قيم الإسلام وآدابه

الهدي النبوي في معالجة الخطأ

الهدي النبوي في معالجة الخطأ

يُحكى أنَّ طفلاً كانت عنده (سلحفاة) يعلب معها، ويطعمها، وفي إحدى ليالي الشتاء الباردة ذهب الطفل لسلحفاته، فلم يجدها، ووجدها دخلت في مكانها طلباً للدفء، حاول أن يخرجها، ليلعب معها، فأبت ولم تخرج ..فضربها بالعصا ولكنها لم تخرج ولم تأبه به، فصرخ  الطفل فيها فلم يزدها إلا تمنعاً ..وفي تلك الأثناء، سمع والده الصراخ  فدخل عليه وهو غاضب .وقال له : ما بك يا بُـنـي ؟ فحكى له رفض سلحفاته الخروج من مخبئها لتلعب معه، فابتسم الأب وقال: دعها وتعال ، ثم أشعل الأب المدفأة، وجلس الوالد بجوارها يتحدث مع ابنه، ورويداً رويداً .. ( بعدما سكت الولد وهدأ) وإذ بالسلحفاة تخرج من مخبئها، وتقترب من الولد وأبيه طالبة الدفء . فابتسم الأب وقال لابنه: يا بـُـنـي الناس كـ (سلحفاتك) هذه .. يريدونك أن تدفئهم بعطفك ولطفك لينصاعوا إليك وينزلوا عند رأيك، وإن أنت أكرهتهم بشدتك وبعصاك كرهوك و عصوك .

هذا ما يروى على سبيل المجاز والخيال لتقريب المعنى، وأما ما يروى على وجه الحقيقة والواقع فإن لدينا أجمل القصص وأرقاها سطرتها سيرة محمد و مسيرته صلى الله عليه وسلم في فن التعامل مع أخطاء الناس والمتعلمين، وكسب قلوبهم وإقناع عقولـهم، ونحن المعلمين ما أحوجنا أن نقف على منهج النبي في علاج الأخطاء بشيء من التأمل لتكون لنا معالم نهتدى بـها في مسيرتنا التربوية والتعليمية في زمن تكاثرت فيه الأخطاء وتراكمت ،بسبب الانفتاح الصارخ على التكنولوجيا ومواقع الشبكات التي تصدر لأبنائنا الطلاب الكثير من القيم الفاسدة ، التي تنعكس سلبا على تفكيرهم و سلوكهم ، و أول ما أشير إليه هنا أن نتأمل قوله صلى الله عليه و سلم: ( إنما بعثت معلما ) و في قوله: ( إنما أنا لكم مثل الوالد أعلمكم ) لنعلم أي شرف حزناه بمهنة التعليم وفي أي ثغر عظيم نحن فيه مرابطون.

اقرأ أيضاً  العفة في الإسلام

 إنَّ الخطأ والعجلة في علاج الخطأ ربما أدى إلى نتائج مؤسفة قد تعود بالضرر البالغ علينا أولا ثم على الطالب أو الولد ثانيا فلنحذر، والمربي الناجح هو من يحول الفشل إلى نجاح و النجاح إلى تميز.

سأحاول في هذه الكلمات أن أشير على وجه موجز ومختصر إلى:

منهج النبي وأساليبه في علاج الخطأ:

أولاً: التوجيه المباشر لا سيما إذا كان الخطأ مازال قائما و يمكن تعديله بسهولة ويسر:

عن عمر بن أبي سلمة رضي الله عنهما قال: كنت غلاما ًفي حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أي تحت رعايته)، وكانت يدي تطيش في الصفحة، فقال لي رسول الله  صلى الله عليه وسلم : يا غلام سم الله ، وكل بيمينك، وكل مما يليك”
تأمل، لقد اختار الرسول صلى الله عليه وسلم التوقيت المناسب لعلاج خطأ الصبي، مباشرة قبل أن يتحول إلى عادة مكتسبة وسلوك يومي، وحينها يصعب علاجها، وقد نحتاج زمنا أطول وجهدا أكبر في العلاج، فإذا رأيت أحد طلابك واقع في خطأ و يمكن تصويبه بلطف دون نتائج سلبية فوجهه وصوبه واشكره أيضا على سماع نصحك ،وتصحيح خطأه، وقد يمنع هذا التوجيه السريع المباشر من تكرار الخطأ من غيره أيضا، كما يحسن أن تناديه بشيء يحمل دفء المشاعر فقد ناداه النبي بـ ( يا غلام ) وهي كلمة تنطوي على روح محبة ومشاعر إيجابية تجاه الصبي بدلا من مناداته بلقب فيه أذى وجرح لمشاعره مما يزيده تعنتا وإصرارا على الخطأ، ونلاحظ أن النبي  استخدم الترتيب الموضوعي لعلاج الخطأ فبدأ بالتسمية، ثم الأكل باليمين، ثم الأكل مما يلي، وهذا الترتيب الموضوعي والعلمي في حل المشكلة يساعد على القضاء على المشكلة من كل جوانبها.

ثانياً: الإرشاد إلى خطأ المتعلم بالتعريض إذا لم يجاهر المخطئ بالخطأ:

اقرأ أيضاً  الإخلاص

قد يتناهى إلى سمع المعلم أن أحد طلابه قد قام بـما يوجب العقوبة أو التوجيه أو أنه قد رآه لكن دون مجاهرة من الطالب، فهنا ينبغي التوجيه المنفرد في جلسة خاصة بعيدا عن إحراجه أمام زملائه، فإن كان هذا الخطأ عاما فيحسن التوجيه العام لكن دون تحديد أسماء وهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل فكان يوجه و يعالج بقوله: ما بال أقوام قالوا كذا وكذا ؟
ومن فوائد هذا النهج التربوي، أنه يحفظ للطالب كرامته وسلامته النفسية مما يسهم في استعداده النفسي والفكري لتصحيح خطئه، و في المقابل قد يؤدي التصريح المكشوف أمام الطلاب إلى إحباط الطالب

 وإصابته بعقد نفسية لا سيما في المراحل الأولى و الإعدادية، و قد يصعب فيما بعد أن نعالجها، ولو فتشت في ذاكرتك أخي المعلم ستجد مواقف تثبت صدق ما أقول.

ثالثاً: الحوار و الإقناع العقلي مع الاحتواء النفسي:

قد يفاجئك تلميذك بموقف أو سلوك خاطئ، أو سؤال ينم عن وقاحة وجرأة وأمام زملائه في الصف، فما عساك أن تفعل ؟  أعتقد أنه في بعض الحالات لا يكون ذلك نابع عن سوء خلق منه، إنما بسبب قناعة ما ترسخت لديه أن هذا أمر لا حرج فيه ولا عيب، هنا عليك أن تحاوره بذكاء وعلم، و لو كان الأمر يستغرق وقت حصتك لتعم الفائدة، فالتربية بلا شك مقدمة على التعليم، وقليل من الأدب خير من كثير من العلم لذا قال الحكماء: ” ليكن أدبك ملحا وعلمك دقيقا ” وقد ضرب النبي المثل الأرقى في مواجهة مثل تلك الحالات والمواقف، فقد جاءه شاب وهي جالس بين أصحابه في مسجده وقال: يارسول الله ائذن لي في الزنا  !فحاوره بهدوء تام و قال له: أترضاه لأمك لأختك لعمتك .. و الشاب يقول:  لا لا، فقال النبي وكذا الناس لا يرضونه لأمهاتهم …”،  ثم دعا له النبي فخرج الشاب مقتنعا راضيا، مطمئن النفس، وهاك موقفا آخر، جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم قائلا: يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّ امْرَأَتِي وَلَدَتْ غُلَامًا أَسْوَدَ، وَهُوَ يُعَرِّضُ بِأَنْ يَنْفِيَهُ وَيَتَبَرَّأَ مِنْهُ. فَقَالَ لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مُقْنِعًا وَمُزِيلًا عَنْهُ هَذِهِ الشُّكُوكَ الَّتِي كَادَتْ أَنْ تَهْدِمَ كِيَانَ أُسْرَتِهِ: “هَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ؟! قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: مَا أَلْوَانُهَا؟! قَالَ: حُمْرٌ. قَالَ: هَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ؟! قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَأَنَّى ذَلِكَ؟! قَالَ: لَعَلَّهُ نَزَعَهُ عِرْقٌ. قَالَ: وَلَعَلَّ ابْنَكَ هَذَا نَزَعَهُ عِرْق” بهذا الحوار العقلي الهادئ أزال النبي ما تراكم في عقل الرجل وصدره من شكوك قد تعصف بالأسرة و تهدمها.

اقرأ أيضاً  الحضارة العربية الإسلامية

رابعاً: اسْتِخْدَامُ العقوبة:

ولست أعني هنا العقوبة البدنية كالضرب وغيره فهذه أمر منعته القوانين، وغالبا ما تأتي بنتائج عكسية تزيد الوضع سوءا، لكنني أعني بالعقوبة شيئا آخر، و قد استخدمها النبي صلى الله عليه وسلم، منها الهجر والإعراض، كما وقع للمتخلفين الثلاثة عن موقعة تبوك بلا عذر مقبول، و هذا الهجر المدروس إنما يقع أثره الإيجابي في علاج الخطأ إذا كان المعلم له مكانة في قلوب طلابه، أما المعلم الذي ينفر منه طلابه لسوء تعامله، وضعف ملكاته العلمية والتربوية، فهذا الأسلوب أعني الهجر والإعراض لا أثر له، أما إن كان للمعلم قدر وافٍ من المحبة والإجلال عند طلابه  فإن هجره للطالب المخطئ له أثر عظيم في تصويب الخطأ و الإقلاع عنه، بل يصل الحال أحيانا أن ينضبط الطلاب في صفوف بعض المعلمين إجلالاً ومحبة لمعلم واحد، وأرجو الله أن نكون هذا المعلم .

ولا تنس أخي المعلم في علاجك للمشكلات المتكررة أن تُعْلِم إدارة المدرسة ففي بعض المواقف يحتاج الأمر إلى رادع قوي قد لا يتسنى لك أن تسلكه فتحيل الأمر إلى الإدارة المدرسية لتتصرف وفق القوانين المرعية والرادعة.

ختاما، لست أدعي أني أحطت خُـبْـرا بما يقتضيه هذا الموضوع، إلا أني اكتفيت ببعض ما يحسن الإشارة إليه والدلالة عليه، فإن أحسنت فلله الحمد، وإن كانت الأخرى فلست أعدم نصحكم وعذركم .

زر الذهاب إلى الأعلى