أدلة وحدانية الله
أدلة وحدانية الله
نَزِلَ الوَحْيُ على النبي صلى الله عليه وسلم في زمن كانَ أهلُ مَكَّةَ يعبدونَ فيهِ الأصنامَ، وَيَتقرَّبُونَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ خِلَالِ عِبادَتها، وَكانَ عِندَ الكَعبة ما يُقاربُ ثلاثمئةً وستونَ صنما موزّعةً حولَ الكعبة خارِجَها وداخِلَها وفوقها، لكل قبيلة صنم يُعبد من دونِ اللهِ ،تَعالى، وكان أعظم أصنامهم مَنْزِلَةً هوَ هُبَلُ، ولما دعاهُم النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إلى توحيد الله تعالى رفضوا دعوته وعاندوه وعادوه.
قالَ اللهُ تعالى على لسان قوم نوح عليه السلام لما كذَّبوهُ: “وَقَالُوا لَا نَذَرُنَّ الهَتَكُمْ وَلَا نَذَرُنَّ وَدًا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ ونسراً ” .
فالعلاقة بين الأصنام التي كانت تُعبد في زمن نوح عبد السلامة وبين الأصنام التي كانت حول الكعبة، كلها شرك وكفر بالله تعالى.
وسبب عبادة المشركينَ لغيرِ اللهِ تَعالى رغمَ علمِهمْ بِأَنَّ اللَّهَ تعالَى هو خالِقُهُم هو العناد والتكبر.
أدله وحدانيه الله تعالى
أولاً: دليل الفطرة. ثانيًا: دليلُ التّمانُع. ثالثًا: دليل التسخير.
الشرح والتفصيل
أولاً: دليل الفطرة.
الفطرة: استعداد داخلي غريزي، غُرسَه الله في ذرية آدمَ لتوحيد الخالق ومعرفته والتوجه إليه بالعبادة.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَفِلِينَ(172) أَوْ تقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ ءابآؤنا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ ﴾ (173) (الأعراف)
ما مِنْ مولود يولد في هذهِ الحياةِ إِلَّا وقدْ غُرِسَتْ في نفسه فطرةُ الإيمان بوجودِ اللهِ تعالَى، إِنَّه شعورٌ يجده الإنسانُ في نفسه مهما تغيّر تفكيره ومهما أثَّرتْ عليه المؤشّراتُ، يَدُلُّهُ ويُرشده إلى التَّعلقِ بِاللَّهِ الخالقِ الواحد الأحد.
ودليل الفطرة راسخ في النّفوس لا يحتاج إلى إثبات ولهذا فهوَ أصل لكلِّ الأدلّةِ الأخرى التي تُثبِتُ وجود الخالق سبحانه وتعالى .
طرق المحافظة على سلامة الفطرة
1- التربية الصالحة.
2-العلم والبحث.
3- التفكر في الكون.
ثانيًا: دليلُ التّمانُعِ
قَالَ تَعَالَى: ” لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ” (الأنبياء) النظام البديع للكون، والإتقان والدقة والانسجام في حركة كل المخلوقات، يدلُّ عَلى وَحدانية الخالِقِ عَزوجل، فَلَوْ كَانَ هُناكَ إِلهُ آخَرَ غيرَ اللَّهِ تَعَالَى لحدث تنازع واختلاف بين الإلهينِ، وَلَظهر ذلك جليا في حركة الكون واختلال نظامه، فأحدهما يريد ليلا والآخرُ نهارًا، والأول يريد شتاءً والثاني يريد صيفًا.
قال تعالى: “إنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِى فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ”.
فكلما تأمل أصحاب العقولِ في هذا الكون الواسع، تبيّنَ لهُمْ أنَّ الّذي خلق هذا الكون وأعطاه هذا الانسجام يستحيلُ أنْ يَكونَ معَهُ إِلهُ آخِرَ. فالله تعالى يرشدنا إلى التأمّلِ والتَّفكر في خلقِ السّماءِ؛ كيفَ بَناها منْ غيرِ أعمدة، وزَيَّنَها بالنّجومِ باتِّساق وانسجام بديع، والأرضَ بسطَهَا وثبتها بالجبال وأنبَتَ فيها مختلف أنواع النبات. قال تعالى: “أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَهَا وَزَيَّنَهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوج* وَالْأَرْضَ مَدَدْنَهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبتنَا فِيهَا مِن كُل زَوْج بهيج تبَصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنيب”.
وفي إنزال المطر وإحياء النّباتِ قال تعالى: ( وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاهُ مُباركاً فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتِ وَحَبَّ الْحَصِيدِ وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ مَّا طَلْعُ نَضِيدُ “.
وفي عجيب خلق الإنسان، قال تعالى: ( وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُم مِن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنتُم بَشَرٌ تنتشرون “.
فالآيات القرآنية السابقة فيها دلائل وحدانيّةِ اللهِ تَعَالى، بناء السماء وزينتها والأرض وما أنبت فيها، وخلق الإنسان من تراب، ونزول المطر وإحياء الأرض به بعد موتها.
لو كان في الأرض إلاهان لكان لكل واحد منهما إرادة في حكم العالم فيتقاتلان فيخرب الكون يقول تعالى: “قُل لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذَاً لَّابَتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا “.
ثالثًا: دليل التسخير
خلق الله تعالى جميع المخلوقاتِ وسخّرَها لِخِدمة الإنسانِ، وَجَعلَ لكلِّ مَخلوقِ مهمةً يقومُ بِها، وأعطاهُ حجمًا وصفةً تناسبه للقيام بهذهِ المُهمّةِ الّتي خُلِقَ مِنْ أجلِها، ثمَّ ألهمهُ سُبحانه وتعالى الطريقةَ الَّتِي يُؤدِّي بِها تلكَ المُهمِّةَ عَلَى أَكملِ وَجْهِ، حتّى أنَّ الحيوانَ البهيمَ يُدرك ما يَضُرُّهُ فَيَتجنبُهُ وَمَا يَنْفَعُهُ فَيَنتفِعُ بِهِ.
قَالَ تعالَى: ﴿ أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ في اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَبٍ مُنير ).
فليس هناك مخلوقٌ يَمتنِعُ وَيَستعصي عنْ أَداءِ المُهمِّةِ الَّتِي خُلِقَ مِنْ أَجْلِهَا.
قال تعالى: “وَالَّذِى خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَمِ مَا تَرَكَبُونَ * لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ، ثُمَّ تَذَكَّرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِى سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ”. [الزخرف]
وقال تعالى: (وَسَخَّرَ لَكُمُ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتُ بِأَمْرِه إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتِ لِقَوْمٍ يعقلون”.
فالله سخر الكون وما فيه للإنسان ولخدمته وفي هذا دليل على وحدانية الله تعالى فهو القادر على ذلك.