التنمية البشرية في الإسلام
التنمية البشرية في الإسلام
إنَّ مفهوم التنمية البشرية يرتكز حول إطلاق طاقات الإنسانِ وقدراتِهِ لتحقيق حاجاته والانتقال إلى مستوى أفضل، وهو متفق تماما مع مفهوم التنمية بشكل عام.
مفهوم التنمية البشرية
هي الانتقال بمجتمـع مـا “متدني الحال” من مستوى أدنى إلى مستوى أعلـى” متقدم ومتطور”، ومن نمط تقليدي “بدائي” إلى نمط آخر متقدّم.
التنمية البشرية عبادة
لقد أنزل الله القرآن على النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فالقرآن خاتمـا للكتب السماوية ومصدقـا لهـا، والناظر المتفكر في القرآن يجد أنَّ موضوعَهُ وهدفه هوَ الإنسان، وأن كل ما فيه موجه له، وقد جعله الله – تعالى – نورًا وهدى للناس، ليخرجهم من ظلماتِ الجهل إلى نور العلم، ومن التخبط والانحراف إلى الهدى والفلاح، قال تعالى: “يَهْدِى بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ، وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ”(16) (المائدة) فالكلمة الأولى من القرآن الكريم: اقرأ [العلق: 1]، لتبدأ منذ اللحظة الأولى تنمية الإنسان، وصار واجبًا على الإنسان أن ينمي قدراته وطاقاته وقدراته، وبشكل مستمر، لينتقل من أسلوب تقليدي يعيشُ فيه إلى أسلوب ونمط آخَرَ متقدم نوعا ما، فالقرآن الكريم وضع أساسا للتنمية البشرية وهو المعرفة والعلم، وحدَّدَ أهدافها عن طريق آياته الكريمـة منـذ قـرون بعيدة، فانسجام المسلم واندماجه في التنمية البشرية واجــب شـرعي، ليرتقي إلى مراتب متقدمة في الطاعة والعبادة وتحقيق ذاته، ويتمكن من مواكبة روح عصره، ويحفظ مصالحه ومصالح مجتمعه والنــاس جميعا، ويحقق معنى الخلافة في الأرضِ ، قال تعالى: ( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائكَةِ إِنِّي جَاعِلُ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةٌ) [البقرة: 30]، فلقد خلقِ الله الإنسان لحكمة، ألا وهي عبادته تعالى.
فلقد استخلف الله الإنسانِ في الأرض لعمارتها، والهدف من تحقيق ذلك الاستخلاف هو توفير حياة كريمة للإنسان، تكون مدتها مدى الحياة.
والغاية من التنمية البشرية هي بقاء الإنسان وتوفير حاجاته ومدتها مدى الحياة.
والعلاقة بين الاستخلاف في الأرضِ والتنمية البشرية: أن التنمية وسيلة وطريقة لتحقيق الخلافة في الأرض.
خصائص التنمية البشرية في الاسلام
أولاً: الشمول. ثانياً: ربانية. ثالثاً: إنسانية.
الشرح والتفصيل
أولا: الشمول:
فالإسلام ينظر للتنمية نظرة شاملة، تشملت الحياة والإنسان والكون، وبينت طبيعة العلاقة بين كل منهما بالآخر، قال تعالى: [ هُوَ الَّذِى خَلَقَ لَكُم مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسواهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتِ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ][129البقرة]، فكل ما في الكون مسخّر للإنسان، والإنسان مكلف باستغلال وتطوير موارده الطبيعية والحفاظ عليها، قال تعالى: ( اعْبُدُوا الله ما لكم من إلَهِ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَاكُم مِّنَ الْأَرْضِ واستَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبي قريب مُجيب ) (هود: 161)، ليحافظ بذلك على استمرارية الحياة بكل أشكالها، ولن يتحقق هذا إلا بتنمية الإنسان لنفسه فكريا وسلوكيا؛ ليكون قادرا على تنمية بقية المجالات الأخرى: الاجتماعي والاقتصادي والبيئي والمالي والثقافي، ويحقق حاجاته الروحية والمادية بتوازن واعتدال، دون تغليب جانب على آخر.
ثانيا: ربانية:
لقد جاء القرآن لتحقيق سعادة الإنسان في الدارين، وهدايته وإصلاح كل أموره، وهذا أغلى وأعلى مراتب التنمية البشرية، قال تعالى: ( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى ءَامَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَتٍ من السماء والأرض ) [الأعراف: 196]، وهـذا وعد الله الذي خلق الخلق، ويعلم ما يصلحه وما يفسده، فنتائجه سليمة ومضمونة، أما ما يتوصل إليه الناس
من علم إنما يخضع للتجريب والتعديل المستمر، وتدارك السلبيات للوصول إلى الصواب وخلال ذلك قد يدفع الإنسان ثمنا باهظا للأخطاء المحتملة، لكن ليس هناك ما يمنع من البحث، أو ما يمنع من تبادل الخبرات والمنافع والتعاون بين البشر جميعا لتحقيق المصالح الإنسانية، قال تعالى: ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى أالْبَرِ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العقاب ) [المائدة: 2]
ثالثا: إنسانية:
قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي ءادم ) الإسراء: 70]، والتكريم هنا عام في بني آدم جميعا، ولم يقتصر على زمان أو مكان وهذا يعني أن الإنسان عموما هو محور التنمية البشرية في القرآن الكريم، فعليه أن يحتفظ بهذا التكريم، وأن يرفع من درجته فيه، قال تعالى: ( يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ ءامنوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير ) المجادلة (1)، وبذلك يحقق دوره في الحياة، ويحيا حياة كريمة سعيدة بالعمل الصالح: إخلاصا وعلما وإتقانًا.
فإذا تأملنا الحديث الشريف التالي:
قال صلى الله عليه وسلم: [ من كتم علما، ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار]. ( رواه ابن حبان)، نجد أن الحديث يناسبه الخصائص السابقة:”الشمول ، ربانية ، إنسانية”
أهداف التنمية البشرية
منْ خلالِ مفهومِ التنميه البشريه نتبيَّنُ أهدافها على النحو التالي:
1- الارتقاء بالإنسان فكريا وسلوكيا.
2- إطلاق قدرات الإنسان وطاقاته، واستخدامها بأفضل الطرق.
3- جعل الإنسان منتجا وفاعلا في المجتمع، بأن يعتمد على ذاته، وقادرًا على تحقيق حاجاته.
4- توفير حياةٍ كريمةٍ للفرد والمجتمع، بالانتقال بالمجتمع والفرد إلى المستوى الأفضل.
5- تحقيق مصالح الفرد والمجتمع الخاصة والعامة، مع تقديم المصلحة العامة.
6- عدم الاكتفاء بحد معين من التنمية، بل جعل الإنسانِ قادرًا على التنمية الذاتية المستمرة.
تجارب في التنمية البشرية
من العلماءِ مَـن طَلَبَ العلم وهو كبير في السن، لم يَحُـل العمـرُ بينه وبين طلب العلم، فصارَ لهُمْ مكانة بيـنَ العُلماء، وارتفع شأنهم بين الناس، منهـم العـز بـن عبـد السـلام – رحمه الله – فقد طلب العلم بعد أن تجاوز الخامسة عشرة من عمره، واجتهد في طلب العلم حتـى صـارَ مِنْ أَشْهَرِ عُلماء عصره، وعلـمَ النَّاسَ اللغة والنحو والفقـه والتفسير، وألف كتبا، ولا زالت كتبه في مكتبات الجامعات، وما زال طلبة العلم ينهلون منهـا وإلـى مـا شـاء الله تعالى.