الإسلام واقتصاد المعرفة
الإسلام واقتصاد المعرفة
تبرَّأ موسى عليه السلام من الجهلِ فقالَ: ( أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَهلِينَ ﴾ (البقرة 67)، وهذا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يقولُ: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) (يوسف 108).
فإذا كان الجهل سبيلاً إلى التخلّف وظهور الفتن والمفاسد، فإنَّ العلم هو النور الذي يضيء العقول والقلوب، والسّبيلُ إلى معرفة الخالق، والطريق إلى التقدم والازدهار، وهو أساس رقيّ الأمم وتمدنها وتطورها، وبقدرِ ما حارب الإسلام الجهل بقدرِ ما حثَّ على المعرفة، ورفع من شأن العلم والعلماء. فقال تَعَالَى: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) (المجادلة 11).
فهناك علاقة بين العلم والمعرفة بالوضع الاقتصادي للدول والشعوب:
وهي أن العلم والمعرفة يشكلان عماد الاقتصاد والقوة لدى الأفراد والجماعات.
الفرق بين العلم والمعرفة
العلم يسبق المعرفة وهو السبيل إليها، فإذا أدرك الإنسانُ العلم بالشيء من خلال البحث والتفكر والتدبر يكون قد عرف الشّيء.
والعلم مفهوم أوسع وأشمل من المعرفة لأنه يختص بصفات الأشياء وحقائقها، أما المعرفة فتختص بذاتِ الأشياء، ومن أبرز الأمثلة على ذلك هو ما أمرنا به الرسول صلى الله عليه وسلم من التفكر بخلق الله عَزوَ جَل وصفاته وليس التفكرُ بذاته.
ومن هنا نستطيعُ القول: أنّ الإنكارُ ضد المعرفة، والجهل ضد العلم.
نبذة عن التطور الاقتصادي
لقد ارتبط التطور الاقتصادي لشعوب العالم منذ قِدَم التاريخ بتطوّر الإنسان العلمي، وإبداعه العقلي والفكري، وإمكاناته على إنتاج المعرفة، سعيا منه إلى تحقيق رفاهيته وتحسين ظروفه.
وقد مر الإنسانُ بعدة مراحل اقتصادية، منها الاقتصاد الصناعي والاقتصاد الزراعي حيثُ فيهما الأرضُ والأيدي العاملة ورأس المال وكل هذا المقومات الأساسية للإنتاج، أصبح لدى الإنسان في ظل التغيرات التي شهدها العالم أصبح لديه القدرة على الإبداع والابتكار في وسائل الإنتاج وأساليبه من خلال تحويل المعلومات إلى معرفة ومن ثم تحويل هذه المعرفة إلى منتج متميز ذات قيمة اقتصادية، وسمي هـذا النوع من الاقتصاد بمسميات كثيرة منها: (اقتصاد المعرفة) أو ( الاقتصاد القائم على المعرفة).
مفهوم اقتصاد المعرفة
هو نمط من الاقتصاد يعتمد بشكل كبير على الاستخدام الفعال للمعرفة والمعلومات في عمليات الإنتاج والتوزيع والتبادل التجاري، ويشمل هذا النمط من الاقتصاد العديد من الصناعات التي تتميز بارتفاع مستوى التكنولوجيا والابتكار، فإنَّ اقتصاد المعرفــة يقــوم علـى جمـع المعلومات وزيادتها بل وتوليدها، وتخزينها وحمايتها والرجوع إليه في أي وقـت، لتوفير كل ما يحتاجـه صـانـع القرار والمسؤولين لاتخاذ القرار المناسب في أسرع وقت، ممّا وفر الجهد والوقت الذي كان يحتاجه عملُ الأبحاث والتحليلات والدّراساتِ لاتخاذ القرار.
الفرق بينَ اقتصاد المعرفة والاقتصاد القائم على الإنتاج
اقتصاد المعرفة هو إبداع وابتكار في طرق ووسائل وأساليب الإنتاج.
بينما الاقتصاد الإنتاجي هو ثمرة أو نتاجٌ لاقتصاد المعرفة, إن اقتصاديات الأشياء الماديَّة الملموسة تختلف تمامًا عن اقتصادِ المعلومات، فاقتصاد المعرفة يتصف بأنَّه اقتصاد قائم على الوفْرة أكثرَ مِن كونه نُدرة، بينما الاقتصاد التقليدي فإن الموارد فيه يمكن أن تكون جرَّاء الاستهلاك والاستخدام، بينما تزداد المعرفةُ بالتعلُّم والممارسة والاستخدام، وتنتشر أكثر وأكثر بالمشاركة.
أهمية اقتصاد المعرفة
1- السرعة والدقة في توفير المعلومة، والحصول عليها بسهولة.
2- القدرة على توفير الاقتراحاتِ، وتوقع النتائج وتحليلها، وطرح البدائل.
3- توفير الوقت والجهد. القدرة على تحديد الحاجاتِ الضّروريّةِ للعمل: كالخبرات والمهارات، وأعدادها، وتحديد حاجات تطوير المنتج، وتحديد مدى الحاجة لزيادة الإنتاج أو خفضـــه أو ضبطـــه.
4- التواصل المباشر بين المنتج والمستهلك، وتعرف ميوله ورغباته، والحصول على التغذية الراجعــة مباشرة من المستهلك.
5- خفضُ التكاليف والتقليلُ منَ الإجراءاتِ، وبالتالي خفضُ الأسعار أو ضبطها واستقرارها. ومن حيث الواقع فإن الاقتصاد المبني على المعرفة أصبح يتطور بسرعة كبيرة جدا ويحقق عائدات ضخمة، كما أن أدوات هذا الاقتصادِ كمحركات البحث وبرمجيّاتِ المعرفة وإدارتها باتت تمثل قيمة اقتصادية ومادية ضخمة، ليسَ في مجال الاقتصادِ فقط، وإنّما في جميع مجالات الحياة.
فالتطور الفكري والاطلاع على شتى مجالات العلوم زاد في أهمية اقتصاد المعرفة.
الإسلام والاقتصاد:
أنّ الاقتصاد والمال في الإسلام هما عصب الحياة، فضلا عن أن الاقتصاد القوي هـو قـوة للفرد والمجتمع والدولة، والمسلم يحرص على أن تكون الدولة دائما في أوج قوتها، لتحقيق الأمن والاستقرار والرفاه للمجتمع والوطن، والنبي صلى الله عليه وسلم يقولُ: «المؤمِنُ القويُّ خيرٌ وأحب إلى اللهِ مِنَ المُؤمِنِ الضَّعِيف » رواه مسلم ، والمقصود في الحديث الشريف القوة بكل معانيها، ومنها القوةُ الاقتصادية، كما أنّ من مقاصد الشريعة الإسلاميّة حفظ الضّروراتِ الخمسة، وحفظ مقوّماتها، والاقتصاد يؤدي دورًا رئيسيًا في حمايتها واستمرارها في أحسن حالاتها، وقد أصبحَ العالم المتقدّمُ يتجه إلى اقتصادِ المعرفة، لما أثبت من أهميّة وقوة اقتصادية حقيقية.
مما سبق يتبيِّنُ أنَّ من واجب المسلمِ بناءَ الاقتصاد القوي القائم على المعرفة كضرورة، لتحقيق النمو والازدهار الاقتصادي، ومواكبة روح العصرِ والتّقدّم الّذي يعيشه العالم، وتجنّبِ التّخلفِ والعزلة عن محيطه العالمي.
وتظهر سيرة النبي صلى الله عليه وسلم حرصه على العلم والمعرفة، فقد جعل صلى الله عليه وسلم فداء الأسير أن يعلم عشرة من المسلمين الكتابة والقراءة، بدلًا من المال، وقد طلب من زيد بن ثابت رضي الله عنه أن يتعلم السريانية والعبرانية، وقد استمر هذا الاهتمام عبر التاريخ، من خلال إنشاء الدواوين والمكتبات، والحرص على الترجمة وتشجيعها.
– إنَّ الإسلام يؤيد اقتصاد المعرفة ويحث ويشجع عليه ويعتبره من أولويات وأهميات المسلم.
– الأبعاد الاقتصادية للعبادة في الإسلام:
1- البعد الاقتصادي لعبادة الحج التجارة وتبادل المنافع:
في قوله تعالى:( وَأَذِن فِي النَّاسِ بِالْحَج يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَات ) (الحج 27-28).
2- البعد الاقتصادي لعبادة الصلاة والوضوء: التواصل وعدم الإسراف:
فَعنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: ( أنْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِسَعْدِ وَهوَ يَتَوَضَّأَ فَقَالَ: مَا هَذا السَّرَفُ يا سَعْدُ ؟ قالَ: أَفي الْوُضوءِ سَرَفٌ؟ قالَ: نَعَمْ، وَإِنْ كُنْتَ عَلَى نَهْرِ جارٍ) (مسند احمد).
مقومات اقتصاد المعرفة
1- العامل البشري باعتباره منتج المعرفة والمستهدف منها.
2- منظومة تعليم متطورة تقوم على البحث العلمي وحل المشكلات، وتتصف بالإبداع والابتكار والعمل على ربطها بسوق العمل.
3- بنية تحتية مناسبة كتوفير (الإنترنت) ووسائل الاتصال والأجهزة اللازمة.
4- التواصل مع الآخرين حول العالم، ومواكبة التطورات والمستجدات.
5 الاستفادة من الثورة المعلوماتية والتكنولوجية استفادةً فعّالةً.
“الاقتصاد المعرفي” هو الفرق بين ما أنفق على صناعة المعرفة من خلال البحث والتطوير والإعدادِ والتدريب، وبين العائد الناتج من هذه العملية، والتي تقتصر على إنتاج المعرفة أو اكتسابها أو نشرها أو تخزينها كما هو الحال في بعض الدول النامية.
أما “الاقتصاد القائم على المعرفة” فهو تطبيق الاقتصاد المعرفي على جميع الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية ضمن منظومة متكاملة كما هو الحال في الدول الصناعية التي استفادت كثيرًا من الثورة العلمية والتكنولوجية وسخرتها في شتى المجالات.
ومثال ذلك: أنَّ هذه الدول استطاعت تسخير تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في إجراء العمليات الجراحية عن بعد.
أسس الاقتصاد في الإسلام
وضع الإسلام أسسا للنشاط الاقتصادي في المجتمع،
1- أسس اعتقاديّة، فالمال نعمة وعلى الإنسانِ شكرها، قـولا بشكرِ المنعم، وهو الله تعالى، وعملا بضرورة احترامِ النعمة ووضعها في مكانها الصحيح،
2- أسس أخلاقيّة تحقَّقُ السّماحة في المعاملاتِ، والتيسير على النَّاسِ والتكافل بينهم،
3- أسس تشريعية تحظر الغش والخيانة وأكل أموال الناس بالباطل (مثل: الرّبا والقمارِ والرّشوة)، وضمان حقوق الآخرين.
هذه الأسس تنطبق على اقتصاد المعرفة، وهي بمثابة ضوابط لضمان استقرار المعاملات الاقتصادية بين الناس،
بالإضافة إلى أمور تتعلّق باقتصاد المعرفة مباشرة، منها:
1-احترام الخصوصية: وما يتعلّق ببيانات الآخرين، فهي حقوق لأصحابها لا يجوز التعدي عليها دونَ مسوّغ شرعي كطلب الإذن من صاحبها مثلا.
2-مراعاة حقوق الملكية الفكرية: فيما يتعلّق بالبرمجيات ونظم حفظ المعلومات والعلامات التجارية والأسماء وغيرها، حيثُ أن تعريضها للخطر أو التعدي عليها، يتسبّب بخسارة لأصحابها وضرر، ورسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: «لا ضرر ولا ضرار» (البيهقي). 3-الالتزام بالقوانين الصادرة عن ولي الأمر والتي تتعلّق باقتصاد المعرفةِ والإنتاج والتسويق وضمان حقوقِ المستهلك، قال تعالى: يَأ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنكُمْ ) (النساء (59)، وقد سنت دولة الإمارات العربية المتحدة قانون حماية الملكية الفكريّة، وقوانين لمكافحة الجرائم الإلكترونية وغيرها.
ميزات وإيجابيات اقتصاد المعرفة
يتيح لكل فرد أن يبتكر ويشارك في الإنتاج.
يساهم في انفتاح العالم وزيادة التواصل.
اقتصاد مرن يسمح باستخدام التقنية المناسبة .
انخفاض تكلفة المنتج وسهولة التنافس.
عيوب وسلبيات اقتصاد المعرفة:
1- يسهل عملية استنساخ المنتج والقفز على الحقوق الفكرية.
2- دخول المنتجات في كثير من النشاطات الإنسانية.
3- قوة المنتج من الممكن أن تؤدي إلى الاحتكار.
4- القدرة على توليد الأفكار وإنتاج المعارف المبتكرة وإلغاء المنتج القديم.
قالَ تَعَالَى: قَالَ مَا مَكَنِي فِيهِ رَبِّي خَيْرُ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا ) وَاتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَآوَي بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ أَنفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ وَاتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطرًا ﴾ (الكهف).نوع المعرفة في الآية السابقة أنه كان يمتلكها ذو القرنين ألا وهي الابداع والابتكار.
مجال استثمار هذه الخبرة والمعرفة كان في بناء السدود.
والنصوص الآتية تظهر نتائج اقتصاد المعرفة.
الأمثلة:
1- استعانَ النبي بعبد الله بن أريقط ليكونَ دليلا له في الهجرة إلى المدينة، وكلّف عبدالله
بن أبي بكرٍ بأن يأتيه بأخبار قريش. بسبب المعرفة بطرق الصحراء ولجمع المعلومات.
ونتيجة الاستثمار المعرفة كان السفر آمنا واختصارا للوقت والجهد ولم يحدث الوقوع في الأخطاء.
2- نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تلقي الركبان(عدم خروج التاجرِ إلى أطرافِ البلدِ لشراء سلع أهلِ الرّيف قبل وصولهم إلى السوق) منعَ الاستغلالِ والاحتيال وكان ذلك تحقيقا لأفضل النتائج.
3- قام علماء المسلمين بترجمة علوم الحضارات السابقة للقدرة على تعريب وترجمة الثراث العلمي للآخرين وذلك لمواكبة التطور لدى الآخرين
4- أشار “سلمان الفارسي “ رَضِيَ اللهُ عَنهُ على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حفر خندق حول المدينة، في غزوة الأحزاب وذلك لمعرفته بالوسائل الدفاعية وبذلك تم استثمار المعرفة في ردّ العدوان وتحقيق الأمن.
أنواع السلع المعرفية
1- المعارفُ الفنية المتعلقة بالتكنولوجيا التقنية والتصنيعية وتبادل الخبرات وتدريب الأيدي الفنية.
2- المعارف الإعلامية المتعلقة بتبادل الأخبار والإعلانات بمختلف أشكالها.
3- المعارفُ الأكاديمية المتعلقة بتبادل المعارف والعلوم المختلفة.