الهوية والانتماء

الاستدامة في المنهج الإسلامي

الاستدامة في المنهج الإسلامي

كوكبنا في خطرٍ- ووجودنا في خطرٍ صرخات أصبحنا نسمعها كثيرا في الآونة الأخيرة من خبراء البيئة، يدقون ناقوس الخطر محذريـــن من أنَّ الكــونَ الذي عرفناه، والمناخات التقليدية في مختلف مناطق العالـم آخــذة في التغيير التدريجي الطاقة الأحفورية التي تتحوّل إلى سموم في الفضاء مما يسبب في زيادة حرارة الأرض، وارتفاع منسوب البحارِ وفقدانِ طبقات الجليد وغرقِ الشَّطآنِ والتصحر وملوحةِ الأرضِ وفقدانِ مصادرها الزراعية تدريجيا والتعرض لكوارث بيئية مفاجئة.

فإذا لم تتخذَ التدابير العاجلة تجاه ذلـك واستمر تدفّق الكربون في الفضاء بوتيرة متصاعدة، ستجلب الكوارثَ ليس للبشريّة فقط ولكن للحياة البحرية والحيوانية والنباتية على حد سواء, وبهذا يكون الإنسانُ بطمعه قد قتل الكوكب الذي يعيش عليه، وهو يبحث عن الرفاه والحياة الكريمة.

أسباب تغير المناخي في العالم 

1- التلوث بأنواعه الثلاث البري والجوي والبحري.

2 – الثورات البركانية.

3- نشاطات الإنسان مثل قطع الغابات وحرق الأشجار مما يؤدي إلى اختلال في التوازن البيني.

مفهوم الاستدامة

لغة: استدام: طلب الدوام، فيقالُ: استدامَ الشَّيءُ: طلب دوامه.

أما اصطلاحًا: وله تعريفات كثيرة، تدور حول معنى واحـد الوفاء باحتياجات الأجيال الحاضرة، دون المساس بحاجاتِ الأجيال القادمة، وهذا يجعل على كل جيل مسؤولية تجاه الجيل الذي يأتي بعده، تتمثل في ضرورة الحفاظ على الموارد الطبيعيّة وتنميتها وتطويرها لتفي بحاجاتِ الجيلِ الحاضر وتبقى للأجيال القادمة.

 – إنَّ لكل جيل تحديات وظروفٍ تفرضُ عليه شكل التعامل مع البيئة، لكن بالتخطيط السليم والنظرة المستقبلية

السليمة يمكن العمل على تحقيق الهدف من الاستدامة، وهو تحسين التعامل البشري من منطلق احترام البيئة والانسجام معها، وتحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية، ونشر ثقافة الأمن والسلم في المجتمعات.

الاستدامة من منظور إسلامي

لم يذكر  لفظ الاستدامة في تراث الفكر الإسلامي، لكن تعريفها حاضر بقوة في حياة المسلم، ويظهر ذلك من خلال مرتكزات وأنماط  أساسية تشكل نظرة المسلم وموقفه تجاه المخلوقات والكون، وتفرض عليه سلوكا متوازنا مع محيطه ومكوّناتِ هذا المحيط، وهو محاسب على تصرفاته تجاهها،

  مرتكزات الاستدامة في المنهج الإسلامي

الأولى: عمارة الأرض:

قالَ اللهُ تعالى: ( هُوَ أَنشَاكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ) (هود 61) أكدت الآية الكريمة رسالة الإنسان على الأرض بصيغة الاستمرارية، اسْتَعْمَرَكم فيها، فهي رسالة لا تتوقف ولا تنتهي إلا بلقائه سبحانه، قال تعالى:( يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ ﴾ (الانشقاق). كما أن الآية أفادت الشمول من صيغة الجمع أَنشَاكُم، فشملَتِ الرّجل والمرأة، والكبير والصغير، والمؤمــن وغير المؤمن، فهي مسؤولية الجميع.

من هنا يتبين أن تعريف الإعمار والتطوير يجب أن يكونَ إنسانيا  مستداماٍ وشاملًا في جميع المجالات، فهو لا يقتصر على دولة أو أمةٍ أو مجتمع فقط، فلا بد من تعاون المجتمع الإنساني بأسره، إذ لا تستطيعُ دولة أن تعالج الاحتباس الحراري بمفردها، أو أن تكافح التلوث أو غيــره مــن التحديات التــي تواجه البيئة، دون تعاون الجميع، أو من دونِ تبادل العلوم والخبرات فيما بينهم، أو من غير احترام الآخرين واحترام معتقداتهم وثقافتهم وتراثهم، وتقدير علومهم وجهودهم.

اقرأ أيضاً  العمل عبادة وحضارة

سبل نجاح الإنسان في إعمار الأرض

1. إعمارها بمنهج رباني.

2. الموازنة بين المصلحة الخاصة والمصلحة العامة

3.قيامها على أسس علمية صحيحة.

بعض معوقات الاستدامة:

1- قلة التنسيق وعدم تظافر الجهود.

2- تقديم المصالح الضيقة على المصالح العامة.

الثانية: ( مرتكزات الاستدامة في المنهج الإسلامي ) التَّوازن بين الإنتاج والاستهلاك:

قالَ تَعَالَى : ( لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ ﴾ (الطلاق (7) ، وقال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قواما ) (الفرقان)، فالاعتدال في الاستهلاكِ وربطه بالقدرة (الإنتاج) يحقق الاستدامة في الموارد كلها، ثم جاء النهي عن التبذير ليضبط استهلاك الإنسان في جميع أحواله، قالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا )) (الإسراء)، وقال لسعد عندما سأل: أفي الوضوء سـرف؟ قال: « نعم، وإن كنتَ على نَهْرٍ جارٍ مسند أحمد).

إنّ التوسط والاعتدال في الاستهلاكِ يعني الوفاء بحاجات الفرد، وفي نفس الوقت الحفاظ علـى الموارد مـن الإسراف والاستنزاف والضياع، وهذا من صميم الطاعة لله تعالى، والالتزام به عبادة بمفهومها العام،

وبالرجوع إلــى تعريف الاستدامة، نجد أنها  نمط حياتي وسلوك طبيعي للمسلم، ومسؤولية بأعماله وتتعلق بالأمانة التي تحملها بنو آدم. يقول تعالى:( إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ).(الأحزاب).

جعل الله سبحانه وتعالى خلافة الإنسان وأمانته لا تتحقق إلّا على هذه الأرض، فهو بحاجة إلى الحفاظ علـى الأرض، والتعايش مع الآخرين لتحقيق رسالته تحقيقا صحيحًا أمام ربه عز وجل.

الثالثةُ:  ( مرتكزات الاستدامة في المنهج الإسلامي ) العمل والتعاون:

قال تعالى : (وَلَا يَجۡرِمَنَّكُمۡ شَنَـَٔانُ قَوۡمٍ أَن صَدُّوكُمۡ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبَرِ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ )(المائدة 2)، أمرٌ منَ الله تعالى بالتعاونِ البنّاء المنتج الذي يخدم الجميع، وهذا التعاون يتطلب عملًا تتضافر عليه الجهود مجتمعةً، فيؤتي ثماره على أكمل وجه، كما أنَّ في الآية نهيًا عن الإثم والعدوان على إطلاقه، سواء أكان على الإنسانِ أم الحيوان أم النبات أم الجماد، فالمسلم يحاذر من الوقوع فيه، فشرط التعاونِ الوارد في الآية مع الأمر الصريح بالعمل في قوله تعالى: ( وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ﴾ (التوبة 105)، يُعد توجيها مباشرًا نحو المصلحة العامة والتنمية والتقدم، وتطوير الموارد وزيادة الإنتاج، وهذا يحقق الاستدامة.

 كما أن الإسلام جعل العلم والاتقان والإخلاص من ضوابط العمل، قالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إِنَّ اللهَ يُحِبُّ إِذا عَمِلَ أحدكم عملا أنْ يُتقنَهُ» (الجامع الصغير)، وهذا ما يحقق الجودة، ويساعد على تحقيق الاستدامة.

اقرأ أيضاً  التنمية البشرية في الإسلام

 فالمسلم يحرص على العمل والتعاون، انطلاقا من أحكام دينه وإرضاء لربه تعالى، فهو يعمل وينتج وينمي طاعة لله تعالى، ويتجنّب العدوان على موارد البيئة أيضًا طاعة لله عز وجل.

 شروط تحقيق الجودة والوفاء بالمتطلبات

1- انعدام العيوب.

2- تنفيذ العمل بطريقة صحيحة من أول مرة وكل مرة.

العلاقة بين تحقيق الجودة والاستدامة: تحقق شروط الجودة يؤدي إلى الاستدامة.

الرابعة:  ( مرتكزات الاستدامة في المنهج الإسلامي ) نعمُ اللهِ في الأرضِ:

 قال تعالى: (هُوَ الَّذِى خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ) (البقرة (29)، وقال تعالى: ( وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمُ )) (النحل)، ، فالمسلم يرى أنَّ جميع المخلوقات هي نعم من الله تعالى على بني آدم، والواجب تجاهها شكر المنعم، والشكر يكونُ بالقول والعمل، أيّ بالمحافظة عليها وصيانتها، والتصرف فيهـا مـن غير إسراف.

ومن ناحية أخرى فالمؤمنُ يرى أن مخلوقاتِ اللهِ في الكون هي آيات دالة على عظمة الخالق سبحانه تعالى ، فهي محل احترام وتقدير إجلالا لخالقها، فلا يحتقر شيئًا خلقه الله، بغض النظر عن مدى الحاجة إليه، قال تعالى: ( وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَيْرِ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ ) (الأنعام)، فالنحل مثلا حشرة صغيرة، جعلها الله سببًا لشفاء الإنسان من كثير من الأمراض.

 من هنا نجد أن المؤمن يحافظ على البيئة وينمّيها من منطلق إيماني وأخلاقي، والرقابة فيه داخلية ذاتية، فهو يعلم أنه مسؤول أمامَ اللهِ عن تصرفاتــه تجـاه نـعـم الله تعالى عليـه.

أهمية الاستدامة

للاستدامة أهميّة عظيمة، خاصةً فيما يتعلق بحياة الإنسان ومستقبله على الأرض، وتظهر هذه الأهمية من خلال ما تحققه من نتائج عملية في جوانب كثيرة، منها:

تحقيق التنمية الشاملة : الاقتصادية والاجتماعيّةِ من خلالِ التّعاونِ في تنمية الموارد والحفاظ عليها.

 سد حاجات الإنسان عن طريق زيادة الإنتاج وضبط الاستهلاك، ممّا يوفّر رفاهية الشعوب وسعادتها.

 تحقيق الأمن والاستقرار لشعوب الأرض من خلالِ التّعاونِ وتحقيق المصالح المشتركة بينها مثل الأمن الغذائي.

 حماية صحة الإنسان: من خلال توفير الغذاء والدواء، ومكافحة المرض على مستوى العالم.

 التقدّم العلمي الذي يصاحبُ التنمية والتطور والتقدم الناتج عن تحقيق الاستدامة.

 المساعدة في توفير حياة أفضل للأجيال القادمة، واستمرار بقاءِ الإنسان على هذه الأرضِ إلى ما شاءَ اللهُ تعالى.

التوجيهات النبوية المتعلقة باحترام البيئة والحفاظ على ديمومتها من خلال النصوص الآتية: «ما من مسلم يغرس غرسًا أو يزرعُ زرعًا فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة». التشجيع على الزراعة.

قول الرسول صلى الله عليه وسلم 🙁 لا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ في الماء الدائم الذي لا يجرِي ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ). عدم تلويث مصادر المياه.

اقرأ أيضاً  نعمة الأمن

علاقة ما يأتي بالاستدامة:

 تشريع نظام الوقف:

 استدامة رأس المال وإدارته بطريقة احترافية بما يحفظ عدم خسارته أو فقدان قيمته الشرائية مع الاعتدال بين توزيع المنفعة للمستحقين الحاليين دون التعدي على حقوق الأجيال القادمة من المنتفعين.

 تشجيع الإسلام على التعليم:

مساعدة الناس حتى تكون لديهم المعارف والمهارات اللازمة لاتخاذ قرارات صائبة لتحقيق ما يعود على الجميع بالفائدة في الحاضر والمستقبل.

التشجيع على تقديم الصدقات:

إعطاء الفقراء صدقات وتبرعات من الأغنياء تكفيه وتعينه على البدء بمشروع يغنيه عن السؤال والاعتماد على نفسه.

النهي عن الإسراف والتبذير:

للحفاظ على الثروة وضمان ديمومتها واستمرار الاستفادة.

النصوص الشرعية الآتية من حيثُ مقصد الاستدامة في شكل التنمية:

1- قال تعالى: وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانَا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَكِينِ ). نوع التنمية المقصودة اجتماعية.

 (النساء 36) .

2- قالَ: «لَأَنْ يأخذ أحدكم حَبْلَهُ، فَيَأْتِي بِحِزْمَةِ الحطب على ظهرِهِ فيبيعها، فيَكُفَّ الله بها وجهَهُ خيرٌ لهُ من أن يسأل الناس، أعطوه أو منعوه».(رواه البخاري) نوع التنمية المقصودة اقتصادية.

3- قالَ رسول الله صلى الله عليه: « والله لا يؤمنُ أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه». (مسند أحمد) نوع التنمية المقصودة اجتماعية.

4- قال صلى الله عليه وسلم: « خيرُ الناس أنفعهم للناس». (الجامع الصغير) نوع التنمية المقصودة اجتماعية.

دلالات قول الله تعالى: ﴿ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوة كأنه وليٌّ حميم ) ٣٤. (فصلت) رد الإساءة بالإحسان فيه استدامة ودوام للعلاقات الاجتماعية بين الناس.

تعيين – حنين بن إسحاق النصراني- من قبل هارون الرشيد، رئيسا للبعثة العلمية التي ذهبت إلى بلادِ الرّومِ من أجل البحث والتنقيب عن الكتب القديمة المدفونـة فـي خـزائــنِ  الأديرة و والكنائس والمعابد لترجمتها إلى العربية, فيه توحيد للجهود والعمل مع المخالف في الدين لما فيه خير البشرية.

لمحة عن الاستدامة في دولة الامارات

إن المتأمل في مسيرة دولة الإمارات العربية المتحدة المرتكزة على ثوابتها الأصيلة في حماية البيئة، يلاحظ إنجازات هائلة في مجال الاستدامة جعلتها في مقدمة الدول في هذا المجال، فما قام به الشيخ زايد من مكافحة التصحر وتخضير البيئة، وما له من آثار على التربة والمناخ ، يُعد إنجازا عظيما جعله رجل البيئة الأول، وما تقوم به القيادة الرشيدة من خطوات عملاقة في مجال الاستدامة والتحديثِ والتطوير، خير دليل على إنجازاتِ دولةِ الإمارات وتطلعاتها المستقبلية.

لقد ظهرت إلى العلن مؤسسات إماراتية متخصصة في مجال الاستدامة، كالمدن والتجمعات السكانية صديقة البيئة، ومؤسسات متخصصة في الاستدامة، مما جعل دولة الإمارات محطَّ أنظار العالم.

المؤسسات الإماراتية في مجال الاستدامة

مدينة مصدر .

مؤسسة الإمارات لتنمية الشباب.

استراتيجية دبي للطاقة النظيفة 2050

برنامج استدامة: مجلس أبوظبي للتخطيط العمراني.

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى