العلم نور ورفعة
العلم نور ورفعة
يقول تعالى: [ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّر أولوا الألباب” (سورة الزمر).
قالَ الإِمام الشافعي -رضي الله عنه:
“تَعَلَّمْ فَلَيْسَ المَرْءُ يَولَدُ عَالِمًا” * “وَلَيْسَ أَخو عِلْمٍ كَمَنْ هُوَ جَاهِلُ”
هذا دليل على أهمية طلب العلم، فقصد الإمام الشافعي بالشطر الثاني: وَلَيْسَ أَخو عِلْمٍ كَمَنْ هُوَ جَاهلُ، علو مكانة طالب العلم والعلماء على الجاهل، والآيةِ والبيت، كلاهما يوضح فضل العلم ومكانة العالم
فإذا عَمَّ الجهل أفراده المجتمع، تأخر المجتمع ثقافيا واقتصاديا وانتشر الفقر وساء التعامل في المجتمع.
مكانة العلم في الإسلام
اهتم الإسلام بالعلم اهتماما بالغا، لأنه سبيل معرفة الله تعالى وتوحيده وعبوديته، ولأن العلم أساس تقدم الشعوب وتقدمها، وهو سبب سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة، فكانت أول آيات القرآن الكريم نزولا تدعو إلى العلم، وتأمر بالقراءة في كل مستوياتها العامة للكون والخاصة بالمواد المكتوبة؛ لأنها أعظم وسائل اكتساب العلم، قال تعالى: “اقرا باسم رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلق * اقرأ وربك الأكرم الَّذِي عَلم بالقلم ) (العلق)، كما حَثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على طلب العلم النافع، فقال : «سَلُوا اللهَ عِلْمًا نَافِعًا» (رواه ابن ماجه)، وكان يستفتح نهارَهُ قائلًا: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ عِلْمًا نَافِعًا» (رواه أحمد). وأفضل علم هو الذي يستفيد منه صاحبه ويستفيد منه الناس وتكون نتيجته في المجتمع فيرقى المجتمع ويتقدم ويزدهر .
ودلالة القسم بالقلم في قوله تعالى: ﴿ ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ ﴾ [سورة القلم: 1]
فيه دلالة على أهمية الكتابة في حفظ العلم ونقله للناس.
أهمية طلب العلم
1- طلب العلم سبب لدخول الجنة:
قالَ النبي صلى الله عليه وسلم: ( مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللهُ لَهُ به طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) ( رواه مسلم).
2- رضا الملائكة عن طالب العلم:
قالَ رسولنا الكريم: «إِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ» (رواه أبو داودَ).
3- صدقة أجرها دائم إلى يوم القيامة:
قالَ النبي صلى الله عليه وسلم: “إذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةِ: “إِلا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ” “أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ” “أَوْ وَلَدِ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ” ( رواه مسلم).
مجالات العلم النافع
قال أحد العلماء العلم علمان:
أولاً: علم الأديان.
ثانياً: وعلم الأبدان.
فيحصل الإنسانُ العلم النافع بتعلم علوم الأديان، أي علوم الشريعة: وهي خير للإنسان في دنياه وآخرته، قَالَ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقَهُ فِي الدِّينِ» (رواه البخاري ومسلم)، وكذلك بتعلم علوم الأبدان وهي علوم الطب، والرياضيات، واللغات، والهندسة، والتكنولوجيا، وسائر العلوم التي تتقدم بها المجتمعات، وترتقي بها الحضارات.
فوائد تَعَلُّمِ الإنسان للعلوم
1- علوم القرآنِ والفقه والعقيدة : التفقه في الدين والإلمام بالعلوم الشرعية.
2- تعلم علم التشريح وهو الجراحة والطب: يدرك قدرة الله في خلقه ويزداد إيمانه ويكسب خبرة.
3- علوم الحاسبات والمعلومات: يكتسب معرفة بكيفية استخدام التكنولوجيا والاستفادة بها.
4- علم الهندسة والتصميم والديكورات: يكتسب معرفة في تصميم المباني والديكورات وتطوير الصناعة.
وربط القرآن الكريم بينَ طلب العلم واللغة العربية في قوله تعالى: “كِتَابُ فُصِّلَتْ ءايَاتُهُ قُرْءَاناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ [سورةُ فُصِّلَتْ: 3] فيه دليل على أهمية اللغة العربية وعلاقاتها بقراءة القرآن الكريم وفهم معانيه.
فإذا أخطأ أحد في تلاوة القرآن الكريم، تغير المعنى، وأدى إلى الفهم الخطأ لمفهوم الآية الكريمة.
وواجبنا تجاه اللغة العربية الحفاظ عليها بتعلمها والتحدث بها وتعليمها للآخرين
ولكي يكون المسلم متمكناً منْ إتقان اللغة العربية عليه بتلاوة القرآن الكريم والمداومة على قراءته والقراءة المستمرة للقصص والمجلات وقواعدها.
مكانة العلماء العاملين بعلمهم
بيَّن القرآن الكريمُ عُلُو منزلة العلماء، قال تعالى: ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ [سورة المجادلة: 11] ، وخصّهُم تعالى بهذه الدرجة دون غيرِهِمْ، قال عز وجل: ( قُلْ هَلْ يستوى الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُوا الأَلْبَاب ﴾ [سورة الزمر:9]، وقرنَ الله تعالى شهادة ملائكته وشهادة العلماء بشهادته عزّ وجلَّ، وفي ذلك دلالة على شرف العلماء، قال تعالى: “شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ والملائكَةُ وَأُولُوا العِلمِ قائماً بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزيزُ الْحَكِيمُ ) (سورة آل عمران: 18].
وبينَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فضل العالم المعلم، فقال: (إِنَّ فضلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ, وَإِنَّ العُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ, وَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرَثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمَا, وَرَّثُوا الْعِلْمَ, فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرِ) ( أبو داودَ).
فالعلماء أكثر الناس خشية وتقوى وخوفاً من الله تعالى وفي هذا دليل على علو مكانة العلماء قالَ ربنا الكريم في كتابه: ” إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَماء ” سورة فاطر.
وكذلك تقديم العالم لإمامة الناس في الصلاة فيه دليل على علو مكانة العلماء:
قال رسولُ اللهِ: « يؤم القَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللهِ، فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاء فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ» (رواه مسلم).
ودعاء الملائكة وأهل السموات و الأرضين للعالم فيه دليل على علو مكانة العلماء:
قالَ رسولنا الكريم : « إِنَّ اللَّهَ تعالى وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِينَ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ» (رواه الترمذي).
رسولنا أسوة حسنة للعلماء والمعلمين
بعث رسول الله معلما للناس، قال : «إِنَّمَا بُعِثْتُ مُعلما» (رواه ابن ماجه)، فكان صلى الله عليه وسلم خير معلم؛ ليبني شخصية الإنسان، وقد وصفه أحد الصحابة رضي الله عنهم بقولِهِ: «مَا رَأَيْتُ مُعَلَّمًا قَطُّ قَبْلَهُ صلى الله عليه وسلم وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تعليمًا مِنْهُ » (رواه مسلم)، فكان صلى الله عليه وسلم لينا رفيقا بالمتعلم، ميسرا، بعيدًا عن التشديد في الأمور، قالَ : إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْعَثْنِي مُعَنا وَلَا مُتَعَنَا، وَلَكِنْ بَعَثَنِي مُعَلَّمًا مُيسرا» (رواه مسلم)، وعلم رسولنا الصحابة الكرام رضيَ الله عنهم – علوم الدين، وحَتْهُم على التفكر في الكون، فعَنْ أَبي ذر الغفاري صلى الله عليه وسلم قَالَ: « تَرَكَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَمَا طَائِرُ يُقَلِّبُ جَناحَيْهِ فِي الهَواءِ، إِلَّا وَهُوَ يُذَكِّرْنا مِنْهُ عِلْمًا» (رواه الطبراني).
ولقد تميَّز النبي بصفات في تعليمه للناسِ، فضرب لهم الأمثال، والرفق بالمتعلم والوسطية في التعلم والصبر، وكان هذا له نتيجة إيجابية كزيادة محبة الناس له وأخذوا منه العلم وتأثر به غير المسلمين، قالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: “مَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ مِنَ الْهُدَى وَالْعِلْمِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَصَابَ أَرْضًا، فَكَانَتْ مِنْهَا طَائِفَةٌ طَيِّبَةٌ، قَبِلَتِ الْمَاءَ فَأَنْبَتَتِ الْكَلأَ وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَ . وَكَانَ مِنْهَا أَجَادِبُ أَمْسَكَتِ الْمَاءَ فَنَفَعَ اللهُ بِهَا النَّاسَ، فَشَرِبُوا مِنْهَا وَسَقَوْا وَزَرَعُوا. وَأَصَابَ طَائِفَةٌ مِنْهَا أُخْرَى، إِنَّمَا هِيَ قِيعَانُ لَا تُمْسِكُ مَاءً وَلَا تُنْبِتُ كَلَأ، فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ فِي دِينِ اللَّهِ، وَنَفَعَهُ مَا بَعَثَنِي اللهُ بِهِ، فَعَلِمَ وَعَلَّمَ. وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسًا، وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللَّهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ” (صحيح البخاري ومسلم).
تشبيه العالم والجاهل بالأرض
الأرض الطيبة: من فَقِه وفَهِم في دين الله تعالى وانتفع به فَعَلِم وتَعَلَّم.
الأرض الجدباء: لهم قلوب حافظة لكن ليست لهم أفهام ثاقبة وقد ينفع غيره.
الأرض القيعان: من لم يرفع بذلك رأساً ولم يقبل هداية الله فلم ينتفع ولم ينفع غيره.
ـ الصفة التي ينبغي أن يتحلى بها مَنْ أَنْعَمَ اللهُ عليهِ بالعلم، أن ينفع نفسه وينفع غيره فهو نافع للآخرين، وأثر العالم العامل بعلمه على المجتمع سيكون فيه نفع للآخرين ونشر للعلم.
ـ الجوانب الإيجابية والسلبية في أخذ العلم من المواقع الإلكترونية:
الآثار الإيجابية: حفظها ونقلها.
الآثار السلبية: هناك مواقع تنشر آراء تدعو إلى تفكك المجتمع ومخالفة القانون، فيجب أن يؤخذ العلم من مصدره الموثوق ومن الجهات الرسمية.
التأدب مع العلماء والمعلمين
ينبغي على المتعلم أنْ يلتزم الأدب في تعامله مع العلماء والمعلمينَ، ومِنْهُ: التأدب في الحديث معهم وتقديرِهِمْ، قالَ صلى الله عليه وسلم: « لَيْسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ لَمْ يُجِلَّ كَبِيرَنَا وَيَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيَعْرَفْ لِعَالِمِنَا حَقَّهُ» (رواه أحمدُ)، ومِنْ حَقِّهِمْ علينا شكرُهُمْ، والتواضع لهم، والسؤال عن حالِهِمْ، ولين الجانب لهم، واحترامهم، والدعاءُ لهم، قَالَ صلى الله عليه وسلم: ( مَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئوهُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُونَهُ فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَرَوْا أَنَّكُمْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ) (أبو داودَ)
آداب طالب العلم
1- الاجتهاد.
2-الاحترام.
3- التواضع.
4- السكينة ولين الجانب.
فمن تخلى بها نال رضا الله تعالى، ويحبه المعلم ويحترمه الناس، وينال نصيبه من العلم ويستفيد من علم معلمه، قال سيدنا عمر بن الخطاب : تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ وَعَلّمُوهُ النَّاسَ ، وَتَعَلَّمُوا الْوَقَارَ وَالسَّكِينَةَ، وَتَوَاضَعُوا لِمَنْ تَعَلَّمْتُمْ مِنْهُ الْعِلْمَ، وَتَوَاضَعُوا لِمَنْ تُعَلَّمُوهُ العِلْم) (رواه البيهقي).
العلم أساس الحضارة الإنسانية
يُعد العلم سببا لتقدم المجتمعات، فمِنَ العلم والفكر ينتج الإبداع والتطور، قال تعالى:
﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ [سورة المجادلة:11]، ولقد تفاعل المسلمونَ مع توجيهات الإسلامِ لطلب العلم بالبحث العلمي والقراءة، فساهموا في بناء الحضارة الإنسانية في ميادينِ العلم المختلفة، وبرزَ منهم الإمام مالك بن أنس رحمهُ اللهُ، والإمام أبو حنيفة النعمانُ رحمهُ اللهُ، والإمامُ البخاري رحمه الله، والإمام مسلم رحمه الله في علوم الشريعة، وابن سينا في الطب، والخوارزمي في الرياضيات، ومئاتُ العلماء الذين برزوا في كل العلوم.
كما يُعَدُّ المسلمونَ أولَ مَنْ أَنشأ الجامعات، فكانت دار الحكمة أول جامعة، ثم تلتها جامعةُ القيرويينَ، ثم جامعة الأزهر، وكان نتاج اهتمامهم بالعلم أن ظهر أولُ مَشْفّى في الإسلامِ (دار الشفاء) ببغداد.
التعليم في دولة الإمارات العربية المتحدة
أدركت دولتنا الحبيبةُ بقيادتها الرشيدة أهمية العلم والتعلم، فقامت ببناء المدارس والمعاهد والجامعات، وأمدَّتُها بأصحاب الخبرات من المعلمين والمعلمات، ووفرت لها كل الوسائل التي تعينُ على النجاح في شتى المجالات، واقتحمت بقوة مجال العلوم الفضائية، وأصبحت عاصمةً للطاقة النظيفة المستدامة. وجعلت التعليم أول أولوياتها الذي تسعى للوصولِ بهِ لمستويات عالمية متقدمة، فنصت على المؤشرات الخاصة بتحقيق هذا الهدف في الأجندة الوطنية 2021.