السيرة والأعلام

من معالم رحمة الرسول عليه السلام

من معالم رحمة الرسول عليه السلام

إن الرحمة صفة من صفات الله عزوجل، فقد افتتح سبحانه وتعالى سور القرآن الكريم بسم الله الرحمن الرحيم وبشر عباده بقوله: ( نبئ عبادي أنّي أنا الغَفُورُ الرَّحِيمُ ) (الحجر)، وكتب عنده فوق عرشه : « إنّ رحمتي غلبَتْ غضبي » (رواه البخاري).

– إنَّ الرحمة رقة في قلب الانسان وهى مؤشّر على اتصاله بالله عر وجل، لذلك ورد في الحديث القدسي: « إذا أردتم رحمتي فارحموا خلقي، الراحمون يرحمهم الله » (رواه البخاري). وأبعد قلب عن الله عزوجل، هو القلب القاسي، الذي نُزِعَتْ منه الرّحمة، فقد قال: لا تُنزع رحمةُ إِلا مِنْ شقي» (رواه الترمذي). ورحمته تعالى واسعة، ومظاهرُها كثيرة، لا يمكن حصرها ولا عدها، فهي تشمل كل شيء، وتصل إلى كل المخلوقات، ولا يستغني عنها أي مخلوق بحاجة، فخلقها الله عزوجل في قلوب عباده، لذلك يتراحمون فيما بينهم. يقول النبي: ( جعل الله الرحمة مئة جزء، فأمسك عنده تسعة وتسعين جزءًا، وأنزل في الأرض جزءًا واحدا، فمن ذلك الجزء يتراحمُ الخلق، حتّى ترفع الفرسُ حافرها عن ولدها، خشية أن تصيبه) (رواه البخاري).

 المصدر المطلق للرحمة

الله عز وجل مظهرا من مظاهر الرحمة الإلهية في تشريعاته في ديننا الحنيف،

كإباحة الفطر في رمضان للمسافر وللمريض، وكذلك قصر الصلاة الرباعية في السفر

محمد صلى الله عليه وسلم نبي الرحمه

ومن عظيم رحمة الله تعالى، أنه أرسل محمدا للبشرية كلها، ليخرجهم من الظلمات إلى النور فكان رحيما بالكبير والصغير، بالرجال والنساء، حتى الحيوانات والطيور، وبكل ما يحيط به، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَمَا أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) (الأنبياء)، وكان صلى الله عليه وسلم كثيرا ما يقول: ( يا أيها الناس إنما أنا رَحْمَةٌ مُهداة )، ليقتدي به من آمــن بــه.

 لقي صلى الله عليه وسلم من قومه ما لقي من العنت، فقد كذبوه وآذوه ومن بلده أخرجوه كارها، وهو يقول: « اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون).

وقد أثبتت له النصوص الشرعية، وسيرته العطرة، صفة الرحمة في أروع صورها وأرقاها.

فمقصود بعثته عليه السلام  ورسالته إلى العالم هو الرحمة: ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين )

وتمثلت صفة الرحمة في تعامله صلى الله عليه وسلم في كل شيء حتى مع أعدائه قوله: ( اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون)

 خصائص رحمة الرسول

لكي يستطيع الشخص معرفة حجم الرحمة في قلب  صلى الله عليه وسلم لا بد له من الرجوع إلى مصدر تلك الرّحمة، ومعرفة  خصائصها ومقاصدها، من خلال قول الله تعالى واصفاً نبيه : ( لقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ من أنفسكُمْ عَزِيزُ عَلَيْهِ مَا عَنِتُمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ  (التوبة)  فقد استمد رسول الله قيمه وأخلاقه من ربه، فطبقها النبي في سلوكه كما أمره الله تعالى، وعلى رأس هذه القيم  وأهمها قيمة الرحمة، التي كان لها خصائص كثيرة، منها:

اقرأ أيضاً  الإمام الشافعي رحمه الله

1. انها ثابتة وشاملة:

لقد تمثلت صفة الرحمة في كل أحواله صلى الله عليه وسلم وفي أطواره ومواقفه، فالنبي رحيم قبل البعثة وبعدها، وقبل الفتح وبعده، رحيم في الهزيمة والنصر، رحيم في عسره ويسره، رحيم في سفره وحضره وكان أرحمَ النَّاسِ بِالنَّاسِ وأرأفهم بهم؛ حتى مع غير المسلمين، فقد أطلق أسرى بدر الذين ليس لهم من يفتديهم، وأطلق ابنة حاتم الطائي، وأكرمها، بل إن رحمته تعدت ذلك إلى الحيوان والنبات والجماد.

2. أنها غاية ووسيلة:

دعا النبي عليه السلام الناس إلى الرحمة برحمته عليه السلام، فهي الوسيلة والغاية في آن واحدِ، وكان من عوامل نجاحه رحمته عليه السلام، فجعل منها وسيلة لتلاحم المجتمع ولتأليف القلوب، ووسيلة لتحريك المشاعر الميتة، فدخل الناس في دين الله أفواجا بهذهِ الرّحمةِ الخالصة.

3. أنها متزنة معتدلة:

ومن خصائص رحمة النبي صلى الله عليه وسلم أنها رحمة متزنة فهو صلى الله عليه وسلم رحيمٌ دون ضعف، متواضع بغير ذلـة، لا يغدر ولا ينقض العود ولا المواثيق لا في حرب ولا سلم وهـي عادلة، حتى وثَق خصومه بصدقه وأمانته.

 وهذا هو الحال في أخلاق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم جميعها، فهي منظومة متناسقة متناغمة، لا توسع فيها صفة على حساب أخرى، ولا تعمل إحداها ضد الصفة التي تقابلها.

 صور من رحمة الرسول

أولاً: رحمته عليه السلام مع أهله:

. قال تعالى: (ومن ءاياته، أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَوَدَّةً وَرَحْمَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَا يَنتِ لِقَوْمِ يتفكرون) . كانت حياة الرسول الله الزوجية تطبيقا لهذه المعاني القرآنية؛ لذلك نجده يكثر من وصية أصحابه وأمته بالنساء، ويحث الأزواج أن يعاملوا أزواجهم معاملة حسنة، أساسها المودة والرحمة فيقول:

( خيركم خيركم لأهله، وأنا خَيْرُكُمْ لأهلي ) (ابن حبان)

وكان صلى الله عليه وسلم  تحمله الشفقة والرحمة بالأطفال أن يحملهم في الصلاة، فقد جاء الحسن بن علي رضي الله عنه وهو طفل والنبي مساجد فامتطي ظهره، فأطال السجود لأجله، ثم اعتذر من الناس.

. وفي أحد الأيام أرسلت إليه إحدى بناته عند وفاة لدٍ لها، ودفعت به إلى الرسول، وهو يلفظ أنفاسه ويحتضر، وضعه الرسول عليه السلام في حجره، وأشفق عليه، فزرفت عيناه بالدموع, فقال له سعد: يا رسول الله ما هذا؟ قال: هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده, وإنما يرحم الله من عباده الرحماء) (متفق عليه).

اقرأ أيضاً  الشيخ زايد رحمه الله

بعض نتائج الرحمة في العلاقة بين الأزواج:

المودة واستقرار الحياة الزوجية وسعادة الزوجين والأبناء.

ثانيا: رحمته عليه السلام مع أصحابه وأمَّته:

قال تعالى: ( فَبما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ القلب لانفضوا من حولك ) (آل عمران.

 وعن عائشة قالت: ( ما خُيرَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بين أمرين, أحدهما أيسر من الآخر, إلا اختار أيسرهما، ما لم يكن إثما, فإن كان إثما, كان أبعد الناس منه) (رواه مسلم).

. وكان يلاطف الصغار ويشفق عليهم، يقول أنس أنه كان له أخ يكنى أبا عُمير وكان له نغر فمات فدخَلَ علينا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما لأبي عُمير؟ قالوا: هلك ثغره فجعل الله يقول وهو يُمازحه: أبا عمير ما فعل النغير؟ أبا عُمير ما فعل النُّغير؟” (المعجم الأوسط)

ثالثًا: رحمته عليه السلام مع مخالفيه:

. كان النبي حريصًا على هداية الخلق وفوزهم, فكان يفرح, ويُسَرُّ بمن اهتدى, ويأسَف ويحزن على من أبى، شفقة منه عليهم ورحمة بهم وقد عبر الله تعالى عن هذا الحزن الشديد في قلب نبيه بقوله: ( فلا تذهب نفسكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَت إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ) (فاطر ) على المشركين قال: ( إني لم أبعث لعانا ).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إنما بُعثتُ رحمة ).

عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قالوا يا رسول الله أحرقتنا نِبال ثقيف, فادع الله عليهم, فقال: ( اللهم اهد ثقيفا ) (رواه الترمذي)

 هذه رحمته مع من خالفوه وناصبوه العداء,  يرجو ويدعو لهم لا عليهم, فقد كان يحمل الخير والحب للدنيا بأسرها, ولم تكن غايته يوما شقاء الناس أو هلاكهم.

  فالمقصود من قوله تعالى: (فَلَا تَذهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرات ) (فاطر (18)، (أي: لا تهلكها، غما وأسفًا عليهم ) المقصود بالخطاب الرسول صلى الله عليه وسلم دلالة الخطاب بيان مدى حرصه على هداية قومه ورحمته بهم.

رابعا: رحمته عليه السلام مع الكائنات الأخرى:

. لقد تعدَّت رحمته صلى الله عليه وسلم البشر, فقد كان رؤوفا رحيما بكل الكائنات, حتى الطيور والشجر, والبهائم  والحجر فقد لعن من اتخذ شيئاً فيه الروح غرضا أي هدفا يرميه ) (رواه مسلم)

– روى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال كنا مع رسول الله في سفر فانطلق لحاجته فرأينا  حمرةً معها فرخان فأخذنا منها فرخيها فجاءت تعرشُ فجاء النبي عليه السلام فقال: من فجع هذه بولدها؟ ردوا ولدها إليها, ورأى قرية نمل قد حرقناها, قال عليه السلام: من حَرَق هذه؟ قلنا نحن قال إنه لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار).

اقرأ أيضاً  الشيخة فاطمة بنت مبارك حفظها الله

– حتى الحيوانات عرفت رحمته وشفقته ورأفته فكانت تشتكي إليه من الظلم الذي يقع عليها

( دخل  رسول الله حائطا لرجل من الأنصار فإذا جمل, فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم  حنَّ  لرسول الله ذرفت عيناه, فأتاه النبي الله فمسح ذِفراه فسكت، فقال: من ربُّ هذا الجَمَل, لمن هذا الجمل, فجاء فتى من الأنصار فقال: لي يا رسول الله فقال: أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها فإنه شكا إلى أنك تجيعه وتُدئِبُه ) (أبو داود)

– معالم رحمة الرسول صلى الله عليه وسلم  في الذبائح، من خلال الحديث الشريف الآتي: قال رسول الله: ( إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلكم فأحسنوا القتلة, وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح وليجد أحدكم شفر له, فليُرحْ ذبيحته) رواه مسلم

أمر المسلم أن يحد شفرته ( سكينه ) لكي يريح ذبيحته ويتلطف بها فلا يريها السكين عند الذبح ولا يذبحها أمام أعين مثيلاتها ( من بني جنسها) رحمة بها.

صورًا من رحمة الرسول مع أصحابه

كان يساعدهم في أعمالهم بنفسه .

– كان يزور أحدهم إذا مرض ولو كان من الأعراب كان يلتمس  لهم الأعذار عند خطئهم.

 آثار صفة الرحمة

1- الرحمة ترفع منزلة العبد ربه تبارك وتعالى، ولهذا تجد الأنبياء عليهم السلام أرحم الناس وسيدنا محمد أعظمهم نصيبا من ذا الخلق الكريم، فكانت رسالته رحمة للعالمين.

2- الرحمة تفتح أبواب الأمل والرجاء للناس، وتشعر بالأمن والأمان، وتغلق أبواب اليأس، لأنه الرحيم الذي سبقت رحمته غضبه.

3- الرحمة وسيلة لانتشال المخطئين والمذنبين من حبائل الشيطان، وتعيدهم إلى جادة الصواب باللين لا بالقسوة، وباللطف لا بالعنف، والنظر إليهم بعين الرحمة لا الشدة والنقمة، ومعاملتهم معاملة الرحماء لا معاملة أهل الكبر والازدراء والخيلاء.

4- بالرحمة تعمر الأرض وتزدهر، تكثر الموارد ويعم الخير وتستديم الحياة عليها،.

* جاء رجل إلى رسول االله فقال: إني جئتُ أبايعك على الهجرة، ولقد تركت أبوي يبكيان، فقال رسول الله : ( ارجع إليهما، فأضحكهما كما أبكيتهما) وكان أبواه كبيران في السن، لما في الرحمة من الأجر والثواب وكما يدين يدان في كبره.

 كبار السن يحتاجون للسعادة والطمأنينة ويحتاجون من يبعدهم عن الشعور بالخوف والعزلة.

 آثار فقدانِ الرّحمةِ

الأسرة:  تفكك الأسرة وضياع الأبناء.

المجتمع: التفكك وانتشار الحقد والكراهية بين أفراده.

العلاقات بين الدول : انتشار الكراهية والأحقاد والحروب وعدم التعاون.

الموارد البيئية:  عدم انتفاع الناس بها واستنزاف الموارد وهلاكها.

 العلوم: يؤدي إلى العلوم الضارة غير النافعة التي قد تهلك الحرث والنسل. 

زر الذهاب إلى الأعلى