشَادُ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ … ». ( رَوَاهُ الشيخان )
مفهوم الرُّخصَةِ الشَّرْعِيَّةِ:
الرخصة في اللغة: التيسير والتسهيل.
وفي الاصطلاح: ما شرع استثناء من أصل لعذر ثابت.
السبب في نَهْيَ الإِسْلامِ عَنِ التَّشَدُّدِ فِي الدِّينِ:
ومراعاة لحال النفس الإنسانية وظروفها، ورفقا بها لعدم الوقوع في المشقة والعنت والتعب.
مجالات التيسير في الإسلام مع بيانِ أَثَرِهَا عَلَى الْمُسْلِمِ:
1- الصلاة: الصَّلاةُ قاعدًا لِلمَريض راحة المسلم وسلامته، راحة المسلم وسلامته.
2- الصيام: فطر المسافر والمريض مراعاة لأحوال وظروف العباد.
3- قضاء الدين: إمهال المعسر عن السداد، زيادَةُ التَّراحُمِ وَالتَّرابُطِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ.
4- الوضوء: التيمم عند فقد الماء أو ندرته المسح على الجبيرة، وأثرها المثابِرَةُ عَلَى الصَّلاةِ دونَ مَشَقَّة.
5- الحج: الطواف محمول، أداء الفريضة دون مشقة أو ارهاق.