المدارس الفقهية
المدارس الفقهية
لم يفارق النبي صلى الله عليه وسلم الدنيا إلا بعد إكمال الشريعة وإتمامها، قال تعالى: ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) ولم يكن في زمن النبي فقه مدون، وإنما قام الصحابة بنشر هذا الدين وتعليمه كما فهموه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم مرجعهم في كل صغيرة وكبيرة، ولا يقطعون أمرا دون أن يعرفوا الحق فيه من النبي ﷺ وبعد وفاة النبي ﷺ انطلق الصحابة دعاة وانتشروا في العالم الإسلامي، فذهب كل صحابي بالعلم الذي يحمله من الأدلة الشرعية والقدرات الاجتهادية التي يملكها، واختلطوا بالناس، وبدأوا نشر العلم.
أسباب اتساع اختلاف الفقه وظهور المدارس الفقهية
1- كثرة الفتن التي وقعت على المسلمين في ذلك الوقت.
2- تفرق السنة في البلدان بسبب تفرق الصحابة في البلدان وكان هذا قبل تدوين السنة.
3- كان لأهل كل بلد عادات تخالف البلدان الأخرى وهذا الاختلاف أدى إلى اختلاف الفقهاء.
4- تزايد أعداد الناس .
5- اتساع البلاد.
6- ظهور قضايا جديدة، وحوادث لم تحدث في زمن النبي ﷺ.
وفي هذه الظروف الجديدة برز ما يعرف بالاجتهاد بالرأي، وأصبح مصدرا من مصادر التشريع.
ويقصد بالرأي: ما يراه العقل راجحا بعد تأمل وتفكر، وتعارف العلماء بعد ذلك على إطلاق الرأي على القياس والاستحسان وسد الذرائع والمصالح المرسلة.
وكان من فقهاء الصحابة من يأخذون بالرأي ويكثرون منه كعبد الله بن مسعود، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن عمر، والزبير بن العوام رضي الله عنهم جميعا.
لقد سار التابعون على نهج الصحابة في تعرفهم على الأحكام، فكانوا يقيمون حلقات العلم التي انتشرت في العالم الإسلامي، فصار أهل كل بلد يتلقون من معلميهم، ويتأثرون بآرائهم وظهر بعد ذلك أول مدرستين هما العراق والمدينة أو مدرسة الحديث ومدرسة الرأي.
تعريف المدارس الفقهية
هي طريقة ومنهج يتبعه الفقيه فيأخذه عنه غيره ويتابعونه عليه حتى يعرف به ومن أبرز هذه المدارس مدرسة المدينة مدرسة العراق.
المدارس الفقهيه
أولاً: مدرسة المدينة. ثانياً: مدرسة العراق.
الشرح والتفصيل
أولاً: مدرسة المدينة:
كان مقرها المدينة المنورة عاصمة الإسلام ومقر النبي عليه السلام والصحابة رضوان الله عليهم فهي أول المدارس الفقهية، وقد منع عمر بن الخطاب كبار الصحابة من ترك المدينة المنورة لكي يستفتيهم ويستشيرهم فيما يستجد من قضايا وأمور، وكان على رأس هذه المدرسة عمر بن الخطاب وزيد بن ثابت وعبد الله بن عمر وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.
مميزات مدرسة المدينة
1- أنها كانت تعتمد كانت على الحديث النبوي وذلك لكثرة السنن والأحاديث وقلة التفريعات والرأي وكثرة السنن والآثار لوجودها في المدينة
2- نقاء المدينة من الأفكار والفلسفات التي تعرضت لها مدرسة العراق .
3- تتميز بأنها بعيدة عن الفلسفة التي تعم المدارس الفقهية الأخرى، وتعتبر بهذا أفضل المدارس من حيث النشأة والتأسيس، فهي أول مدرسة فقهية تم إنشاؤها.
لقد اجتهد علماء مدرسة المدينة كثيرا في نشر العلم بين الناس ودعوتهم لتطبيق الأحكام الشرعية وتفقههم، وتعد من أشهر المدارس فمنها انبثقت كل روافد المذاهب التي ظهرت بعدها، لوقوعها في مقر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فهي مهبط الوحي.
أسباب تمسك مدرسة المدينة بالحديث
1- تأثر المدرسة بعبد الله بن عمر بن الخطاب الذي كان ورعا يخشى الاجتهاد ويحفظ سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
2- كثرة الأحاديث في المدينة ووفرتها .
3- قلة الوقائع الجديدة التي تعرض على فقهاء المدرسة .
4 – تخوف فقهاء مدرسة الحديث الاعتماد على الرأي خوف التفسير الخاطئ للنصوص.
5- كراهيتهم الإجابة على أسئلة لم تقع وكان أهل الحجاز بطبيعتهم لا يسألون عن قضايا لم تحدث لهم .
لقد تأثرت هذه المدرسة بالبيئة المحيطة بها في الحجاز( المدينة المنورة ) وبطبائع الناس هناك واكتفوا بالثروة الدينية الموروثة من أيام الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم ولم يجتهدوا في البحث عن علل الأحكام إلا إذا دعت الضرورة القصوى،
فقهاء مدرسة المدينة منهم عروة بن الزبير، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، أبو بكر الصديق، وعبد الله بن مسعود و زيد بن ثابت.
ثانياً: مدرسة العراق
ظهرت هذه المدرسة بسبب هجرة عدد من الصحابة إلى العراق أكثر من غيرها من الأمصار، حيث نزل بالعراق ما يزيد على ثلاث مئة صحابي، علاوة على ذلك انتقال الخلافة إلى العراق بعد المدينة والشام.
وقد وكان أبرز فقهاء هذه المدرسة علي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وأنس بن مالك (ﷺ)، وبرز من التابعين: مسروق بن الأجدع الهمداني، والأسود بن يزيد النخعي، وشريح بن الحارث القاضي، والإمام أبو حنيفة.
مميزات مدرسة أهل الرأي
1-اعتمادها على الرأي والقياس والفقه الافتراضي.
2- التعمق في معاني النصوص الشرعية، والتوسع في دلالتها.
3-استخلاص عِلَل الأحكام، وقياس الشبيه على الشبيه، كذلك تأسيس ما يعرف بالفقه الافتراضي الذي يدل على بعد نظر واستشراف للمستقبل، وقد استفاد العلماء المعاصرون من الفقه الافتراضي في معرفة أحكام بعض المستجدات المعاصرة.
أسباب اعتماد مدرسة أهل الرأي على الاجتهاد
1- قلة السنن والأحاديث .
2-قلة عدد الصحابة مقارنة بالمدينة النبوية.
3- كثرة الوقائع والحوادث نتيجة لكون العراق مجتمعا مختلطا، وأكثر تعقيدا من مجتمع المدينة المنورة. –
4- كثرة الفتن وظهور الفرق التي لجأ بعضها إلى وضع الحديث، مما استدعى أقصى درجات التثبت في قبول الحديث، مع تمسكهم بالحديث الصحيح، وتقديمه على الرأي.