السيرة والأعلام

الفتح المبين

الفتح المبين

هاجر النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام من مكة المكرّمة إلى المدينة المنوّرةِ هَرَبًا بدينهم، وتمضي الأيام، وتنطوي السنونُ، ويزدادُ الشّوقُ في صدرِ النّبي صلى الله عليه وسلم وصحابته لرؤية مكة بلدَهُمُ، موطنهم وديارهم الَّتي أُخْرجِوا مِنْها، وزيارة بيت الله العتيق، وأما الأنصار، فهم أيضًا متشوقون لزيارة بيت الله الحرام فهم الذين نصروا النبي صلى الله عليه وسلم.

وتحدث الرّؤيا الإلهية للنبي عليه السلام، فيرى أنّهُ وَأصحابَهُ يطوفون بالكعبة، وقد أخذَ النَّبيُّ عليه السلام مفتاح الكعبة، واعتمروا وقصَّر بعضهم وحلّق البعضُ ولمّا أخبر النبيُّ الصحابة بهذه الرؤيا، فرحوا واستبشروا خيرًا.

قال الله تَعَالَى: (لَقَدْ صَدَق اللَّهُ رَسُولَهُ الرُؤيا بِالْحَقِّ ). [الفتح: 27]

– فسّرَ الصّحابة رؤيا النبي عليه السلام على أنها بشارة من الله لهم لدخول مكة ولأداء العمرة.

الخروج إلى مكة:

أخبر النبي صلى الله عليه وسلم الصّحابَةَ بعزمِهِ الذَّهَابَ إلى مكة المكرّمة لأداء العمرة تحقيقًا للرؤيا التي أراهُ اللهُ تعالَى إياها، وَأَمرَهُمْ بالتجهز للمسيرِ، فَتسابق الصّحابَةُ

يُبشِّرُ بعضُهم البعض، ثُمَّ أَمرَ النَّبِيُّ عليه بدعوة الأعراب وأهلِ البوادي ليخرجوا معه لأداء العمرة، لكي ينتشر الخبرُ بينَ القبائلِ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام خرج معتمراً ولَمْ يخرج لقتال.

انطلق المسلمون في يوم الإثنين من شهر ذي القعدة منَ السِّنةِ السّادسة للهجرة باتجاه مكة المكرّمة يسوقونَ مَعَهُمُ الهدي لا يحملون سلاحًا سوى سلاح المسافر، واستمروا في المسير حتى وصلوا إلى ذي الحليفة، فأحرموا بالعمرة واستعدوا للذهاب إلى مكة منتظرين أمر النبي .

اقرأ أيضاً  الشيخ زايد رحمه الله

– خرج المسلمون  للعمرة يحملون سلاح المسافر ولم يحملوا سلاح حربٍ، رغم علمهم بأنَّ قريش ستقابلهم بجيش مجهز بكامل سلاحه وذلك لإصرارهم  وعزيمتهم على أنهم يريدون العمرة ولم يخرجوا للقتال.

المخاطر والصعوبات التي سيواجهها المسلمون أثناء ذهابهم إلى مكة لأداء العمرة:

1- قطاع الطرق.

2- الحيوانات المفترسة.

3- بعد المسافة.

4- صعوبة الطريق.

علمت قريش بخروج الرسول والمسلمين، فأعدت العدة وجهَزَتْ جيشًا بقيادة خالد بن الوليد لصدّ المسلمين ومنعهم من دخولِ مكة, واستعدوا للحرب، ولبسوا جلودَ النّمور، فلمّا علمَ النّبيُّ بخروجهم، شقّ عليه ذلك لما في المواجهة سفك الدماء وإزهاق الأرواح، فاستشار الرسول أصحابه كعادته فأشار عليه أبوبكر بعد المواجهة وبتجنب القتال لأنَّ المسلمين خرجوا لا يريدون الحرب وإنما خرجوا لأداء العمرة، أخذ النبي صلى الله عليه وسلم برأي الصديق وسلك المسلمون طريقًاً جبلية وعرةً تجنبا لملاقاة المشركين، حتى وصلوا الحديبية قريبًا منْ مكَّةَ، فلمّا علم خالد بن الوليدِ بذلك، عاد مسرعاً إلى مكة لحمايتها.

فالإسلام يدعو إلى حقن الدّماء، أي حفظ الدماء والحفاظ على الأرواح والممتلكات:

لذلك تجنّب النبي صلى الله عليه وسلم ملاقاة الكفار وغيّر مسار الجيش.

ـ النتائج المتوقعة لو لم يسلك الرسول طريقا آخر:

1- خسائر بشرية (القتلى من الطرفين)

 2- خسائر مادّية (أدوات الحرب).

السفارة بين الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وقريش:

عسكر النبي صلى الله عليه وسلم في الحديبية استعدادًا لدخولِ مكَّةَ لأداء العمرة، فسارعتْ قريش بإرسال سفرائها الواحد تلو الآخر، يفاوضون النبي صلى الله عليه وسلم ويحاولون ثنيه عن أداء العمرة، وإقناعه بالعودة إلى المدينة المنورة، وأنَّ قريشًا لن تسمح لهم بدخول مكةَ مهما لزم الأمرُ؛ حتّى لا تتحدث العربُ أنَّ محمّدًا دخل عليْهِمْ مكَّةَ عنوةً، ثُمَّ أرسل لهم النبي صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان، فاحتبسته قريش ثلاثة أيام، وأُشيعَ أَنْهُ قتلَ، وَلَمْ يَكُنْ قتلُ السفراء منْ عادَةِ العرب، فتأثر النّبيُّ صلى الله عليه وسلم تأثرًا شديدًا، ودعا الصحابة رضي الله عنه  إلى البيعة تحت الشجرة، فكانت (بيعةُ الرّضوان)، وَهُمْ يومئذ نحو ألف وأربعمائة صحابي.

اقرأ أيضاً  الشيخ أحمد بن عبدالعزيز آل مبارك

وَنزَلَ قولُ اللهِ تعالى: ( لَّقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وأثابهم فتحًا قَرِيبًا ). (الفتح 118)

قد شهد لهُمُ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: “أنتم خير أهل الأرض”. (أخرجه البخاري)

مقارنة بين الخبر والإشاعة:

الخبر كلام منقول  ويحتمل الصدق والكذب.

الإشاعة كلام مكذوب ينتشر بين الناس.

مخاطر الإشاعات:

1- إثارة العداوة.

2- إزهاق الأرواح.

3- انتشار الفوضى.

4- التخلف والتأخر.

ـ مقترحات لمواجهة الإشاعات:

1- التأكد من مصادر الخبر.

2- عدم المشاركة في نقل الإشاعة.

3- سؤال أهل الاختصاص.

4- وضع عقوبة أو غرامة مالية لمروجي الشائعات.

عقد الصلح :

سمعت  قريش بالبيعة التي أخذها النبي  من المؤمنين  فسارت إلى طلب الصلح وأرسلت سهيل ابن عمرو هو من عقلاء قريش ليفاوض النبي ويعقد مع المسلمين ما اتفق الطرفان على (صلاح الحديبية، ) وكتبا بينهما كتابا حددا فيه شروط الصلح . 

ـ شروط صلح الحديبية:

1- منع الحرب بين الطرفين لمدة 10 سنوات.

2- يرد المسلمون من جاء مسلماً من غير إذن ولي أمره وقريش لا تلتزم بذلك.

3- الامتناع عن الغدر والخيانة بين الطرفين.

4- لكل قبيلة الحق التام  في دخول أي الفريقين تريد.

5- أن يرجع المسلمون  هذا العام من غير أن يعتمروا ويعودوا العام المقبل لأداء العمرة.

بشارة سورة الفتح:

تحلل المسلمون من العمرة، وودّعوا مكَّةَ الّتي حُرموا من دخولها، وهم على مقربَةٍ مِنْها وَقُلُوبُهُمْ تعتصِرُ حزنًا على فراقها، وانطلقوا عائدين إلى المدينة المنوّرةِ، فَأَنزَلَ اللهُ تعالى (سورة الفتح) تبشّرهُمْ بِفتح قريب ونصر عزيز، فاستبشروا خيرًا، وعلموا أنّهُم عائدون إلى مكة فاتحين منتصرينَ، قَالَ تَعَالَى: ( إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا ليَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا ) (الفتح)

اقرأ أيضاً  غزوة أُحد ( السنة الثالثة للهجرة )
ثمرات صلح الحديبية:

بدأت نتائج صلح الحديبية تظهرُ لصحابة رضي الله عنهم  بعد أن استبشروا بوعدِ اللَّهِ تعالى لهم بالفتح المبين، وهدأت نفوسهم، فحينَ عُقِدَ الصّلحُ، لم يكن أمام أعينهم سوى الدّخولِ إلى مكة المكرمة وأداء العمرة فيها، بينما لمْ يرَ أَحدُهُمُ الثَّمار العظيمة التي سيجنيها المسلمون من هذا الصّلحِ، وَمِنْ أَهم هذهِ الثَّمَارِ:

1- اعتراف قريش ،بالمسلمينَ، وَأَنَّ لَهُمْ كيانًا مُستقلا.

2- دخلت مهابةُ المسلمين في نفوس المشركين والمنافقين.

 3 ـ أعطَتِ الهدنة فرصةً جيدةً لدعوة القبائلِ إلى الدّخولِ في الإسلام.

4 ـ  أمِنَ المسلمونَ جانب، قريش فاجتهدوا في ترتيب أوضاعهم الدّاخليّة في المدينة المنورة .

5- كان صلح الحديبية مقدّمةً مكة المكرمة.

زر الذهاب إلى الأعلى