مراحل جمع القرآن الكريم
مراحل جمع القران الكريم
لم تعرف البشرية على مدى تاريخها كتابا لقي من العناية والاهتمام والحفاظ عليه مثلما لقي القرآن الكريم فعلى الرغم من أن الله تعالى قد ضمن له الحفاظ عليه من التحريف والتبديل إلا أننا نجد الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة معه تلقوه بالعناية والاهتمام بل كان الصحابة يتنافسون في تعلمه وتعليمه والعمل بما فيه ومع هذه العناية الفائقة من الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة كان جبريل عليه السلام يُعارض
( يدارس ) الرسول صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان من كل كل عام وبعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم تفانى المسلمون في خدمة القرآن حفظا وكتابة وتطبيقا.
تعريف الجمع
لفظ الجمْع في اللغة معناه ضم الأشياء إلى بعضها، ويعني جمع المُفرّق وضمه إلى بعضه.
اصطلاحا: له معنيان:
المعنى الأول: جمع كلام الله حفظا في الصدور غَيباً عن ظهر قلب، حيث قال تعالى: “إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ”.
المعنى الثاني: كتابة كلام الله على ما يكتب عليه في السطور، ويؤكد هذا قول عمر لأبي بكرٍ رضي الله عنهما: ( وإنّي أرى أن تأمر بجمع القرآن)، وكذلك قول أبي بكر لزيدٍ بن ثابت رضي الله عنهما: ( فتتبّع القرآن فاجمعه) أي اجعل القرآن الكريم كاملا مكتوباً ومجموعاً معاً في مصحف واحد.
مراحل جمع القران الكريم
أولا:
الجمع في العهد النبوي ( في عهد النبي صلى الله عليه وسلم) فقد كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم على معنيين:
الأول: فقد كان يحفظ في الصدور وكان الوحي ينزل على النبيّ عليه السلام، ليعرض عليه القرآن كلّ سنةٍ في ليالي شهر رمضان، وقد عرضه عليه مرّتين في آخر سنةٍ من حياته -عليه السلام-، وبعد وفاة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، كان القرآن محفوظا في قلوبهم وذاكرتهم، فقد كان الصحابة رضوان الله عليهم حريصون على حفظ القرآن أوّلاً بأوّل، ومن أبرز مَن حفظ القرآن كاملاً في عهد النبي عليه السلام، أبو بكرٍ، وعمر، وعلي، وعثمان، وعبدالله بن مسعود، وسالم بن معقل، وأبيّ بن كعب، وزيد بن ثابت.
الثاني: مكتوباً في السطور على الجلود وغيرها، فقد وجه النبي عليه السلام بعدم كتابة غير القرآن في بداية الأمر، ومن كتب شيئا غير القرآن فليمحه ويزيله لكي لا تلتبس السنة بالقرآن، وكان القرآن محفوظاً بالكتابة عند وفاة النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، إلّا أنّه لم يُجمَع في مكانٍ واحدٍ, فكانت السورة أو مجموعة السور تُكتَب على أحجارٍ، أو على العُسب والرقاع والجريد، ويتمّ وضعها في بيتٍ من بيوت أمّهات المؤمنين( زوجات النبي عليه السلام)، أو تُوضع عند أحد كتَبة الوحي ولم يجمع القرآن في مصحف واحد في عهده عليه السلام بسبب تتابع نزول الوحي ببعض آيات سورةٍ من السور على النبي صلى الله عليه وسلم وتنقطع بنزول آيات أخرى قبل تلك السورة أو بعدها ثم يستأنف الوحي آيات السورة الأولى وهكذا حتى اكتمل التنزيل قُبيل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم مما أدى إلى صعوبة جمع القرآن في مصحف واحد ,واتخذ النبي صلى الله عليه وسلم كتَّابا للوحي على رأسهم زيد بن ثابت رضي الله عنه.
المرحة الثانية
ثانيا:
جمع القرآن في عهد أبي بكر الصديق
بعد استشهاد الكثير من الصحابة من حفظة كتاب الله في معركة اليمامة، أشار عمر بن الخطاب على أبو بكر بجمع القرآن، لكن أبا بكر في بداية الأمر لم يقبل بمشورة عمر وقال كيف أفعل ما لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم.
لكن أبا بكر اقتنع بمشورة عمر، وأمر أبى بكر الصديق – رضي الله عنه – الصحابي زيد بن ثابت بتجميع القراَن الكريم في كتاب واحد، فأخذ في جمع ما كان مكتوبا من القرآن على على الحجارة والعسب وغيرها ووضعت في مصحف واحد، واحتفظ به أبي بكر رضي الله عنه عند حفصة بنت عمر أم المؤمنين.
زيد بن ثابت والمهمة التاريخية التي كلف بها، لقد وقع اختيار أبي بكر الصديق على زيد بن ثابت رضي الله عنه للقيام بتلك المهمة دون غيره من الصحابة، وفي الصحبة من يكبره سِنا، وأقدم منه في الإسلام، وحسبك أن تعلم أن زيد بن ثابت حين أوكل إليه الصديق هذا العمل كان سنه لم يتجاوز الثانية والعشرين من عمره، فأي ثقة هذه التي تجعل الصديق يختار زيد بن ثابت، وأي كفاءة يحملها رصي الله عنه، تجعل الصديق يحمله مثل هذه الأمانة وذلك لأن:
1- الشباب وقدرتهم على التحمل، فهم يتحملون أعباء العمل في جد ومثابرة عن غيرهم.
2- الأمانة وأهميتها، تجعل الإنسان يراعي الله تعالى ويراقبه في كل خطوة.
3- الخبرة والتجربة السابقة لزيد بن ثابت، فقد كان رضي الله عنه يكتب ما نزل من الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
بدأ العمل في جمع القرآن واستمر ما يقرب من سنة وثلاثة أشهر وزيادة الوقت كان بسبب التحري والدقة في الأمر، لأن هذا قرار مهم لا يمكن المرور عليه دون التحري والتأكد، وللمقارنة بين ما كتب مع ما هو محفوظ في الصدور.
سمات جمع القرآن في عهد أبو بكر
1- تم الجمع مرتب الآيات والسور في مصحف واحد.
2- موافقته لما ثبت في العرضة الأخيرة للقرآن الكريم على جبريل عليه السلام.
3- إجماع كل الصحابة رضوان الله عليهم على دقة وصحته ما تم جمعه، وأجمع الصحابة على ذلك للأسباب التالية:
1- لأنه كان موافقا لما في صدور الصحابة.
2- وافق ما ورد في العرضة الأخيرة على جبريل عليه السلام.
3- لأن هذا الجمع قرارا صائبا، وفيه خير للمسلمين .
4- للحفاظ على القرآن من التبديل و التحريف.
المرحة الثالثة من جمع القرآن الكريم:
ثالثاً:
جمع القرآن في عهد عثمان بن عفان
جمع القراَن ( النسخ) في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه. وكان ذلك بسبب اتساع مساحة الدولة الإسلامية وانتشار الإسلام بين الناس، فأصبحوا يأتون إليه أفواجًا، وانتشار الصحابة في الأمصار( البلدان), حتى تبين الاختلاف في نطق القرآن, وناشد ناس من البلاد التي فتحها المسلمين (الأمصار) وبنوها في ظل توسع الإسلام، عثمان لجمع الكلمة وتوحيد القراءة.
سمات جمع القرآن في عهد سيدنا عثمان ابن عفان رضي الله عنه
1– اختيار وتحديد اللجنة التي ستجمع( تنسخ) القرآن، وعلى قائمة اللجنة زيد ابن ثابت لأنه المكلف من قبل، من أبي بكر الصديق بجمع القرآن
2–الأساس في النسخ هو المصحف التي جمعه زيد بن ثابت في عهد الصديق رضي الله عنه .
3– المشرف المباشر على عملية نسخ المصحف هو عثمان بن عفان رضي الله عنه .
4– أن تكون الكتابة بشكل يجمع ما ثبت من الأحرف السبعة في العرضة الأخيرة والأحرف السبعة: اختلفت آراء العلماء في المراد من الأحرف السبعة، إذ لم يرد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا عن صحابته نصاً يبيّن المقصود منها، ومما ورد من تفسيرات العلماء حول الأحرف السبعة، أن المراد منها التوسعة على القارئ لا الحصر، وقيل إنها سبع لغات على لغات العرب كلّها، وهي متفرّقة في القرآن، ومن الأمثلة ما قاله أبو عبيد: لغة قريش، ولغة هوازن، ولغة ثقيف، ولغة اليمن، ولغة هذيل، ولغة تميم، ولغة كنانة، وقيل إن المقصود بها “سبعةُ أوجه من المعاني المتّفقة بالألفاظ المختلفة”، وهذه المعاني متشابهة، ومثال ذلك قول: تعال، وأقبل، وهلمّ، فهي معاني لفظ واحد، وهو طلب الحضور، وعلى ذلك أكثر أهل العلم.
5– ترجع لجنة النسخ إلى الخليفة عثمان بن عفان، للتأكد فيما يحتاجونه من الكتابة.
6- إذا اختلفت اللجنة في كتابة كلمة في هذه الحالة تكتب الكلمة بحرف قريش.
وبعد الانتهاء من النسخ, تم نسخ المصحف إلى عدة نسخ و توزيعها على الأمصار .
الفرق بين جمع أبي بكر ونسخ عثمان
فقد كان سبب الجمع عند أبي بكر هو الخوف على القرآن من الضياع، بسبب موت حفاظه بعد أن كثر استشهاد القراء وحفظة القرآن، أما سبب نسخ عثمان للقرآن، هو كثرة الاختلاف في أوجه القراءة.