قيم الإسلام وآدابه

التسامح في الإسلام

التسامح في الإسلام

حث الإسلام على التحلي بالتسامح معَ النَّاسِ في جميع مجالات الحياة؛ ليقيم مجتمعًا متماسكا ومترابطا، وإن لم يصرح القرآن الكريم بلفظ التّسامح، إلّا أنَّهُ أوردَ منَ الألفاظ ما يقاربها ويترجمها إلى واقع إسلامي مطلوب، ومنها:

الرَّحمةُ: قَالَ تَعَالَى: ( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حولك ) [آل عمران) 159].

 والعفو: قَالَ تَعَالَى: ( خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأعْرِضْ عَنِ الْجَاهلين) [الأعراف: 199]. الحوار والمجادلة بالحسنى، يقول تَعَالَى: ( وَلَا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (46) العنكبوت).

 الإحسانُ للآخرينَ: قَالَ تَعَالَى: ( وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ [القصص : 177).

مفهوم التسامح

إنَّ التَّسامح لا يقتصر على الجانب الاجتماعي، وإنما يتحداه ليشمل جميع مجالات الحياة الاقتصادية والسياسية، وحتّى الفكريَّةِ،

 فالتّسامح بالمفهوم العام هو اللينُ والرفق والرحمة والسّلمُ، ونبذ العنف والسماحةُ في التعامل مع الآخرين، وقبول اختلافهم معنا، وعدم إكراههم على شيء, وقد أعلن ديننا الحنيفُ منذُ بداية نزولِهِ أنَّ التسامح منَ القيم والمبادئ الأساسيَّةِ الَّتي يُستند إليها في نشرِ رسالتِهِ للنَّاسِ، فقد كانَ إرسال النَّبيِّ الله الرحمة وسلاما للعالمين، قال تعالى: ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةُ لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107].

– إن الرسول صلى الله عليه وسلم مثلنا الأعلى وقدوتنا في التسامح، فضرب لنا الأمثلة في التسامح مع الآخرين، فكان متسامحا مع المسلمين وغير المسلمين، فلقد وَصَفَتْهُ عائشة رضي الله عنها حينَ سُئِلَتْ عَنْ خُلُقه عليه السلام بقولها: ( لَمْ يَكُنْ فَاحِشَا وَلَا مُتَفَحْشًا وَلَا صَخابًا في الأسواق’ وَلَا يُجْزِى بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ).

كانَ منْ أوَّلِ الأعمال التي قام بها حينما هاجر منْ مكَّةَ إلى المدينة المنورة كتابة صحيفة المدينة؛ كي ينظم العلاقات بين المهاجرين وسكان المدينة من الأنصار وغير المسلمين، وكانت هذه الصحيفة ( وثيقة المدينة) أوَّل دستور في التاريخ، وقد نجح بالفعل في حماية حقوق الأفراد، وإرساء مبدأ التسامح والعدالة بين جميع الفئات التي يعيشون في المدينة، وظلَّ هذا الدستور شاهدا عظيمًا على عظمة الإسلام في نشر التسامح بينَ الأفراد.

اقرأ أيضاً  آداب السفر في الإسلام

ولقد عامل رسولنا الكريم أسرى بدر معاملة حسنةً، وأمر أصحابه رضوانُ اللهِ عليهِمْ أَنْ يُحسنوا إليهِمْ، فكانوا يُفَضّلونَهُمْ على أنفسهم في طعامِهِمْ، وعندما استشارَ أصحابه رضوانُ اللهِ عليهِمْ في شَأْنِهِمْ، أَشَارَ بعضُهُمْ أنْ يُقتلوا كما فعلَ بِهِمْ في مكة، وأشار البعض الآخرُ بالفدية مبلغ منَ المالِ يَدفعُهُ الأسير مقابل إطلاق سراحه فأخذ بالفدية، ولكنَّه جعل فداءَ الَّذينَ يعرفونَ القراءة والكتابة أنْ يعلم كل واحد من الأسرى عشرةً مِنْ أطفال المسلمينَ القراءة والكتابة فأي عفو هذا؟! وأي تسامح ؟!

نماذج من تسامح السابقين

إنَّ للتسامح دورا كبيرا في تقدم المسلمين في مختلف المجالات على مر العصور منذُ بعثة النبي صلى الله عليه وسلم وحتّى اليوم، فكان عليه السلام يأَمَرَ أصحابه رضوانُ اللهِ عليهِمْ بمعاملة النّاسِ على اختلاف أجناسِهِمْ وألوانهم وأديانِهِمْ بالرّفقِ والرَّحمةِ، لا بالشَّدةِ أو العنف، فضربوا بذلك أروع الأمثلة في التسامح مع أهل البلادِ التي نشروا فيها الإسلام، ومن ذلك: عندما تم فًتح بيت المقدس في عهد سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وذهب ليتسلَّمَ مفاتِحَهُ، أَعطَى لِأَهْلِهِ الأمان والْأَمِنَ على كنائِسِهِمْ وأنفسهم وأموالهم، وأمرَ ألَّا تُهْدَمَ كنائسُهُمْ ، ولا يُنتَقَصَ منها ولا مِنْ خيرها شيء، ولا يُكرهونَ أحد على دينهم؛ لذلك استقبله القساوسة بحفاوة، وطلبوا منه زيارة الكنيسة، وجلس معهم.

لقد فتح عمرو بن العاص رضي الله عنه مصر في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وأعطى لأهلها الأمن والأمان على أنفسهم وكنائسهم، ولم يُكْره أحدًا على الدخول في الإسلام، ورحب الأقباط بالفتح الإسلامي لمصر، لأنَّهُمْ وجدوا فيهِ التَّسامح والعفوَ والرحمة.

فمن يدعي أنَّ الإسلام دين عنف وتشدد فليس هذا صحصح فالإسلام يدعو للتسامح مع غير المسلمين، وظهر ذلك في تعامل الرسول صلى الله عليه وسلم مع غير المسلمين، فكان عليه السلام يحث على التسامح، وطبقه الصحابة رضوان الله عليهم عند الفتوحات.

 قيم التسامح

هناك بعض القيم التي ينبغي أَنْ يَلتزم بها كلُّ منّا؛ ليكونَ متسامحا في حياته، وهي:

اقرأ أيضاً  مراقبة الله تعالى

أولا: احترام الآخرين:

يُعد احترامنا للآخرين، ومراعاتُنا لحقوقهِمُ الكاملة مهما اختلفوا معنا في اللُّونِ أوِ الدِّينِ أوِ العرقِ  من مظاهرِ التسامح في حياتِنا، يقولُ اللهُ تعالى: ( وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدُوا بِغَيْرِ عِلْمٍ) ( الأنعام: 108). وقد كانَ رسولنا أكثرَ مَنْ يحترم الآخرين من المسلمين وغير المسلمين، فلقد خاطب ملك الروم قائلًا: ( من محمد رسولِ اللهِ إِلى هِرَقْلَ عظيم الرّومِ، ولمْ يَسُبَّهُ ولم يَدْعُهُ بما يسيء إليهِ، بَلْ أَنْزَلَهُ المكانةَ الَّتِي هوَ فيها رغمَ أنَّه على غيرِ دينِهِ، كما أنَّهُ استقبل وفد نصارى نجران بحفاوة، وأنزلَهُمْ في خيرِ بقاع الأرضِ عندَ المسلمين وهو المسجد، وقام بنفسه على خدمتهم وضيافتهم.

ثانيا: العفو عند الإساءة:

يُعد العفو من أهم مظاهر التسامح بينَ البشر في معاملاتهم اليومية، وقد أوصانا الله تعالى كثيرًا بالعفو عن الناس؛ إذ يقول تعالى: (خذ العفو وامر بالعرف وأَعْرِضْ من الجاهلين) (199) الأعراف ويقول تعالى: (فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتى يأتِيَ الله بأمره) (البقرة (10).

لقد كان رسول الله القدوة الحسنة في العفو، فحينما فتح مكة؛ إذْ قال صلى الله عليه وسلم لمن آذوه وأخرجوه من بلده: ( يا معشر قريش ما تَظُنُّونَ أنِّي فاعل بكُمْ؟) قالوا: خيرًا, أخ كريم, وابن أخ كريم، قالَ: ( فإنّي أقولُ لكُم كما قال يوسف لإخوتِهِ): ( لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ ) ( يوسف: 92) ( اذْهَبوا فَأَنْتُمُ الطَّلَقَاءُ)، ليعلن أمامَ النَّاسِ جميعًا أنَّ الإسلام لم يكن أبدًا، ولن يكونَ، دينَ عنفٍ وإرهاب، وإنما هو دين تسامح ورحمة للعالمين، على اختلاف أجناسِهِمْ وألوانِهِمْ وأديانِهِمْ.

– والبعض يعتقد بأنَّ رأيَهُ دائمًا الأفضلُ ولا يقبل رأي الآخرينَ ،فاعتقاده لا يصح، فمن التسامح قبول الرأي الآخر والمجادلة بالحسنى

الفرق بين العفو والصفح

العفو هو: ترك عقوبة المذنب مع المقدرة.

الصفح: ترك لومه فيما فعل.

– اتِّبعت دولة الإمارات العربية المتحدة مبدأ التسامح ونبذت العنف ومظاهره كان ذلك واضحاً في علاقاتها الداخلية والخارجيَّةِ مع دول العالم:

1- المشاركة في مؤتمرات السلام والتسامح.

 2- استضافتها لهذه المؤتمرات.

اقرأ أيضاً  آداب المسجد

3- المساهمة في تقديم المساعدة لجميع الدول.

 4- إصدار قانون مكافحة الكراهية

أهمية التسامح في حياتنا

إنَّ التسامح سبب لدخول الجنَّةِ، يقول تعالى: ( وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)

( 134 آل عمران)، كما أنه السبيل للمنزلة العالية والرّفعة عندَ اللهِ تعالى، قال صلى الله عليه وسلم: ( ما نقصت صدقة من مال، وما زادَ الله عبدا بعفو إلا عزا ) (رواه مسلم). وبالعفو ينالُ المسلم مرضاةَ اللهِ وعفوهُ يومَ القيامةِ، يقولُ اللهُ تعالى: ( وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمُ)( التغابن: 14).

وهوَ يطهِّرُ النَّفْسَ البشرية من الحقد والحسد، ويؤلفُ بين قلوبِ النَّاسِ؛ فالمتسامح يحبُّهُ النَّاسُ ويألفونَهُ ويطمئنونَ إليه، وبالتالي يتحقَّقُ التماسك بين أفراد المجتمع، ويعم بسببه الأمنُ والسَّلامُ في المجتمعات،

و دولة الإمارات العربية المتحدةِ نُعَدُّ مِنْ أسعدِ شعوب العالم بسبب التسامح لأنَّها نعيش في ظل قيادة حكيمةٍ تتمثلُ خُلُقَ التسامح في كل مجالاتِ الحياة ومعَ جميع النَّاسِ داخل الدولة وخارجها.

أثار العنف على الفرد والمجتمع

أثر العنف على الفرد:

1- يكرهه الناس.

2- الاضطراب النفسي.

3- يغضب منه الله تعالى.

أثر العنف على المجتمع:

1- تفكك المجتمع.

2- ضعف المجتمع.

3- الفساد والفوضى والتخلف.

الوسائلِ الَّتي تعين على التسامح

1- مجاهدة ومحاربة النّفس الأمارة بالسوء وذلك بعدم التسرع وكظم الغيظ.

2- صحبة الأخيار قال الله تعالى: ( الْأَخِلاءُ يَوْمَئذ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) ( الزخرف: 67).

3- أنْ يُذَكِّرَ الإنسان نفسَهُ بأنَّ الجزاء من جنس العمل، قال تعالى: ( فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ )(الشورى: 40).

4- الاستقامة والمداومة على طاعة الله تعالى تبعثُ على التسامح مَعَ النَّاسِ جميعًا.

5-أن يفكر الإنسان في أصلِ خَلْقِهِ بأنَّهُ خُلِقَ من تراب، وأن مرد الإنسان إلى التراب ثُمَّ يحاسبه الله تعالى على أعماله، قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغْرَنَّكُمُ الْحَيَوةُ الدُّنيا وَلَا يَغْرَنَكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ) (5 فاطر).

6- أن يتدارس الفرد سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم سيد المتسامحين، وصحابته، والصالحينَ الَّذِينَ عُرِفُوا بالتسامح.

7- تقوى الله، واستشعار مخاطر العنف على الفرد والمجتمع.

زر الذهاب إلى الأعلى